Sunday 29th February,200411476العددالأحد 9 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رأي (آخر)..في المَناهِج و(المُعلِّمِين)..؟! رأي (آخر)..في المَناهِج و(المُعلِّمِين)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

من المسؤول عن الانحرافات الفكرية بين الشباب، وما مصادر الكره والتكفير، وما دوافع الإرهاب الفكري والجسدي..؟
أسئلة كثيرة تدور.. وأجوبة أكثر منها، فأين هي الحلول..؟
أعتقد أن الأمر له أكثر من وجه، وان مسألة التعاطي، لابد وأن تكون في حجم القضية، تلك التي تُتَداول في الغالب، من وجهها التربوي والتعليمي، وذلك من خلال محورين أساسيين هما: المنهج في صيغته المقرراتية، والمعلم كأداة تنفيذية.
لقد كتب كثيرون في هذا الموضوع، وكتبت أكثر من مقال أبديت فيه وجهة نظري في الجانب التربوي خاصة، وجاءني أكثر من رأي (آخر) في الموضوع ذاته، وقد اخترت اليوم من هذا (الرأي الآخر)، ما كتبه السيد (محمد بن عبدالعزيز التميمي) من الرياض، أعرضه هنا، وأعلِّق عليه بعد ذلك.
يقول الأخ (التميمي):
تحرص الأمم والشعوب، على النهوض بفكر شعوبها، والرقي بمستوى مهاراتهم وثقافاتهم، يتضح ذلك جلياً، في تخصيص الميزانيات الطائلة، والأوقات الثمينة على قطاع التربية والتعليم.
وبلادنا ولله الحمد، أوْلَت التربية والتعليم، عناية خاصة، فهيأت المباني، وجهزت المعامل، ووفرت المعلمين، وانتقت أفضل المناهج، ورصدت الأموال الطائلة، وذلَّلت كل الصعاب التي تقف عثرة في طريق تربية الشباب وتعليمهم.
ولما كان المعلم هو قائد العملية التربوية، والمدير لدفتها، فقد أولته الدولة عناية خاصة، وخصته بمزيد اهتمام، فأجزلت له العطاء، وأسدت إليه سابغ النعماء، ومنحته تميزاً فريدا عن باقي موظفي الدولة، وليس ذلك بكثير على من يبذل كل ما بوسعه من أجل أن يخرج لنا أجيالاً صالحة، تؤمن بربها وتخشاه، وتصدق بنبيها محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلوات والتسليم، وتقتدي به، وتحترم العلم وتوقر العلماء، وتدين بالإسلام، وتنشر النور والخير في كل مكان:
أرأيت أشرف أو أجلّ من الذي
يشقى لينشىء أنفساً وعقولاً؟؟
ولكن المتأمل لوضع بعض شبابنا اليوم وما يعيشونه من تخبط وضياع وخوف وقلق وعزلة وانتقام، ليتساءل بقلب محترق، وفؤاد مكلوم: من المسؤول عن ذلك..؟
لماذا يقدم الشباب اليوم، على الانتقام من المجتمع، بأي صورة من صور الانتقام..؟
لماذا يريد الشباب اليوم أن يثبت للمجتمع وجوده، ولو بطرق مخيفة ومروعة..؟
هل وعى المعلمون اليوم، دورهم التربوي قبل التلقيني، تجاه طلابهم وتلاميذهم..؟
هل أدرك المعلمون اليوم، ما يعيشه وطنهم، من أزمة تربوية، يكتوي المجتمع بنيرانها..؟
هل أن ما نشاهده اليوم، من سلوكيات منحرفة من بعض شبابنا، ناتج عن خلل في مناهجنا..؟
لا وربي.. فالمناهج بريئة من ذلك كبراءة الذئب من دم يوسف. مناهجنا - ولله الحمد - شاملة كاملة، ذات صبغة إسلامية رشيدة، تغرس في نفوس متلقيها، عقيدة التوحيد، وتربي في قلوبهم روح الفضيلة وتقيهم مهاوي الرذيلة، وتذكي فيهم روح التسامح والخير، وتعينهم على نشر النور والخير في أرجاء المعمورة، وإنما السبب في ذلك، هو من يقوم بتقديم تلك المناهج على غير مرادها، وفقاً لأهواء ونزوات ورغبات وتحزبات.
إن ما عليه بعض المعلمين اليوم، من ضعف في السلوك، ونقص في العلم، وشطط في المعتقد، لتظهر آثاره جلية في سلوك الناشئة وأخلاقهم.. وإلا فماذا ننتظر من شباب يرون قدوتهم (المعلم)، الذي يطعن في أعراض هيئة كبار العلماء، ويسفه آراءهم.
ماذا ننتظر من شباب، يرون قدوتهم (المعلم) الذي لا يجيد بعض مسائل الطهارة، يخالف آراء كبار العلماء، ومن شابت لحاهم في مسائل العقيدة والدماء، وباب الأسماء والأحكام..؟!!
ماذا ننتظر من شباب، يرون قدوتهم، يتلفظ بألفاظ نابية، لا تصدر من سفلة القوم فضلاً عن متعلميهم..؟!
ماذا ننتظر من شباب، يرون قدوتهم (المعلم)، قد تسمّر أمام شاشة الإنترنت، وتغسل فكره بما تبثه من سموم..؟!!
ماذا ننتظر من شباب، يرون قدوتهم (المعلم)، وقد سبقهم إلى الجلوس في مقاهي الفساد والإفساد..؟!!
