Thursday 26th February,200411473العددالخميس 6 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شباب طائر.. فوق جناح فبراير شباب طائر.. فوق جناح فبراير

نشرت (الجزيرة) أخبارا وتحقيقات عن عيد الحب فالنتاين عدد (11461).
في البدء.. دعوني ألتقط شيئا من ملامح الوجع.. الذي غلف عقول الجيل.. فراغ روحي.. خواء فكري.. جفاف عاطفي.. اختلال ثقافي.. ومفردات اجتماعية مبعثرة فوق رصيف الزحف المعرفي الهادر.
هاهي رياح فبراير تهب من جديد لتحرك خيوط الشجن الفاني في أذهان ثلة من الفتيان والفتيات اللائي خدعن بمصطلح عذري وافد.. أعني (عيد الحب)!! تلك البدعة الغربية التي قدمها الغرب كطبق شهي فوق المائدة الشبابية العربية..
وتلك الاحتفالية الصاخبة وجدت قبولا لدى بعض شبابنا المولع بالتقليد والتبعية بعد أن ذابت هويته الإسلامية والعربية ومضى يركض خلف التيارات الوافدة المصحوبة بالعادات الفاسدة.. حقا شباب طائر فوق جناح فبراير.. شباب حائر.. يريد أن يعبئ ذاته المثقوبة ويحلق في فضاء الحب ويمارس طقوسه الدافئة حتى و لو كانت بدعة نصرانية تمس العقيدة وتشوه الخلق العربي الأصيل فهل وصل التأثير والتغريب في فكر الجيل إلى هذا الحد؟
آه من هذا الشرود.. ورود حمراء.. وبقايا بكاء.. وأحرف جريحة.. تبحث عن قصيدة فصيحة.. تصور حجم هذا العقوق.. نعم لم تكن احتفالية (فالنتاين) إلا امتدادا مؤلما لمسلسل سقوط الفكر الشبابي العربي وانتكاس ثقافة الجيل التائه الذي وجد نفسه بلا موعد أمام عادات وتقاليد أجنبية دخيلة تحاول أن تغتال خصوصية الشاب العربي المعتز بدينه الحنيف وبتقاليده العربية النبيلة.. فكيف تسربت هذه المناسبة النصرانية ذات الطابع الوثني إلى مجتمعاتنا العربية وسحبت أبناءها عبر تشبه بغيض وممارسة ممقوتة؟
أجل كم من فتاة لاهثة وكم من شاب راكض خلف وميض هذا العيد المبتدع.. الخادع الذي خدر الإحساس. وزرع الأقواس.. وقتل الشعور الديني في تلك الذوات المسكونة بالضياع.. وعجبي من هذه النماذج الواعدة وهي تزحف على رصيف الحب المزعوم.. تنثر الورود الحمراء.. تفتح الأبواب للبطاقات.. تشرع بوابة التهاني والمراسلات.. تحت ظلال صخب الفضائيات.. وضجيج المحلات.. التي لم تزل تحتفي بالحدث السعيد عبر.. عزف منفرد على وتر الحب الدخيل.. إنها مقاطع حزينة في قصيدة الأمة المنكوبة.
آه من أمة تنتحر فيها كل الورود التي ترفع عقيرتها إمعانا في الشكوى والتذمر.ولا ندري إلى أي مصير يحملنا هذا الجيل الشارد الذي أصيب بنقص في المناعة ضد كل ما هو وافد.. من قيم ضالة وعادات مطبوخة يصنعها الغرب ويأكلها الشباب العربي.. الذي يفتش عن كل دائرة للتسلية وإطلاق عنان الغرائز والشهوات والهوايات البريئة، زمن ساحت فيه الثقافة الجنسية وهيمنت القنوات الفضائية.. زمن النفوس العطشى.. والعيون التي تحرث الفضاء بحثا عن خد أسيل.. ووجه جميل.. ولم يكن عيد الحب سوى حلقة في سلسلة الهزيمة النفسية الداخلية لدى تلك الشريحة الشبابية.. وهو مشهد حي من مشاهد مسرحية متكاملة تمثل مأساة سقوط الفكر واختلال القيم واضطراب الشخصية لدى جيل عربي يعب من منهل فضائي ذي روافد ثقافية غربية ورواسب اجتماعية ممسوخة في عصر باتت الأسرة معزولة عن أبنائها.
ومن دون شك فإن المجتمع يتحمل مسؤولية هذا الضياع وهذا التهافت لدى الشباب والفتيات الذين رسموا دائرة تخبط خلف تقاليد الغرب وانبهروا بمناسباته وبدعه وضلالاته.. ذلك أن ابتكارات الحضارة الغربية متواصلة ورياحها سريعة الهبوب وصرعاتها مستمرة وتقليعاتها زاحفة.. ولدينا جيل فارغ.. يستقبل تيارات الغرب ويقلد.. وفق ثقافة المسخ التي طغت على الفكر الشبابي المعاصر.. وجعلته ينساق خلف طقوس المجتمع الغربي تحت وقع حب التقليد الأعمى.. فأين من يتبنى الجيل ويقوم بإعادة تشكيل ثقافته وانتقاء روافده وتهذيب فكره؟
أين الخطاب الإعلامي الذي يلامس هموم الجيل ويقرأ مسيرة جموحه وخطوات شروده راصدا ومحللا ومعالجا تلك الظواهر الشبابية المتنامية في عالم ضاق بامتزجت معارفه والتقت ثقافاته عبر ركض محموم.
إن مرور عربة فبراير فوق هضاب الفكر الشبابي العربي لون من ألوان الانتكاس المجتمعي والاحتلال الثقافي لدى جيل معاق ومصاب بأزمات نفسية حادة جعلته منفصما عن قيمه الأصيلة ومجتمعه المحافظ العابق.. وهو أمر يدعو إلى أن يستيقظ المجتمع من سباته ويواكب مستجدات المرحلة ويتوغل في أعماق الجيل ممارسا خطابا تنويريا حانيا ودورا توعويا صادقاً. حتى لا تكون المسألة مجرد ردود فعل عابرة مسكونة بالانفعال والتشنج.. إذ إن مصادرة الورود الحمراء ليست حلا فاجعاً.. عذرا لا تغتالوا الورود.. بل حطموا السدود.. التي بينكم وبين الجيل.. فهل ثمة (انتفاضة صادقة) تصححون بها ثقافة الجيل التائه.. حتى يستطيع أن ينتشل ذاته من براثن تلك الموجات المجتمعية الوافدة.. والثقافات الكاسدة.. وليتخلص من طوق فضائي صارم بات يحطم كل خلق نبيل أو سلوك جميل..
إيه يا رياح فبراير.. على رسلك.. حركي مشاعر القوم.. وبعثري ورودهم المسكونة بالحمرة.. وهداياهم المعبأة بعواطفهم المزيفة.. وبعطورهم المسافرة في ذاكرة مساء بارد.. ومضيت أسرج أحرفي المحفوفة ببوحٍ ساخن.

محمد بن عبدالعزيز الموسى
بريدة- ص.ب: 915


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved