يتعرض الإنسان منا لكثير من المواقف والمشاهد في حياته اليومية ولكن ما رأيته في ذلك اليوم كان موقفا عجيبا شد من انتباهي وقلب كياني ووقفت أمامه مذهولاً متعجباً.
ابن من الأبناء مع والده في أحد المحلات التجارية.. الابن الصغير يتكلم مع عامل المتجر، صوت الابن يرتفع ثم بدأ يشتم (يلعن و.....) والأب يبتسم ويشجع وبحجة ماذا؟! بكل سهولة.. لكي يتعود الابن ويصبح رجلا.. وبردٍّ أقبح من ذنب: (خله يرخص له اتركه يفك حقه بنفسه) وما يزيد الأمر سوءا أن من شتمه الابن ورفع صوته عليه عامل من إحدى الدول الإسلامية الشقيقة ولسان حال هذا الأب والابن يقول.. هذا هو ديننا الإسلامي، وهذه أخلاقنا التي تعلمناها ونشأنا عليها في أرض التوحيد ومهبط الوحي. وهي رسالتنا لكم فتعلموها وانقلوها عنا.
هذه التصرفات الرعناء وغير المسؤولة مع ما نعيشه من أزمات متلاحقة خلال هذه الحقبة الزمنية لها دور عظيم في التأثير على نظرة المسلمين وغير المسلمين المقيمين في هذا البلد لهذا الدين، وخصوصاً أنهم يَعدُّون أبناء هذا الوطن بأنهم يمثلون هذا الدين خير تمثيل وإن ما يقومون به من الأقوال والأعمال هي أسس هذا الدين وما يقوم عليه.
أين هذا وغيره من شاكلته من موقف النبي عليه الصلاة والسلام مع اليهودي الذي كان له دَين على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء يتقاضاه قائلاً: إنكم يابني عبدالمطلب قوم مطل!! فرأى عمر بن الخطاب أن يؤدبه على هذا التطاول على مقام الرسول، وهم بسيفه يبغي قتله، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أسكت عمر قائلا: (أنا وهو أولى منك بغير هذا.. تأمره بحسن التقاضي، وتأمرني بحسن الأداء).
فانظر كيف أمر الإسلام بحسن المعاملة والعدل ولو مع فاجر أو كافر.
وقال عليه الصلاة والسلام (دعوة المظلوم -وإن كان كافراً- ليس دونها حجاب. دع مايريبك إلى مالا يريبك).
فهذه دلائل ونصوص لمنع الإسلام أن يقترف أبناؤه أية إساءة نحو مخالفيهم في الدين فما بالك بالمسلمين فهم من باب أولى.
لذا وجب على المربين والآباء بالخصوص أن يعتنوا بتربية أبنائهم على الأخلاق الفاضلة التي أُمرنا بها في مواضع كثيرة من كتاب الله الكريم.. قال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.. وسنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حين قال: (أثقل ما في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق).
لذا فحسن الخلق مطلب شرعي دعا إليه الإسلام لإسعاد بني الإسلام وللحفاظ على كرامتهم وبتلاشيه يفسد المجتمع وتحدث فيه الفرقة والتنافر بين الناس والتباغض والتحاسد.
ويكفي أن نعلم أن حسن الخلق أحد أهداف العبادة وأن المتخلق بأخلاق الإسلام ينال أجر العابد الخاضع لله. عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم) كما قال عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بأحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فأعادها مرتين أو ثلاثاً -قالوا نعم يارسول الله، قال: أحسنكم خلقاً).
ولنحقق دور الأخلاق في مجتمعنا لابد من نبذ الأعراف الفاسدة التي وللأسف ننشئ أبناءنا عليها في تعاملاتهم سواء مع بني جلدتهم ممن يكبرونهم أو مع أقرانهم أو مع الوافدين من المسلمين وغير المسلمين.
أيها الآباء.. إن مسؤوليتكم عن تربية أبنائكم مسؤولية عظيمة أمام الله سبحانه وتعالى، وسوف تُسألون غداً عن هؤلاء الأبناء. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
وكيف نقي أهلينا -وفي مقدمتهم الأبناء- تلك النار الهائلة إذا لم نربهم على مبادئ الإسلام ونخلّقهم بأخلاق القرآن،ونَسِرْ بهم سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
إن تربية الأبناء ورعايتهم يجب أن تحظى لدينا بالمقام الأول في أعمالنا ومشاغلنا الدنيوية، فلنخصص لأبنائنا الوقت الكافي، مقدمين ذلك على العمل والتجارة والسفر والسياحة والمتعة، حتى ننجو عند الله من المساءلة والحساب، ونكون عنده من المقبولين.
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية أو علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له).
فيا سعادة من ربّى أبناءه تربية صالحة حتى يكونوا له ذخراً يوم القيامة.
جاء في الصحيحين من حديث عمر (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..)
فيا أيها الآباء والمربون.. إنكم أمام أمانة عظيمة فأنتم رعاة مسؤولون عن رعيتكم، وانكم بناة وإن الباني لمسؤول عما يقع في البناء من زيغ أو انحراف. فالمنزل هو التكوين الأول للناشئة، وعلى أساسه يبنى مستقبلهم في الحياة فإذا كان هذا التكوين صالحاً كانوا صالحين لأمتهم ولأنفسهم، وإن كان مختلاً ناقصاً زائغاً بنيت حياة الجيل كله على فساد وساءت آثاره في الأمه.
إذا ما الجرح رم على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب |
لذا وجب علينا الاهتمام بتربية أبنائنا التربية السليمة وتنشئتهم منذ نعومة الأظفار على الأخلاق الفاضلة، قال الإمام الغزالي رحمه الله في (الإحياء): (ممّا يحتاج إليه الطفل أشد الاحتياج الاعتناء بأمر خُلُقه، فإنّه ينشأ على ماعوّده المربي في صغره من حَرَدٍ وغضبة لِجاجٍ وعَجلةٍ وخفّةٍ وهوىً وطيشٍ وحدّة وجشع، فيصعب عليه في كِبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخةٍ له، فإن لم يتحرّز منها غاية التحرّز فضحته لابدّ يوماً ما، ولذلك نجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قِبَل التربية التي نشأ عليها).
وإليك بعض الأمور المعينة والمساعدة على تربية الأبناء على حسن الخلق
- أن يكون الوالدان مصدرا للقدوة الحسنة في حسن المعاملة والأخلاق الفاضلة.
- مراقبة الأبناء وتعديل السلوك الخاطئ لديهم.
- تعويدهم على مكارم الأخلاق، وذلك بأن نضعهم في مواقف، ثم نرشدهم إلى الحل الذي يلزمهم بالخلق الكريم.
- ايجاد البيئة المناسبة التي تلتزم بالأخلاق الحسنة.
- أن نستشهد لهم دائماً بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ليكونوا لهم قدوة.
فبحرصنا على تربية أبنائنا ومجتمعنا على الأخلاق الفاضلة الحسنة نضمن بقاء وازدهار وحضارة أمتنا واستدامة منعتها لأنه بسقوط الأخلاق يسقط كل شيء وينهار.
|