Sunday 29th February,200411476العددالأحد 9 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
عن قرار الفحص قبل الزواج
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

صدر عن مجلس الوزراء مؤخراً قرار في منتهى الحضارية للحفاظ على الأجيال القادمة، والعمل على تقليص الدلالة، التي لا يختلفُ عليها اثنان.
هذا القرار يقضي بإلزام الزوجين قبل عقد قرانهما بالفحص الطبي، بالشكل الذي يضمن خلوهما من الأمراض المعدية، وكذلك يُبين مدى صلاحيتهما فيما بعد الزواج لإنجاب أطفال طبيعيين.
العلم الحديث أثبت بصورة قطعية أن الفحص الطبي قبل الزواج يُمكن أن يتنبأ بكثير من المآسي الإنسانية قبل وقوعها. كما أن مثل هذا الإجراء الاحترازي من شأنه محاصرة انتشار الكثير من حالات الإعاقة في مجتمعنا، وتقليلها إلى حدود دنيا، إضافة إلى أن من أهم أهدافه أن يحمي الزوجة أو الزوج من حالات معدية، وبعضها مميتة، لجهلهما بما يحمله أحد طرفي الزواج من أمراض لا يمكن أن تكتشف إلا بالتحليل الطبي. هذا فضلا عن أن الإصابات بأمراض الدم الوراثية في المملكة في تزايد مستمر كما تقول الاحصائيات، وفحص دم الزوجين من شأنه السيطرة على مثل هذه الأمراض، وما تسببه من خسائر مادية على المنشآت الصحية بالمملكة، وما ينشأ عنها من مشكلات نفسية واجتماعية للأسر التي يعاني أطفالها من مثل هذه الأمراض الوراثية.
ولا يعني أن الفحص قبل الزواج قد يحرم بعض الحالات المرضية من الزواج والإنجاب كما يتصور البعض بقدر ما ان اكتشاف هذه الحالات قبل الارتباط الزوجي، من شأنه حماية أحد الزوجين من مشاكل ما بعد الزواج بشكل علمي واحترازي.
يقول الدكتور يعقوب المزروع: انه يمكن للشخص المصاب بأحد الامراض الوراثية ان يتزوج، وينجب أطفالاً أصحاء، شريطة اختيار الطرف الآخر المناسب الذي لا يحمل المرض نفسه، كما ان معرفة هذه المعلومة يساعد في التخطيط لبناء اسرة صحية تساهم في بناء مجتمع صحي ومنتج.
ورغم ترحيبنا بهذه الخطوة الحضارية والجريئة وغير التقليدية بكل المقاييس فإن من الضرورة بمكان أن نتنبه إلى ما يُمكنُ أن يترتب على قرار مثل هذا من سلبيات تطبيقية، يجب أن نتعامل معها منذ البدء بمنتهى الحزم والجدية، من أجل أن يؤتي هذا القرار ثماره التي ما صدر بدءاً إلا لتحقيقها.
أول هذه السلبيات أن ثمة «مستشفيات أهلية» ستحاولُ - كالعادة - استغلال هذا القرار لجني أكبر قدر من الأرباح. لذلك ستلجأ الى توسيع دائرة الفحص والتحاليل لتشمل مجالات لا علاقة لها بالأمراض المعدية أو الوراثية التي صدر هذا القرار أساساً من أجل الاحتراز منها، الامر الذي سيضيف الى تكاليف الزواج تكاليف اضافية، رغم ما يكتنف تكاليف الزواج هذه الأيام من أعباء مادية باهظة.
لذلك فإنني أري ان يتم تحديد مجالات الفحص من خلال استمارة يُصدرها «مأذون الأنكحة» نفسه موجهة الى المستشفيات يُحددُ فيها مجالات الفحص المطلوبة، بالشكل الذي يمنع أصحاب المستشفيات أو المختبرات الطبية من التلاعب في مجالات الفحص. كما يجبُ أن يُحدد من قبل وزارة الصحة سعر معين وعادل ومعقول تلتزم به المستشفيات لقاء الفحص، ويجري محاسبة الزوجين طالبي الفحص بموجبه.
الأمر الآخر، الذي اخشاه، ان تلعب المحسوبيات والواسطات دوراً سلبياً في اجهاض هذا القرار من مضمونه، وتحويله إلى إجراء روتيني لا يتم الالتزام والتقيد بتطبيقه بجدية، بالشكل والمضمون الذي يُفرغه في النتيجة من محتواه، ويخل بأهدافه. وهذا - بصراحة - احتمال متوقع إذا لم يصاحب تطبيقه مراقبة حازمة ومتابعة صارمة، لكل من يتلاعب في تنفيذ هذا القرار. وهذا لا يعني إلزام أي من طرفي العقد بنتائج الفحص الطبي متى ما شاء عدم الالتزام بها كما نص القرار الوزاري، إنما يجب أن يُواجه طرفا العقد بحقيقة الفحص، وبما سوف يترتب على زواجهما من محاذير مؤكدة أو احتمالية، ثم لهما بعد ذلك حق الاختيار.
دون ذلك سيصبح هذا القرار المهم حبراً على ورق بكل المقاييس، كما هي حال الكثير من القرارات المشابهة، التي تنتهي - للأسف - مع الزمن والاسترخاء و«الفزعات» عند التطبيق الى مجرد اجراء هامشي، بإمكان أي موظف صغير ان يتخطاه وهو آمن من المساءلة والعقاب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved