لكلٍّ منَّا وجْهٌ آخرُ لا يعرفه أحدٌ سِوَانَا..
رُبَّما يعرف شيئاً منهُ الأقربُ..
ورُبَّما لا..
لذلك جاء دعاء عليِّ بن أبي طالبٍ -كرَّم الله وجهَهُ ورضي عنه الله تعالى- بأن يغفر له ما لا يعلم الناس عنه، وليجعله خيراً مما يظنُّون..!
والخيرُ والشرُّ وجْهَان لتركيبة الإنسان..
من هنا مالت النفس في جانب الشرِّ إلى سُوئِها فأَمَرَتْ به..
وتطهَّرت بخيرها فأخْفَتْهُ..
ذلك لأنَّ منتهى الإحساس بالاستسلام لله تعالى الذي بيده مقود أمور هذه النَّفْس أن تَرْقَى بالاعتراف إلى توفيقه للخير في النَّفْس، وتيسيره للعمل به، فتُعيد الحَوْل في ذلك والقوَّة عليه إلى الله، فلا تَسْنِدُهُ إليها؛ ولذا تميل إلى العمل به صمتاً إمعاناً في الامتثال لطاعة الله، في أن لا ترى اليدُ اليُمنى ما تُقدِّم اليدُ اليُسرى، والنفس المؤمنة.. حَيِيَّة، ساكنة، رضيَّة.. وصاحبها ذو شفافية وهدوء، ورضًا.. وراحة.. لا يُقلقه إلاَّ أن يرقى في خيرية نفسه نحو بلوغ ذُروة الإحساس بالقرب من الله تعالى..
غير أنَّ الشرَّ في النفس مناطٌ بتسلُّل روح شيطانية دافعة لأن يتمرَّد على الاستسلام، فيقلق، ويتضخَّم، ويتظاهر، ويتدافع.. فلا هدوءَ ولا تواضعَ، ولا رضا ولا استسلام.. فذات هذا الإنسان هي محور تفكيره وعمله، في يقظته وهجوعه..
غير أن الإنسان عامَّة جُبل على الادِّعاء في صالح نفسه، فهو ينظر إلى هذه الذات في جوانبها الخيِّرة؛ إذ يميل إلى إمالة الحق له، والعمل الطيِّب إليه، فإن كذب الناس فإنَّ ذاته الصادقة، وإن غدر الناس فإنها الوفيَّة، وإن تكاسل الناس فإنه الهُمام النَّشِط، وإن تخلَّف الآخرون فإنه المُتقدِّم الشجاع.. وفي أي المواقف فإنه ذو الشأن الفرد.. لا يغلب لديه الوقوف في نقطة الحياد الصادق إلا إيمانُه وقُدرتُه بهذا الإيمان، على الفصل بين ما هو له، وما هو ليس، وما هو واجب عليه، وما هو عابر به، هذا الوجه الخفي الذي لا يدريه من الإنسان إلا نفسه، هو المسؤول الأول عن عمل الإنسان لنفسه، فإن هو أدرك أنَّ عليه بما يعلمه من هذه النفس من خير أو شر فيعمل على أن يبقي عليه ما فيها من الخير بالاستزادة فما يساعدها على الرُّقيِّ للرضا الشامل، أو أن يقضي على ما فيها من الشرِّ بالعمل على ما يُخلِّصها منه، لبلوغ الرضا، والعمل على الاستزادة منه، فإنه لا شكَّ سينال ما يناله القريب من ربِّه.. الراضي بقدر الله فيه، العامل بسعي نحو مزيدٍ من تظهير هذه النفس وتخليصها مما يكدر عليها، أن تعبر من الحياة بسلام النَّاجي، ويقظة المخلوق المؤمن.
فأيَّ الوجهين فيك تعرف؟!
|