لا يجادل عاقل في أن الإصلاح هو مطلب أساسي لكل المجتمعات التي تسعى إلى النهضة الحضارية وتحقيق أهدافها التنموية لتواكب إيقاع العصر المتسارع، ولكن للنهضة شروط، وللإصلاح معايير، أهمها وأسماها وأجلها على الإطلاق هو أن يكون الإصلاح وفق معايير المجتمع، ومنسجماً مع النسيج الحضاري والثقافي، وفي هذا السياق تؤكد الشهود التاريخية والسوابق السياسية، أن محاولات الإصلاح التي تأتي من الخارج تصاب بالفشل الذريع لأنها تتصادم مع هوية المجتمع وتتعارض مع القيم الدينية والسياسية والاجتماعية السائدة فيه.
لقد أكد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في محاضرة لسموه أمام ندوة العلاقات الأوروبية السعودية في مركز السياسات الأوروبية في بروكسل في الأيام الماضية على هذه الحقيقة واستشهد بفشل تجربة الحقبة الاستعمارية في العالم العربي التي اتسمت بانتهاج السياسات المنسجمة مع المفهوم الاستعماري لعبء الرجل الأبيض كأسلوب للتحضر، وأنها لم تسهم سوى في تأخر التنمية في المنطقة وتأزم أوضاعها، وهو ما ينطبق الآن على المحاولات الأجنبية التي تسعى إلى فرض تجربة تاريخية مختلفة عن الأوضاع السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية.
إن تجارب الأمم والحضارات السابقة تؤكد أن الإصلاح لابد أن ينبع من الداخل، وأن يكون متوافقاً وهوية الأمة وقيم المجتمع، وأن محاولات الإصلاح وفق النماذج الخارجية تعد صداماً للحضارات وتدخلاً في شؤون المجتمعات، ولذلك فإن مصيرها الرفض والفشل.
ولقد استبشر الرأي العام المحلي والعربي خيراً بالبيان المشترك الذي صدر عن القيادتين السعودية والمصرية الذي أكد هذه الحقيقة، إذ عكس مواكبة ما يجري في المنطقة، ومستبقاً لما ينتظرها من استراتيجيات خارجية تهدف إلى زرع (فسائل الإصلاح) برؤية أجنبية لا يمكن أن تعيش وتنمو في غير ترابها وبيئتها.
ومن الواجب على مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي والمفكرين والمثقفين أن يقفوا خلف هذا البيان (الوثيقة)، وأن يعدوه منهجاً للإصلاح في المجتمعات العربية والإسلامية، وتفعيله على كل المستويات المحلية والعربية والإسلامية والدولية حتى يكون في الأمر من الوضوح ما يحسم القضية، ويجلّي الرؤية. كما أن على وسائل إعلامنا - وأخص المحلية منها - أن تضع الاستراتيجيات البرامجية المختلفة لتأكيد مضامين البيان، وترسيخها في عقل المواطن، فالقضية جد مهمة ولا وقت للتخاذل أو التقاعس، فنحن نتحدث عن المستقبل والمصير.. والله المستعان.
|