تزداد ضغوطات الحياة في عالمنا يوماً بعد يوم، ويحاول كل إنسان ان يلجأ إلى منفذ للخلاص من أزمات تتراكم، ويسعى جاهداً للتغلب على شتى الضغوطات النفسية والاقتصادية والإنسانية، ومعروف أنه من الشجاعة عندما نبحث عن حل لمشكلة ما أن نواجهها بجرأة، فنتساءل؟ ترى من منا لا يشق طريقه بعناء، ويعيش الواقع الصعب بضيق؟ الكل يتوجّع ويئن، فهل يمكن أن نجد حلولاً صحية لمواجهة أزمات الحياة؟
لابد من اللجوء إلى أصحاب الخبرة والدارسين والباحثين القادرين على التعامل مع الظروف المختلفة، وعادة الخبرة ترتبط برحلة العمر التي يعيشها الفرد وسط الأحداث، يواجهها وتواجهه فتكسبه المعرفة والصلابة، وترفده بالأجوبة، حيث يتعلم البالغ مع الوقت كيف يتعامل مع المشاكل المختلفة بتوازن، بعيداً عن الانفعال المفرط، فيضع كل مشكلة على محك الفحص، ليلمس ايجابياتها وسلبياتها، ومن هذا التعامل العلمي العقلاني لابد سيجد طريقة منطقية لحلها، ولكن ماذا عن الشباب في فترة المراهقة؟
هل تراه يملك القدرة على مواجهة الأزمات بأسلوب الفرد البالغ ذاته الذي اكسبته الحياة خبرة ومعرفة؟
تتميز فترة المراهقة بأنها مرحلة من العمر تأتي بين خروج من مرحلة الطفولة، والانتقال إلى البلوغ، مروراً إلى مرحلة الشباب والنضوج، إذن هي مرحلة انتقالية قلقة تنتاب المراهق خلالها تغييرات جسمانية بفعل الهرمونات ونشاطها، وتؤدي إلى تغييرات نفسية، فتنتابه الهواجس، فهو لاينتمي إلى جيل الطفولة ولا ينتمي بعد لجيل البالغين، ومن هنا يشعر بالاضطراب العاطفي ويبدأ برحلة البحث عن رفيق يكون مرآة له، يمدّه بالثقة، ويؤكد له أهميته ككيان وفرد له قدرة على اتخاذ قرار وبأنه فاعل بشكل ما في المجتمع.
ولذلك تختص فترة المراهقة كفترة رومانسية بعيدة عن واقع الحياة المعاش، وهي بالتالي مرحلة بحث عن الذات المؤسسة الأولى لتشكيل الهوية النفسية النهائية للفرد، ومادام المراهق يمر بفترة انتقالية، ومادام لم يصل أعتاب البلوغ بعد، ومادام يحيا في مجتمع ذي ايقاع سريع يتميز بالصعوبات على اختلافها، فكيف تراه يتعامل مع الظروف الحياتية والبناء النفسي والشخصي، ومع الأزمات على اختلافها؟
يختلف أسلوب التعامل من فرد لآخر بناء على درجة وعي كل فرد، وبناء على الخلفية الاجتماعية النفسية، العائلية، السياسية... التي تحتويه، وللبيئة تأثير كبير على المراهق، إذ قد تكون بيئته داعمة وقد تكون هادمة، فالبيئة الداعمة تلك المتمثلة بشكل خاص بالعائلة الصغيرة، انطلاقاً إلى العائلة الكبيرة المتمثلة بأهل الحي، المدرسة، ثم المجتمع بأفراده وتجمعاته.
وهذه البيئة الداعمة لو ملكت أفقاً تربوياً سليماً يمكن أن توفر الحماية النفسية للمراهق، أما البيئة الهادمة فأول ما تؤثر على نفسية المراهق في أنها تحرمه من الشعور بالحماية فيصبح عُرضة للسقوط السهل، وأخطر السقطات التي لا تسيء إلى الفرد المراهق فقط، بل إلى أسرته ومجتمعه حيث يلجأ فاقد الدعم النفسي هذا إلى البحث عن النسيان ليجده سهلاً عن طريق المخدرات.
يعتقد من منطلق جهل وتجاهل وفقدان وعي ومعرفة بأن التخلص من المشكلة (أية مشكلة يتعرض لها) بالهروب منها ومن مواجهتها لأنه لايملك الأدوات، ويعتقد أنه بذلك يلجأ إلى المنفذ الوحيد المتمثل أمامه بالنسيان (الإدمان) وهو لا يدري ولا يدرك أن مواجهة المشكلة بجرأة، تجعله يهزم مخاوفه وهواجسه ويتغلب عليها، وبالتالي تدفعه ليجد حلاً منطقياً صحياً لها، وعندما يجد ويعتقد أن كل الأبواب مغلقة أمامه، يلجأ للإدمان على مركبات تضعه في موقع لا مبالاة ولكن إلى حين وحين تصبح بالتكرار إدماناً، ولعل أهم الأسباب هي التأثر بضغط مجموعة أبناء جيله ورفاقه، وهي أخطر أنواع الضغوطات النفسية التي تفرضها مجموعة من الرفاق على الفرد لكي تقنعه بأنه واحد منهم وانه ليس مختلفا عنهم، وعليه بالتالي مجاراتهم ليثبت لهم ولنفسه استقلالية قراره.
