* قرأت ما تطرقتِ إليه في مقالك المنشور بجريدة الجزيرة بعنوان (مللنا الكسل) حول طول مدة إجازات الأعياد، ومطالبتك بتقليصها، ودعوتك للعمل، واستنكارك للكسل الذي نستمرئه في حياتنا العملية، وأوافقك الرأي في بعض ما ذهبت إليه في طرحك ونقدك، فأنا أحد موظفي القطاع العام وأشارك زملائي بالرأي الصامت فيما يفعلون، فالصمت والسكوت أحياناً علامة الرضا وأحياناً دليل على الاستسلام، وليت الأمر يتوقف عند إطلاق الشائعات والمطالبة بتمديد إجازات العيدين أو الانصراف مبكراً في الأيام التي تسبق أو تلي الإجازات، أو قراءة الصحف، أو تمضية الوقت بتبادل أطراف الحديث، أو مد موائد الإفطار، أو ترك سماعة الهاتف معلّقة لعدم الرغبة في الرد على أصحاب المعاملات، أو إغلاق المكاتب بمجرد قرب موعد أذان الظهر، والمبالغة في الأعذار للتغيب عن العمل سواء بالإجازات الاضطرارية أو المرضية، أو الاستئذان!.. ولا نغفل مجاراة المديرين بالخروج من العمل أثناء الدوام، امتثالاً لبيت الشعر القائل:
إذا كان رب البيت للدف ضارباً
فشيمة أهل الدار كلهم الرقص!! |
ولكي لا أصيبك بالإحباط، فكما أن هناك دماء راكدة، فهناك دماء شابة متجددة ومندفعة، بيد أنها قد تجمد وتتجلط حين تدور في شرايين إدارة عاجزة تعيق العطاء والتجديد، لأنهم ينظرون للوظيفة على أنها دخل مادي ونفوذ اجتماعي، وحين يصعدون في سلم الرتب والرواتب فإنهم بزعمهم يسألون ولا يُسألون، وعلى إثر ذلك تزيد استحقاقاتهم في الجانب المادي وتقل مسؤولياتهم في الجانب العملي، وتكثر مطالباتهم لمرؤوسيهم ويكون النظام مرتبطاً بالهيمنة والتسلط، وقد داومت الكتابة لسلطات إدارية عليا حول المخالفات في الجهاز الذي أعمل به، وشكوت من تخطي النظام في كثير من أساليب العمل ولم تكن الشكوى كيدية بل باسمي الصريح وعنواني الواضح، وكان من جراء ذلك أن عوقبت، وحرمت من بعض حقوقي وضيّق علي، وأدركت بعدها أننا لم نرق إلى درجة أن نرفض الخطأ الصادر من المسؤول، ولو كان جلياً، لأن ما يحكمنا هو العلاقات والمصالح الشخصية المشتركة، وهذا ما يبرر له الخطأ، ولا يسوغ لي ولغيري الشكوى كمتضررين، وليستمر أمل الغد امتداداً لألم اليوم، أما المواطنة فهي مجرد كلمة جوفاء نرددها في خطبنا وخطاباتنا، ومطالباتنا الرسمية، وفلكلوراتنا الشعبية!!.. التوقيع: عبدالله القحطاني.. أبها.
* لقد أوجعني خطابك يا عبدالله مرتين، الأولى: حين أوردت سلوك بعض الموظفين وتجاوزاتهم ومنها إشارتك إلى (.. ترك السماعة معلقة لعدم الرغبة في الرد على أصحاب المعاملات..) وكأن جهاز الهاتف للاستخدام العائلي والشخصي!! نعم تألمتُ حين تذكرتُ العاجزين عن الوصول للدوائر الحكومية إما لكبر السن أو الإعاقة أو بُعد المسافة، أو المانع الشرعي كالنساء ممن يفتقدن وجود مراجع لتلك الدوائر!! وآلمتني حين أكدت أن ذلك بسمع ومرأى بل وبموافقة ضمنية من المسؤول!!.
أما الثانية: فهي محاولاتك المتكررة للإصلاح وتوصيل صوتك للمسؤولين بصراحة ووضوح، وبدلاً من حصولك على الشكر والتقدير ومكافأتك، تلقيت التجميد والتضييق عليك!! وإني إذ أهنئك على صمودك ومتابعتك طريقك الذي سيؤدي للإصلاح - بلا ريب - ولو طال الزمن، لأرجو الله عز وجل أن يجعل ذلك الصمود - يا أخي - في ميزان حسناتك، وتأكد أنك ستنال الأجر من صاحب العطاء الأوفر والدائم الذي لا ينقطع، والله تعالى يقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.. وثق بأن صبرك على وضعك الحالي - مع محاولات الإصلاح - لهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعلك تدرك أن الكراسي لا تدوم ما دامت تدور!.. وما تعانيه بلادنا وكثير من البلاد حولنا من فساد إداري مآله إلى زوال، حيث إن ولاة الأمر يؤكدون في كل مناسبة الحرص على قضاء شؤون الناس والسرعة في تخليص معاملتهم، بيد أن ما نشاهده هو أخطاء فردية ممن لم يستشعروا عِظَم الأمانة التي أوكلت لهم، فالإدارة ليست صلاحيات مجملها أمر ونهي بقدر ما هي تحمل مسؤولية، سيحاسب المرء عليها في الدنيا والآخرة، وما قلة التوفيق في النفس والمال والولد إلا من التقصير في أداء الأمانة وتضييع حقوق الناس والاستهتار بحاجاتهم.
وما أراك يا عبدالله - من خلال ما كتبْتَ - إلا مخلصاً ! فمرحى لك حين تكون من أصحاب الضمائر الحاضرة ولست من الضمائر الغائبة ولو أن الضميرين من الأسماء بيد أن الحضور لا يقارن - إطلاقاً - بالغياب!!.
ص.ب 260564 الرياض 11342
|