أطل العام الهجري الجديد علينا وحلت معه أيامه الأولى ضيفاً جديداً حتم علينا ومن منطلق كرم الضيافة أن نفتح له الأبواب مشرعة ليكون جزءاً من ضيوف سبق ان مرت بنا في رحلة الحياة الواسعة, تلك الأيام الفائتة انقضت ولله الحمد بخيرها وشرها وأصبحت بمثابة الرصيد الذي يضاف الى حساب العمر المفتوح, وفيها ستسجل الأيام القادمة نفسها فرضاً علينا لتزيد على حصيلة العمر القادم الذي لا يعلم فيما يخفيه لنا من اقدار إلا الله عز وجل, نعم لقد مضى عام ربما استطعنا استغلاله بنجاح وحققنا من خلاله ولو جزءاً يسيراً من أحلامنا البسيطة على أمل ان يكتمل الجزء الآخر في هذا العام الذي شرع يدخل سريعاً علينا بدون استئذان, وقد نكون أهملنا في بعض الأمور واستهلكنا المزيد من الوقت دون الوصول إلى أهدافنا ومبتغانا نتيجة تعثر في وعورة الطريق الذي سلكناه, أيام مضت وساعات أزفت ودقائق مرت وكأنها لم تكن..وتساؤلات لا تزال تلاحقنا في كل وقت لتضطرنا وبمصداقية أن نطرحها على أنفسنا مراراً وتكراراً حتى لا نقع فيما وقعنا فيه سابقاً من اخطاء, قد نكون أهملنا في الفائت من الأيام في أداء فرض ديني او ركن شرعي او واجب عقائدي ولربما تكاسلنا في بذل العطاء وتقديم الصدقات وصلة الأرحام وعيادة المريض وزيارة الصديق بحجج واهية لعل أبرزها الذي يطفو على السطح كثرة الاشغال والأعمال ومتابعة شؤون الأسرة وظروف المعيشة والحياة.. غير أنه يجب علينا مع هذا العام ألا نترك القادم من الأيام يمر كما مر غيره مرور الكرام فنخسر بذلك وقتاً ثميناً يفترض أن نستغله لاحقاً في تعديل مسار الطريق وتصحيح أوجه القصور وتغيير المساوئ وتحسين الصورة أمام الغير. فالعمر لا شك أنه يمضي سريعاً من بين أيدينا فيطرح الشيب واقعه على سواد الشعر وتتسلل التجاعيد الى حسن وجوهنا وتبدأ قوانا تخور وأفكارنا تضعف وهواجسنا في الصحة تزداد, والمشاغل لا تزال تزداد والعمل يبقى كما هو لا ينتهي ابداً, وقد نكون فشلنا في الماضي في أمور كثيرة ولكن هذا لا يمنع ابداً ان نطمح بتجاوزها في هذا العام, وقد نكون اخطأنا بحق العديد من الناس من حولنا أقاربنا أصدقائنا وجيراننا فقلنا فيهم ما لا يجب أن يقال وتعاملنا معهم بعنجيهة وغرور وتطاولنا عليهم بالبذاءة والتحقير, فلماذا لا نتمنى أن يتجدد بهم عهد المحبة والإخاء وحرارة التقارب واللقاء لنعطي لكل ذي حق حقه ونرد لكل ذي مظلوم مظلمته ولكل صاحب حاجة حاجته, فالحياة ليست مجرد مصالح مشتركة تحتمها علينا ظروف المعيشة او ارتباط المكان وتوقيت الزمان بقدر ما هي عطاء يتجدد ونبع لا ينضب وعمل مستمر لا يتوقف إلا بتوقف عجلة العمر عن المسير, ولنتصالح مجدداً مع الذات ثم مع الناس ثانياً حتى نستطيع ان نجدد العلاقات الاجتماعية مع الناس بكل شفافية ووضوح ومصداقية وتعاون ولنجعل هذا العام مصدراً للسعادة والهناء وشمعة تضيء درب المستقبل البناء ولنستغل الوقت كما هو ثمين بطبعه حتى لا يفقد بعد ذلك بريقه فنبكي على ضياعه هدراً, ولنجعل لنا في نهاية كل يوم وقتاً بسيطاً لمحاسبة النفس قبل ان نخلد بعدها للنوم نتساءل فيه عماذا اكتسبنا وماذا فقدنا ولماذا خسرنا؟ وكيف سنستفيد من اليوم التالي الذي يليه ثم الذي يليه؟ لأنها مجرد أيام تضاف في حسبة الشهور والأعوام ثم تصبح بعد ذلك مجرد ذكريات وأحلام وماضٍ يضاف الى سجلات التاريخ المتراكم على نفسه.
|