وما نعنيه بأبناء جيله هم أفراد مجموعة الرفاق (الشلة أو الثلة)، وهم أبناء جيل واحد يربطهم اهتمام واحد مثلاً: فريق كرة قدم، فصل دراسي واحد، الحي... إلخ، ولو فرضنا ان بعضهم يتعاطون المخدرات، سيكون الفرد الذي لا يتعاطى المخدرات بينهم غريباً وشاذاً وسيبدأون بممارسة الضغط عليه لكي يصبح شبيهاً لهم، وجزء من كلّ، فيدفعونه قسراً لتعاطي المخدرات، حتى إن لم يكن يرغب بذلك.
وما من شك في أن دور الأهل في حياة المراهق له الأهمية القصوى، فعليهم توفير الراحة والهدوء النفسي للمراهق في البيت لكي لا يشعر بحاجة إلى الهرب من الظروف القاهرة، وعلى الأبوين التعامل مع بعضهماالبعض باحترام لكي يتعلم الطفل التعامل باحترام مع الآخرين، وفي حال المشاكل الزوجية يجب أن يتم التفاهم بين الزوج والزوجة بغرفة خاصة بعيداً عن سمع الأبناء الذي يهمهم جداً الوئام في البيت، وافضل وسيلة لحل المشاكل الزوجية قبل ان تتراكم وتنفجر في نوبات صراخ وزعيق واهانات يكون لها التأثير السيئ على بقية أفراد العائلة، عليهم ان يجلسا دوريا على مائدة التفاهم لطرح كل مافي القلب من منغصات وعوائق ومحاولة ايجاد حلول سليمة تكفل بناء جسور المحبة، وبالتالي يكون عليهم ان ينتبها لأسلوب التعامل مع الأبناء وخاصة المراهقين الذين يحتاجون إلى عيون ساهرة ومراقبة واعية وعن كثب.
أما إهمال الأبناء وتركهم للشغالة لتربيتهم أو لأحد أفراد العائلة كالجدين، أو تركهم دون أي رقيب ، في الشارع والحيّ، وفي أماكن اللهو والعبث، ممكن أن يؤدي إلى شعور المراهق بالانفلات، وهنا يأتي تأثير ضغط مجموعة أبناء الجيل، حيث إن الخواء العاطفي المتمثل من إهمال الأهل الذين يجرون وراء الماديات ويهملون تربية أبنائهم، يدفع المراهق للتمثل وتقليد رفاقه من أبناء جيله فيقع في المحظور سواء التدخين أو الإدمان أو السرقة أو البغاء، لذا على الأهل أن يُشعروا المراهق بوجودهم الفعلي في حياته، وبأنهم يُتابعون ويُراقبون تحركاته شرط عدم التضييق المُبالغ فيه، وماأجمل التربية المُوجهة المبنية على الحوار والإقناع، أما التربية المسيطرة المبنية على إصدار أوامر غير قابلة للنقاش ولا الحوار وواجبة التنفيذ الأعمى، فهي تربية غير سوية، وهي تؤثر سلباً على مستقبل الفرد في أساليب التعامل مع الغير، ويصبح وكأنه أسلوب متفرد استبدادي يكتسبه كأسلوب حياة ويستخدمه لمواجهة المشاكل الحياتية.
يؤكد العارفون أن أفضل أسلوب لتعامل الأهل مع المراهق هو اسلوب التربية المُوَجَّهَة والإقناع من خلال الحوار العقلاني، فأنت أيها الأب - مثلاً - حين تسعى لإقناع الآخر بعدم القيام بأمر ما، عليك أنت أولاً ألا تقوم به لكي تكون قدوة له، فمن المستحيل مثلاً أن تدخن وتمنع ابنك من التدخين بحجة ان التدخين مُضر، الأفضل أن تكون أنت المثال والمنارة له من خلال تصرفاتك السليمة لكي يتمثل بك، فلو رأيت أنه يميل إلى التدخين، ادعوه لجلسة اقناع، تحدث معه بهدوء عن حسنات وسيئات التدخين إلى أن يصل بنفسه للنتيجة الحتمية وهي ان التدخين مُضر بالصحة، ولو عاد في ساعة متأخرة للبيت، ادعوه بهدوء لجلسة إقناع، ناقش معه خطورة ما يمكن أن يتعرض له من مخاطر أثناء عودته في جنح الظلام في مجتمع يزداد شراسة يوما بعد يوم، دعه يشعر بأنك تثق به وبأخلاقه لكنك حريص عليه من سوء بعض الآخرين، لو كنت متضايقاً من الشلة التي يرافقها ادعه لجلسة اقناع، قل له: لو دخلت غرفة فيها نحل، وانت أنقى الناس، هل تضمن لنفسك السلامة من لدغة محتملة؟
هكذا هي رفقة رفاق السوء، علينا ان ننتبه لتصرفاتنا، ولرفاقنا، وكما قيل: قل لي من ترافق، اقول لك من أنت، دعه يناقش الأفكار معك، لا تفرض عليه القوانين من سمائك انت، لأنه متى وصل إلى القناعة التامة الكاملة بأمر ما سيحيا حسب قناعاته.
وقبل ان تقع الطامة الكبرى، ويصبح الابن المراهق مدمناً فنردد بأسى وحسرة وقلة حيلة وخجل: (في بيتنا مُدمن)، ولا ندري كيف نتخلص من تلك الورطة الخطيرة، علينا أن ندرك أن الأسرة هي منبت البناء الأساسي وعلينا كأفراد ناضجين أن نكفل لعائلاتنا الصحة النفسية والاجتماعية.
الرياض - فاكس 014803452
|