ما أسرع الأيام ! بالأمس كنا نتهادى تقاويم عام 1424هـ، وبغروب شمس اليوم نودعه!!! مر عام بأكمله!!! حقا إنها أيام تمر سريعة، ومهما طالت سنوات العمر فهي قصيرة، فهاهو نوح عليه السلام الذي لبث في دعوة قومه إلى دين الله تسعمئة وخمسين عاما - ناهيك عن عمره - يقول أهل السير: أنه لما حضرته الوفاة، فقيل له يا نوح كم عشت؟ قال ألف سنة، قالوا كيف وجدت الحياة؟ قال والذي نفسي بيده ما وجدت الحياة إلا كبيت له بابان دخلت من هذا وخرجت من الآخر، إذا كان هذا نوح عليه السلام فياليت شعري ماذا نقول نحن؟؟!!
لقد غرنا طول الأمل رغم قصره غروراً أنسانا العمل، أنسانا أن ثمة نهاية محتومة، أنسانا حتى أننا نسينا أنه أنسانا!!
حقاً إنه نسيان وصل بنا إلى حد الغفلة، تلك الغفلة التي عنها قال الشاعر:
يا غافلاً عن العمل
وغره طول الأمل
الموت يأتي فجأة
والقبر صندوق العمل |
آه منا!!، نركض في هذه الحياة ركض اللهاث لا السعي في مناكبها والأكل من رزقه جل وعلا، ذلك الركض الذي من أجله نبتعد عن طاعة ربنا، فنقطع أرحامنا، ونضيع نساءنا وذريتنا، ونكون نحن في ذلك المضمار الممتع بسرابه الكاذب الذي نحسبه ونحن عطشى أنه ماء زخرف الحياة الدنيا وماهو إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء!!
ونحن في خضم ذلكم الركض الذي يا ليت لنا أن نركض معشاره ونحن في سعينا لطاعة الله!! من المؤسف أننا لم نع أنه ركض سينتهي لا محالة دون أن نصل إلى ذلك الشيء الذي نحسبه ماء وماهو إلا ذلكم السراب الكاذب الخادع، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلاً (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ولله در القائل:
نروح ونغدو لحاجتنا
وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجته
وتبقى له حاجة ما بقي |
والأيام كتلك اللوحات التي نمر بها ونحن مسافرون نمتطي سيارتنا فكل لوحة تدنينا من نهاية الطريق وتبعدنا عن بدايته، لذا فهي مراحل نقطعها من أعمارنا وتقربنا إلى الآخرة، فنحن اليوم أقرب إلى الآخرة من أمس، قال الشاعر:
نسير إلى الآجال في كل لحظة
وأعمارنا تطوى وهن مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهن قلائل
وما هذه الأيام إلا مراحل
يحث بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها
منازل تطوى والمسافر قاعد |
في هذا العام مر الجميع بتجارب ودروس منها الخاصة التي تخص كل واحد منا.
وأخرى عامة لنا جميعاً، وسأفرد الحديث في هذا الاسبوع عن تلك الدروس والعبر الخاصة على أن استكمل الحديث عن الأخرى الاسبوع القادم - إن شاء الله - لذا من الدروس والعبر التي تخص كل واحد لوحده، ان منا من لم يزدد قرباً من الله بل منا من هو اليوم أبعد من طاعة الله وأقرب إلى معصيته من أمس ،ومنا من مستوى حفظه لكتاب الله هو ذاته لم يتغيرومنا من ضعف وبدأ ينسى حفظه لكتاب الله، ومنا من لم تفته صلاة الفجر مع الجماعة، ومنا من لم يصلها ولم يصل غيرها من الصلوات في جماعة المسجد ألبتة، ومنا من صام تطوعاً أيام هذا العام، ومنا من لم يصم، ومنا من قام لياليه، ومنا من لم يقمها، وهكذا قس على ذلك، بقي في العمر فسحة - بإذن الله - فهل يا ترى نتعظ ونؤوب ونعلم علم اليقين أن ذاك الذي نراه من بعيد ونحث الخطى نحوه ما هو إلا سراب بقيعة نحسبه ماء، وحينها نسير سير العقلاء و(الذين يمشون على الأرض هونا)ً في سكينة ووقار؟؟!!
|