ما الفرق بيننا كأفراد مجتمع، وبين غيرنا كأفراد مجتمعات أخرى سواء كانت هذه المجتمعات غربية أم شرقية؟ ما الجوهر الداخلي الذي نحاول أن نعكسه نحن إلى الخارج، وما هي المظاهر الخارجية التي يفترض أن تعكس ما بدواخلنا؟.. إن معادلة الداخل- الخارج.. أو الجوهر- المظهر تحتاج إلى تمعن وتفكير.. وقد تمر فينا وحولنا دون أن نلقي لها بالا، أو نمعن فيها بنظر.. فيما يبدو أننا في عكس المجتمعات الأخرى في كوننا أشخاصا نبني شخصياتنا على المظهر الخارجي والمحيط الشكلي.. فهل نحن مرآة لما بداخلنا أو انعكاسات لما يحيط بنا من تجسيدات مادية معينة؟
الإنسان هو مجموعة عوامل مادية ومعنوية، وبناء عليها يقوم برسم شخصيته وفق محددات الجوهر أو مكونات المظهر.. ويختار ما يريد وينتقي ما يشاء من عناصر الشخصية التي يريد أن يعرف بها ذاته إلى الآخرين.. ومن الناس من تكون مكونات شخصيته جوهرا، ومنهم من تكون عناصر شخصيته مظهرا.. وربما بعضهم يكون خليطا من المضمون الداخلي والشكل الخارجي.. وتلعب الثقافة دوراً حاسماً في تحديد العناصر المكونة للشخصية الاجتماعية.. أو ما يمكن أن نسميه الخلطة السحرية للشخصية.. التي هي فعلا (سرية) في عناصرها وتفاعلاتها وأهدافها.. فهذا عنصر يظل في الداخل، وذلك عنصر يمكن إبرازه إلى الخارج، وثالث يظل بين بين يقتنص الفرصة ليدفع به إلى الخارج في مكان محدد وزمن معين.. الخ.
ومن يتابع ويحتك ويقرأ عن شخصيات في مجتمعات خارجية من العلماء والباحثين والمسئولين وفي مختلف قطاعات العمل والإنتاج وحتى الناس العاديين يلاحظ أن جوهر هؤلاء طاغ على مظاهرهم، ومضامينهم تتجاوز شكلانياتهم.. وفوق كل هذا يعيشون كما هي مضامينهم وكما هي جواهرهم بعيداً عن التكلف الشكلي والمحيط الزائف..
وتوجد تناقضات اجتماعية هائلة في عناصر ومكونات الشخصية الاجتماعية العربية سببها يعود إلى مفهوم المجتمع عن أفراده، ومسؤوليات الفرد عن قراراته.. وربما أن الاختلاف الكبير بين ما ينبغي أن تكون عليه الشخصية وبين الواقع الذي تعيشه وتحياه تلك الشخصية هو مرتكز التناقض الكبير بين المظهر العام والملامح الداخلية للشخصية.. وعادة تكون هناك جهود كبيرة لتلميع الوجه الخارجي للشخصية بما يتناسب مع متطلبات العمل والمسؤولية والقناعات المظهرية للأمور.
والمهم في التفريق بين الإنسان العربي- وخصوصا الخليجي- وبين غيره من أفراد المجتمعات الأخرى هي درجة الاطمئنان الداخلي والقناعات التي يعتنقها الفرد فكرا وسلوكا.. وكلما تباينت طقوس الخروج إلى الناس مع ملامح الاعتكاف النفسي الداخلي، كلما تعمق التناقض داخل الشخصية وأصبحنا نتلبس الأقنعة التي تغطي على الجوهر المرتبك في تحد مع المظهر المتسق مع ظروف المكان والزمان.. فهذا التعايش غير الطبيعي موجود أكثر في شخصيتنا العربية، ولكنه ربما غير موجود إلى حد كبير في شخصيات خارجية غربية أو شرقية.. وهكذا يعيشون هم في أوضاع طبيعية مريحة بينما نعيش نحن في أوضاع غير طبيعية مغلفة بمجموعة تناقضات في الشخصية الداخلية للفرد..
فهل يحمل كل واحد فينا وجهين في شخصية واحدة، أو ربما يمتلك البعض منا أكثر من وجه وأكثر من ملمح خارجي يتجه به إلى الآخرين.. ولكن لماذا ترانا نتعدد في الوجوه الخارجية.. ولماذا يتهاوى الجوهر الداخلي ويضعف أمام مغريات المحيط القريب والبعيد من ذلك الشخص؟ ولماذا يقوى الجوهر للإنسان غير العربي ويتسق مع شخصيته الخارجية، وتتساوى -عنده- وجوه الداخل وملامح الخارج؟ هذا هو السؤال الذي ربما تعكس إجاباته تناقضاً كبيراً في الطرح والعرض والتناول.. فهل نجيب عن السؤال من الوجه الخارجي للشخصية العامة، أم نتصدى له من دواخلنا التي تتمرد على منطقية الأفكار وعقلانية السلوك..؟
والسؤال المهم والأكثر أهمية من السؤال عن الشخصية الفردية.. هو هل ينعكس هذا التناقض كذلك في شخصيتنا العامة وشخصيتنا الوطنية وشخصيتنا الدولية كعرب ومسلمين؟ هل نحن شخصية واحدة في سياساتنا واقتصادياتنا واجتماعياتنا وإعلامنا وثقافتنا، أم أننا مزدوجو الشخصيات متعددو الأوجه مختلفو الاتجاهات؟... وربما يكون السؤال أكثر إلحاحا إذا سألنا: هل هذا التناقض والازدواجية والاختلاف هو أداة وظلال منعكسة كذلك في شخصيتنا الإعلامية؟ وهذه قد تكون أكثر تعقيداً وأكبر أثراً في تداعيات الرسم الوطني- القومي لشخصيتنا العامة.. إن الإعلام جدير بأن يوحّد هذه الشخصية، ولكنه قد يسعى قصدا وعمدا وأحيانا دون قصد أو عمد إلى أن يعدد هذه الشخصية ويلوّن وجوهنا، ويعبث بجماليات طبيعتنا.. وعندها يكون الإعلام آخر من نستنجد به ونستدعيه لأن يصحح أوضاعنا، ويعدل مواقفنا، ويبرمج أولوياتنا، وينعش حياتنا.
( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|