قالت: جلست على أحر من الجمر أنتظر عودة زوجي، وفجأة رن جرس الباب، فذهبت مسرعة بقلب خافق لفتح الباب، تطلعت إلى وجه زوجي وعلمت كل شيء.. رأيت الشحوب على وجهه والدموع متحجرة بعينيه، سألته عن حال ابننا الذي يرقد في المستشفى لمرض ألم به، فلاذ بالصمت، علمت أن في الأمر شيئاً، لا بد ان ابني قد مات، فأخذت أجهش بالبكاء دون شعور، حاول زوجي بكل الوسائل ان يهدئ من روعي قائلاً: يجب عليك ان تصبري، وتتمسكي برباطة جأشك ولا تدعي العنان لحزنك وبكائك، فهذه مشيئة الله عز وجل، ولا مرد لمشيئته، ولكنني وجدت انه ليس من السهولة ان أنسى الموقف بهذه الصورة، لم أستطع ان أمسك من نفسي فاسترسلت بالبكاء.
شعرت ان حياتي بعد موت ابني تبدلت في لحظة إلى شيء آخر، تبدلت من سعادة إلى شقاء، فلم أعد (ليلى) تلك التي تعرف بالسعادة والمرح ممن حولها، لم أعد استقبل واحدة من جاراتي، وحتى زوجي لم أعد استقبله كعادتي حين عودته إلى المنزل، بل صرت أصرخ في وجهه عندما يوجه إليّ أية كلمة واتخذت من غرفتي مكاناً أنطوي فيه بعيدة عن الناس.
وفي يوم بينما كنت جالسة في غرفتي أستعرض أمامي لعب طفلي الذي فقدته، تناولت مرآتي وجعلت أنظر إلى وجهي وقد علاه الشحوب ورسم الحزن خطوطه العريضة عليه، فقلت في نفسي: لكم تغيرت وبدأت أشعر بالخطأ الذي ارتكبته في حق نفسي وقبل كل شيء في حق زوجي المسكين، الذي حولت سعادته إلى شقاء، فما ذنبه هو؟ ان ما حدث كان بإرادة الله، قلت: يجب ان أصبر لمشيئته تعالى، فهو الذي أخذ مني أعز ما أملك وهو القادر جل جلاله على إعطائي كما أخذ مني.. إذن لماذا لا أصبر؟ أستغفرك يا الله وأتوب إليك، فلقد أخطأت.. لقد أخطأت.. ان حياتي أنا وزوجي شركة بيننا ويجب ان نتقاسمها بحلوها ومرها.. بسعادتها وشقائها.. وشعرت من ذلك الحين أنني أعود إلى عقلي وإلى تفكيري، ثم نهضت بكل حزم إلى ناحية الباب استقبل زوجي حين عودته وأعتذر له عما بدر مني دون شعور، واستسلمت للأمر الواقع الذي لا بد منه.
عزة محمد |