تستطيع الولايات المتحدة، كقوَّة عظمى، أن تترك آثاراً يمكن تتبُّعها إذا سَعَت بجدٍّ إلى إحلال السلام في عدة نقاط ساخنة في العالم. لكنَّ مناصرة الظالمين والمحتلين والإسهام في قهر الشعوب يجعل نداءات واشنطن للإصلاح والديمقراطية غيرَ ذات أثرٍ، إن لم نَقُلْ: دعوات منبوذة؛ لأن الأفعال لا تطابق الأقوال.
وفي كل الأحوال، وحتى إذا كانت الأمثلة التي تقدِّمها واشنطن جيِّدة؛ فإن دافع كل دولة ومعطياتها ومجتمعها وثوابتها لا تُشكِّل بالضرورة البيئة المُثلى لتلقِّي أفكار وخطط جاهزة من الخارج لاستنباتها قَسْراً في غير تُربتها.
والشيء الصحيح أن أهل البلاد هم دائماً أدرى بأوضاع أرضهم وأهلهم، وأنهم الأجدر بابتكار وإيجاد الصِّيغ المناسبة لحكم مجتمعاتهم.
ومحور الدعوة الأمريكية، التي جدَّدها أول أمس الرئيس الأمريكي جورج بوش، هي الديمقراطية، وأول بنود الديمقراطية سيادة رأي الأغلبية، لكنَّ الحاكم المدني في العراق الذي يُمثِّل سلطة الاحتلال يخاطب العراقيين بما لا تَهْوَى أنفسهم، ويُحدِّد لهم خياراتهم بالقول: إن الشريعة الإسلامية لن تكون بين مصادر التشريع في العراق، وذلك دون أن يعرف ما هي خيارات الأغلبية.
وفي واشنطن يتحدَّثون بفخرٍ عما يُسمُّونه الديمقراطية الإسرائيلية، ويعتمد جانب كبير من الدعم الأمريكي لإسرائيل على هذه الديمقراطية المزعومة، غير أن إسرائيل تُقدِّم مثالاً واضحاً لكل معاني الاحتلال والتعنُّت والعنف، فهي التي تحتلُّ الأراضي، وتُدمِّر المنازل، وتقتل السُّكَّان يومياً، وهي التي تغتصب الأرض، وتُقيم الأسوار عليها؛ لتجعل سُكَّانها يعيشون في معازل.
بعض مظاهر الرفض العربي لهذه الطروحات عبَّر عنها أمين عام الجامعة العربية عندما قال: إن الذين يطرحون هذه المبادرة يُهدِّدون في ذات الوقت باجتياح دول عربية، ولا يُعيرون أي انتباه للنزاع العربي الإسرائيلي.
ومن الصعب تجزئة النظر إلى مثل هذه الدعوات وفصلها عن الوقائع على الأرض، فالمبادرات الأمريكية تواكبها أفعال تتناقض معها مُقدَّماً من جهة دعم الممارسات العدوانية الإسرائيلية، فضلاً عن روح الهيمنة التي تسيطر على أجواء المنطقة؛ حيث التركيز على إبراز العضلات العسكرية.
|