تَعَزَّ فلا إِلْفَيْنِ بالعيشِ مُتِّعَا
ولكنْ لِوُرَّاد المَنُونِ تَتَابُعَا |
في صباح يوم الاثنين 4-12-1424هـ هاتفني بعض الإخوة قائلاً: إن الأخ الكريم عبدالله بن سعد الجوهر -أبو سامي- قد رحل إلى الدار الباقية على إثر عملية جراحية. فوقع هذا الخبر المفاجئ موقعاً محزناً دوَّى في شعاب النفس؛ لما له من مكانة عالية في قلوب محبيه ومعارفه؛ فقد نشأ في طاعة الله محباً لعمل الخير ومساعدة الغير، ولا سيما مُدَّة عمله في ديوان الخدمة المدنية، وكان محل التقدير والاحترام لدى مرؤوسيه وزملائه، ثم انتقل إلى تعليم البنات، واسْتُفيد من خبرته التنظيمية والإدارية، وزاول عمله فيها سنوات طويلة انتهت بتسنُّمه منصب مدير عام شؤون الموظفين بها. ثم ألقى عصا التِّسيار عن العمل حميدةً أيَّامُه، وقد اكتظَّ الجامع الكبير بمحافظة حريملاء عصر يوم الاثنين 4-12-1424هـ للصلاة عليه؛ فقد صلَّت عليه جموع غفيرة من بلده ومن البلدان المجاورة وعدد كثير من أصدقائه وزملائه من الرياض. وتبعه خلق كثير حتى وَارَوْهُ في ثرى مقبرة (صُفَيَّة) داعين المولى بأن يفسح له في جدثه وينوِّر له فيه.
وكم طوَّق أعناق الرجال وشقائقهم بكثير من المساعدات وتسهيل أمورهم ولو لم يعرفهم، فهو من الرجال المثاليين المنصفين والمخلصين في أعمالهم بكل أمانة وإنجاز مُحاولاً ألاَّ يؤخر عمل يومه إلى غد -وغد غيوب وأخبار- ومقدراً ظروف مَن يأتي من خارج مدينة الرياض؛ فهو يحرص كل الحرص على إنجاز مهامهم وقضاء حوائجهم، وكأنِّي به قد وعى تماماً قول ابن دُرَيد:
لا تلحقنَّك ضَجْرةٌ من سائل
فَدَوَامُ حظِّك أن تُرى مسؤولاً |
وقال طرفة بن العبد:
لعمرك ما الأيام إلا مُعارةٌ
فما اسْطَعْتَ من معروفها فتزوَّدِ |
فدماثة خلقه، واتصافه بالسجايا الحميدة، وطيب المعشر جعل القلوب تميل إليه، والأسماع تستعذب ذكره، والألسن تلهج بمآثره وبكرمه، وكان منزله ملتقًى لكثير من أقاربه، وأصدقائه، ومعارفه وجميع محبيه، ولا سيما في المناسبات والإجازات الأسبوعية والعيدين معاً؛ لما يتصف به من كرم ورحابة صدر ولين جانب. ولي معه بعض الذكريات العابرة أيام كان يدرس في المعهد العلمي بالرياض في أوائل الثمانينيات؛ فإنه يحضر إلى حريملاء رغم صعوبة المواصلات آنذاك ليشارك طلابنا بمعهد المعلمين والمدرسة الابتدائية في نشاطهم الأدبي الأسبوعي الذي يقام في قاعة المدرسة كل ليلة جمعة -في غالب الأيام- ويحضره كثير من الأهالي ورؤساء الدوائر الحكومية هناك. وكان لي شرف افتتاح ذلك المعهد في 6-5- 1379هـ الذي خرَّج نخبة طيبة من المعلمين في تلك الحقبة، مع إشرافي على المدرسة الابتدائية والمكتبة العامة، حتى انتهى تدريجياً في عام 1378هـ وحلَّت محله المرحلة المتوسطة، ثم إلحاق الثانوية بجانبها عام 1401هـ، حتى تقاعدت عام 1418هـ، وكنا نشجع أبا سامي -رحمه الله- ونغتنم حماسه ونشاطه الأدبي بإلقاء كلماته باستمرار؛ فهو قدوة حسنة في أخلاقه وتعامله وسجاياه الحسنة منذ فجر حياته، كما أنه راوية لبعض الأشعار الفصيحة والنبطية معاً والمساجلات الشعرية في النادي وفي الرحلات البرية المحببة إليه والتي يقضي فيها جُلَّ وقت فراغه. وقد حزن الجميع على فراقه وبُعده عنهم، والعزاء في ذلك كله أنه قد ترك آثاراً طيبة في النفوس، وخلَّف ذرِّيَّة صالحة تُجدِّد ذكره الحسن. وفي صباح الخامس من شهر ذي الحجة عام 1424هـ اخْتَرَم هادم اللذات ومفرق الجماعات زميلاً سابقاً له، هو الأخ الكريم عواد بن عبدالرحمن العواد إثر نوبة قلبية أسرعت برحيله إلى دار المُقام، وهو من موظفي وزارة الشؤون الإسلامية، وكان قبلها يعمل بكل إخلاص في تعليم البنات محل ثناء وتقدير بها. وقد عُرِف عنه الاستقامة وغَيْرَتُه الدينية وكرمه الحاتمي، فهو يتحلَّى بصفات حميدة بين أقرانه وأترابه، وقد خلَّف ذكراً حسناً وذرِّيَّة صالحة تدعو له. ولَئِنْ غابا عن أنظار محبِّيهما وذويهما وأَوْغَلا في البُعد فإن ذِكْرَهُما باقٍ في خواطرهم مدى الأيام.
وإنما المرء حديث بعدهُ
فكُنْ حديثاً حسناً لمَن وَعَى |
رحم الله الجميع رحمة واسعة، وألهم ذرِّيَّتهما ومحبِّيهما الصبر والسلوان، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
|