شهدت المدينة المنورة خلال شهر ذي الحجة الماضي وفي فترات تكاد تكون متزامنة سلسلة من الحوادث والجرائم الكبيرة المفجعة وغير المسبوقة في هذه المدينة الوادعة التي من أسمائها الكثيرة المطمئنة حيث روعت تلك الحوادث الأهالي وبددت بعض طمأنينتهم نظراً لفداحة ما أثمرت عنه تلك الحوادث من فجيعة وألم كما أن حدوثها في أوقات متتالية أوجد شعوراً لدى البعض بأن هذا مؤشر سلبي على ارتفاع معدلات الجريمة في منطقة لم تعهد مثل هذه النوعية من الحوادث كسائر مناطق المملكة التي تتمتع بأمن وأمان على مر الزمن رغم حدوث بعض الحوادث الاستثنائية أحياناً وقد شعر الأهالي بقلق خلال هذه الفترة وطالبوا الباحثين الاجتماعيين بمتابعة هذه الظاهرة وبحث مسبباتها.
ويرى باحث اجتماعي تابع مراحل تلك الحوادث أن حدوث بعض الحوادث الجنائية والحوادث العرضية في فترة زمنية متقاربة في مدينة واحدة ليست مؤشراً على ارتفاع معدلات الجريمة في منطقة البحث مشيراً إلى أن تزامن حدوث عدة جرائم وحوادث في منطقة المدينة المنورة في أيام متتالية ومنها جريمة قتل الطفل الباكستاني الذي وجدت جثته بدون رأس في أحد أودية المدينة المنورة وجريمة قتل المقيم المصري لمقيم سوداني إثر خلاف عرضي بينهما وإقدام طفل على قتل والده إضافة إلى مقتل طالبتين إثر حادث الدهس المشئوم وهو حادث عرضي مروري سببه التهور لمراهق وكذا ضبط عصابة لسرقة السيارات والجوالات التي أثرت سلباً على تفكير المواطنين والمقيمين وأشعرتهم بنوعٍ من القلق حيث حدثت هذه الأحداث في غضون عدة أيام وهو ما جعل تفكير البعض يذهب بعيداً تحت تأثير هذه الحوادث وتجاوز المنطق العقلاني إلى انطباعات ليس لها وجود فعلي ولله الحمد ومنها أن المدينة المنورة الآمنة باتت منطقة جريمة بل اعتقد البعض وجود الجريمة المنظمة عطفاً على القبض على عصابة السرقة وهذا خطأ في الاستنتاج وانحراف في الفكر الاجتماعي تحت ضغط حدث استثنائي سببه والدافع إليه تعدد الجرائم في وقت متقارب إضافة إلى أن بعض الصحف المحلية ومن باب التنافس والإثارة ساهمت في تضخيم هذه الحوادث .
كما أن تناقضها في نقل أخبار تلك الحوادث في ظل غياب المعلومة الصحيحة من الأجهزة الأمنية ساهم في تنامي الآثار السلبية وقال الباحث إن الكثير من المجتمعات في العالم تشهد العديد من الجرائم وبشكل أكبر مما حدث في المدينة المنورة إلا أن التعامل الإعلامي معها يكون أكثر مسؤوليةً ووعياً حفاظاً على أمن المجتمع منتقداً التعامل الإعلامي مع الحوادث ومشيراً إلى أن غرابة هذه الجرائم في المجتمع أعطت النشر الصحفي بعداً أكبر.
وأكد الباحث أن المجتمع في المدينة المنورة وبتركيبته الاجتماعية المعتمدة على قيم وتعاليم مستمدة من الدين الإسلامي الحنيف هو كغيره من فئات المجتمع السعودي مجتمع مسالم وغير عدواني وينبذ العنف والتعدي على الآخرين وهذا جزء من ثقافتنا الاجتماعية ويجب مراعاة ذلك مطالباً الصحف المحلية بالحد من المبالغة في تصوير هذه الحوادث سعياً للإثارة دون تفكير بالنتائج السلبية لهذا النهج.
وطالب الباحث الأجهزة الأمنية بوضع آلية عمل منضبطة لنشر الأخبار حول الحوادث الجنائية وإلزام الصحف بها حماية للمجتمع ووجدت في استنتاجات الباحث العديد من الإيجابيات التي يجب أن تهتم بها الجهات ذات العلاقة وأعتقد أنه حان الوقت لوجود إعلام منظم عن الجريمة حيث تشهد العديد من مناطق المملكة حدوث جرائم رغم بساطتها إلا أنها لها تأثير سلبي على المجتمع خاصة إذا تم نشرها في الصحف بأسلوب مثير وخضعت تغطية الحدث لنظرة المحرر وإغراقه في سرد احداث وهمية وترويج تهم ليس لها وجود وربما يكون لها تأثير سلبي على ذوي المجني عليه وانعكاسات على سير التحقيق.
وهنا أرى ضرورة اعتماد فكرة الإعلام الأمني في وزارة الداخلية بحيث تصدر الجهة الأمنية التي تشرف على موقع الحدث أو الجريمة بياناً عاجلاً فور حدوث الحدث وتلزم وسائل الإعلام بنشره وتحد من الاجتهادات التي نراها من البعض ويبقى دور الصحافة تسليط الضوء على الجوانب المتعلقة بالحدث بأسلوب توعوي
كما أن على الجهات الأخرى ذات العلاقة مثل الهلال الأحمر والدفاع المدني وأية جهة ذات علاقة بحدث ما ليس له طبيعة جنائية أن تصدر بياناً حول صحة ما حدث وبهذا سوف يكون النشر مقنناً ويخدم المصلحة العامة التي نحرص عليها جميعاً والله الموفق.
|