ماذا ننتظر من شباب، تجاسروا على الفتيا، وسفهوا كبار العلماء، واتهموهم، وقدحوا في علمهم، مقتدين بمعلمهم الذي سبقهم إلى ذلك..؟!!
إن وظيفة المعلم، هي وظيفة الأنبياء والرسل، وهي التي كانت ومازالت، من أشرف المهن وأجلها، فما بالنا نراها اليوم في مجتمعنا، وقد أصبحت (وظيفة من لا وظيفة له)..؟!!
لماذا توضع الشروط، وتجرى المقابلات الشخصية، وتدرس حالة المتقدمين لبعض وظائف الدولة، في حين نرى أن أشرف المهن، يتسلق أسوارها، كل من حمل الشهادة الجامعية، بغض النظر عن فكره ومنهجه وخلقه وسلوكه..؟!!
إننا لا نستنقص في هذا المقام، ما يقوم به معظم رجال التربية والتعليم اليوم، من جهود جبارة، وسعي حثيث، في سبيل تربية النشء وتحصينهم، وفي تقويم بعض زملائهم، ولكننا ننتظر المزيد.. نعم ننتظر المزيد.. لأن آمال الأمة، معقودة على نتاجهم، وأفرادها قد استأمنوكم - يا أيها المعلمون - على أعز ما يملكون.. استأمنوكم على فلذات أكبادهم.. استأمنوكم على قرة أعينهم. فهؤلاء الناشئة، أمانة في أعناقكم، وسوف تسألون..!!
كونوا لهم خير موجه ومعين على أمور الخير. كونوا قدوة صالحة لهم، يتعلمون منكم فضائل الأعمال والأخلاق. يتعلمون منكم توقير الكبير ورحمة الصغير.. يتعلمون منكم احترام العلم وفضل العلماء.
وفي الختام.. لا أنسى، تذكير نفسي، وتذكير زملائي، عظم المسؤولية التي أنيطت بهم، وأن على عواتقهم أمانة ورسالة يؤدونها، كل في مجاله، وعلى قدر استطاعته لكي يتحقق لنا جميعا ما نصبو إليه من الغاية الرئيسة لعملية التربية والتعليم في بلادنا، ألا وهي: تحقيق العبودية لله عز وجل في حياة الإنسان، على مستوى الفرد والجماعة، وبذلك.. تتحقق جميع الأهداف التربوية الصالحة للفرد والمجتمع بإذن الله.
انتهى كلام السيد (محمد بن عبدالعزيز التميمي)
أقول بعد ذلك:
أتفق مع الأخ العزيز، في بعض ما ذهب إليه، وأختلف معه في البعض الآخر. أتفق معه في كون (بعض) المعلمين، هو جزء من المشكلة التي نعاني منها، ثم أختلف معه فيما ذهب إليه، من كون مناهجنا كما قال: (بريئة من ذلك كبراءة الذئب من دم يوسف)..! أعتقد أن كلا الطرفين، (المناهج والمعلم)، مسؤول عن (جانب) كبير، من ظاهرة التطرف والتشدد في المجتمع السعودي، فالمعلمون القائمون على تأدية مناهج اليوم، كانوا تلاميذ وطلابا لذات المناهج بالأمس، وهذه حجة ضد المناهج، وليس معها، حين ذهب القارئ الكريم إلى تجريم المعلمين وحدهم، وتبرئة المناهج.
كما أني على ثقة كبيرة، بأن في المعلمين من هو أقدر مني، على دفع ورد التهم التي وجهها إليهم السيد (التميمي)، ودوري هنا، هو إيضاح وجهة نظري لا أكثر، مثلما فعلت ذلك في مقالات سابقة.
إن المناهج الدراسية ومقرراتها، ينبغي أن تكتسب صفة الحيوية لا الجمود، وذلك لكي تظل قادرة على التكيف مع حاجات العصر، وقادرة على تلبية متطلبات الوطن، فتكون دائمة التجدد والتطور والتغير في أي وقت، لأنه لا نص عندنا يستحق التقديس، إلا ما ورد من آيات كريمات في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الصحيحة، أما غير ذلك فهو من صنع البشر، الذين يصيبون ويخطئون على الدوام.
لقد رأينا كيف تقاطعت جملة من المفاهيم في حياتنا العامة، فجرى الخلط بين الجهاد والإرهاب، وبين الحب والكره، وبين التسامح والتشدد، وضاعت البشاشة مع التجهم، فاستطاع (بعضهم) في غفلة منا، ان يلوي أعناق بعض النصوص، وأن يفهم من بعضها ما يريد هو فهمه، وأن يربط ذلك كله بالدين..! فهل نأتي اليوم لنقول: إن المعلم وحده مسؤول عن هذا الخلط والتزييف..؟ بالطبع لا ثم لا. المعلم موجود في المشهد العام للمشكلة، هذه حقيقة، لكنه ليس وحده، هناك المناهج، وهناك الإعلام، وهناك الخطاب المنبري.. إلى غير ذلك من أسباب، ساهمت ومازالت في المشكلة التي نتحدث عنها.
حتى نكون منصفين في هذه المسألة، لابد أن نعالج أولاً، كافة المراتع والمنابع، التي تولد وتغذي الإرهاب، ثم نعرج بعد ذلك، على شريحة (المعلمين والمعلمات). فهذه الشريحة، هي شريحة متلقية في الأساس، قبل أن تكون ملقنة.

فاكس 027361552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved