فرضية أن تكون مناهجنا منبعاً للإرهاب والتطرف الفكري فرضية لاكتها عقول وعواطف كثيرة حول العالم.. بعض هذه العقول، موغل في البحث -يتجرد- عن أسباب المشكل الدولي المعاصر، بينما تلطخ البعض الآخر بدناءة السعي لصناعة وتشكيل أسباب الإرهاب الدولي بطريقة مؤسسة على رأي مسبق، وعلى عواطف ونزعات ذاتية معلبة. المشكل (المنهجي) في مجتمعنا مشكل معقد جدا، لن أتناوله تفصيلا في هذه المداخلة لتراكم القول والفعل حوله لكنني قد أؤكد وجهة نظري حول القصور الكبير في كثير من مركباتنا المجتمعية المعنية بالتطوير والتغيير، وهو الموضوع الذي سبق تناوله في هذه الزاوية من أكثر من وجه.
حيث تعاني مناهج التعليم عندنا من مقصلتي الخوف من التغيير، والعجز في الآليات المتاحة لليسير منه. ولهذا فمناهجنا تعاني من التقادم تارة، ومن الأنظمة التعليمية والجامعية المتهالكة تارة أخرى، وهي معضلة كان الأولى بنا أن نربأ بأنفسنا من الانزلاق فيها لو أننا كنا أقدر على التفاعل السريع جدا مع المتغيرات العالمية، وعلى تطوير كل ما لدينا، مع أولوية مطلقة لمناهج التعليم، وبخاصة في العقود القليلة المنتهية التي شهدت تطورات تقنية فائقة السرعة.
لكن هذا كله أمر، وأن تكون تلك المناهج منبعاً للإرهاب أمر آخر. من تبسيط الأمور وتسطيحها الاعتقاد بأن مناهج التعليم في أي مؤسسة تعليمية رسمية في الشرق أو الغرب تؤسس على فكر (إرهابي)، وأكثر سذاجة من هذا الاعتقاد ان توصف بذلك (المؤسسات) التعليمية في مجتمع متدين مثل مجتمعنا، لأن العقلاء في العالم يوقنون بأن الأديان السماوية كلها لايمكن أن تكون مصدراً للإرهاب، والمؤسسة التعليمية الرسمية سوف تخضع بالضرورة لإجازة رسمية، والرسميون في البلدان المتدينة يجعلون مرجعيتهم في إجازة المؤسسات التعليمية مرجعية دينية في المقام الأول. إذاً، من أين جاء فكر الإرهاب؟ وكيف تشكل هذا الداء العضال لدى عدد من المنتسبين للمؤسسات التعليمية وغيرهم؟ أعتقد أن البيئة المتسمة ب (الفراغ المنهجي) أو (العدم المنهجي) أو (اللامناهج) في بيئات صحراوية وجبلية معزولة في أقاصي الشرق خاصة، هي البيئة التي أنتجت الفكر المتطرف المحرف المغالي الإرهابي، ذلك أنها بيئة لاتستند إلى مرجعيات مؤسسية، ولا تحكمها (مناهج تعليمية) رسمية، فأخذ الناس الفكر المنحرف -هناك- من جهالهم، ومن مريدي المجد الدنيوي البائد والسلطان، فضلوا وأضلوا. وبمقارنة سريعة بين (مناهجنا) ومنتج الصحارى والكهوف، يمكن القول: إن مناهجنا قائمة على (العلم) أصلا و(الفكر) فيها ثانوي مستند مسترشد بالقول العلمي الصحيح والأرجح والأصوب والأتم. أما منتج الجبال، فالأصل فيه (الفكر البشري) وليس (العلم)، والفكر قد يضل وينحرف، بل قد يكون ضالا منحرفا بالضرورة إن لم يرشده منهج ومحتوى علميان مهتديان. وبذلك، فقد يسوغ الخلوص إلى ان الفكر الإرهابي المنحرف إنما تشكل في تلك البيئات الخالية -أصلا- من (مناهج التعليم) ولكن، كيف أتيح لهذا الفكر المنحرف ان ينتشر في العالم؟ لايسوغ أيضا، أن يكون وراء انتشار الفكر الإرهابي دولة ما من دول العالم النامي، المنشغلة -أصلا- بنشر الهاتف، والكهرباء والماء، وتعبيد الطرق على مجمل أراضيها بل لابد من دولة محورية فائقة القدرة، كانت لها مصالح ومكاسب استراتيجية لكبح جماح المد الأحمر في أفغانستان يوم ان أججت الجنوح الفكري وغذته ودعمته هناك، ليحقق مصالحها الاستراتيجية بالتدين المزعوم، حتى إذا ما شب وخرج عن الطور، في زمن انتفت فيه الحاجة إليه، وانقلب فيه (السحر على الساحر)، زعمت أنها تفاجأت بظهور التطرف والغلو وانشغلت بالبحث عن بيئة ساحقة بعيدة عن الموطن الأصلي الذي كونت الإرهاب فيه، لينشغل البسطاء من الناس في العالم بالاكتشاف الغربي الجديد، للخطر الجديد الذي يهدد العالم.. دول غربية كثيرة، لها مصالح استراتيجية مهمة، قد تكون وراء المد الفكري المنحرف المتطرف، وقد تكون أيضاً، وراء محاولة إلصاق التهم بالدول والمناهج والناس في أماكن مختارة بعناية غربية (مؤسسية)، ووفق مكونات المصلحة الاستراتيجية ذاتها. وأمريكا بالتحديد، قد يكون لها النصيب الأوفر في لعبة الشطرنج هذه، نظرا لمصالحها الاستراتيجية في توظيف هذا المد الإرهابي منذ أن كان في المهد صبيا، حتى شاخ ووهنت قواه اليوم.
|