الحياة مليئة بالسخف.. والسخافة لاشك (نسبية)، بمعنى أن أمر تعريفها يختلف من شخص إلى آخر، ومن زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان.. وبغض النظر عن هذه الحقيقة التي يتم اغتيالها ليلا ونهاراً في كافة أرجاء المعمورة، فإن أسخف (السخافة) في رأيي هو أن تأتيك النصيحة من خارج أسوار واقعك الثقافي.. بل ومن مكان حياته مغايرة لطريقة حياتك.. أنت منه على النقيض مما هو.. أما الأسخف من السخافة فهو أن تتمحور النصيحة تلك حول أدق الأشياء لديك.. وتنهمر على أغلاها عندك.. وتتركز على أثمنها في قاموسك الحياتي.
أما الأمثلة على ذلك فأكثر من أن تعد ،ناهيك عن أن تستعرض، غير أن أقربها للذهن كاتب غربي، ومجلة غربية أيضاً، أما الكاتب الغربي فهو المدعو توماس فريدمان.. صاحب العمود الشهير في نيويورك تايمز وهو عمود ينضح بالنصائح (المغتالة) ثقافيا والتي لا تعير أي اهتمام لنسبية الثقافات واختلافها ولا تعترف ب (الموضوعية) الواجب التحلي بها حين يكون الطرف الآخر من النقاش (أو النزاع) شخصاً مغايراً بقيمه وعاداته وتقاليده، فما بالك حين يكون الطرف الآخر من النزاع أمة ذات واقع ثقافي له من العمر ما يفوق عمر الحضارة الأمريكية أضعافاً وأضعافاً، والغريب من مثل هذا الكاتب إصراره على (البراءة) التي هو منها بريء بريء.. أما الأغرب فهو أن تحتفي بفكره بعض الصحف العربية فتفرد لعموده المذكور حيزا مترجما يرجمنا من خلاله بنصائحه المسمومة والساخرة. جدير بالذكر أن لصاحب شدو مع فريدمان قصة طريفة.. أو محزنة.. أو مضحكة مبكية ملخصها رفض هذا الكاتب اليهودي الديانة الإجابة عن سؤال طالما طرحته عليه بأدب من خلال بريده الإلكتروني، أما ملخص هذا السؤال: فهو حقيقة أننا نعلم ما جري لليهود من مضايقات بل ومذابح غير إنسانية عبر التاريخ الانساني... غير أننا نجهل لماذا تكرر حدوث مثل ذلك لليهود بعينهم ومن قبل أغلب الحضارات الإنسانية بمختلف ثقافاتها ودياناتها؟!
أما المثال الآخر على السخف القادم من بعيد فيمثله هذا الأسبوع على وجه الخصوص مجلة (تايم) الأمريكية في عددها الأخير (23 فبراير، مج 163، العدد 8)، فمن الخارج ازدان غلافها بعنوان عريض نصه (انتفاضة النساء العربيات) أما من الداخل فقد أفردت هذه المجلة سبع صفحات من التقارير غير الموضوعية المزدانة بمقابلات مع عدد من النساء العربيات اللائي أطلقت عليهن المجلة المذكورة صفة (Dynamic women)، ومن المعروف أن الديناميكية تقابلها الاستاتيكية والتي تعني الجمود وعدم التغير، إذن فالقليل من نسائنا (ديناميكي) أما الأغلبية الصامتة -وفقا لهذه الرسالة الإعلامية المدسوسة بدهاء- فهن استاتيكيات....جامدات... بعيدات عن ادراك واقعهن...
|