من آيات الله العظيمة خلق الليل والنهار، ليسكن العباد في الليل، ويبتغوا من فضله بالنهار، وبين الله -سبحانه- أنه جعلهما متعاقبين يخلف أحدهما الآخر، ليتذكر العباد، فقال - تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} وأخبر -سبحانه- في آية أخرى أنه جعل الليل والنهار آيتين من الآيات الدالة على قدرته العظيمة، وأنه سبحانه محا آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة ليبتغي الناس من رزق الله وفضله، وليعلموا عدد السنين والأعوام، فقال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.
وفي تعاقب السنين، ومرور الأعوام آيات عظيمة، وعبر جليلة، وحكم بالغة، فمن ذلك تنبيه الأفراد والأمم والشعوب والدول إلى الوقوف مع النفس ومحاسبتها، ومراجعة الأعمال والمنجزات والخطط وتقويمها، فما كان منها صحيحا صالحا يتم تعزيزه وتقويته والزيادة منه، وما كان فيه خلل أو قصور أو خطأ يتم إصلاحه، أو إزالته، أو تغييره، وهكذا يتم تطوير الفرد لنفسه، والسعي بها إلى الكمال الممكن، وهكذا -أيضا- تتطور الشعوب والدول، وترتقي، وتزدهر حضارتها في جميع المجالات: العلمية، والأخلاقية، والعمرانية، والاقتصادية، وغيرها.
وبمناسبة توديعنا للعام الهجري 1424هـ واستقبالنا للعام الهجري الجديد1425هـ يجدر بنا جميعا أن نغتنم هذه الفرصة، للوقوف مع أنفسنا وقفة محاسبة وتأمل، فمن وجد خيرا فليحمد الله -تعالى- وليستكثر منه، ومن وجد غير ذلك فليبادر إلى الاصلاح، والرجوع إلى ما يفيده في دينه ودنياه، وما ينفع أمته ووطنه.
وإذا نظرنا إلى سياسة ولاة أمرنا في المملكة العربية السعودية وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني -حفظهم الله ورعاهم- وجدناها سياسة تنبني على هذه الأسس العلمية، فجميع الخطط، والبرامج، والأعمال، والمنجزات تخضع إلى المراقبة، والمراجعة، والمتابعة، واستخلاص النتائج، وهذا ما جعل المملكة -ولله الحمد- في تقدم مستمر، وتطور مطرد، ورقي دائم.
ولا يمكن استقصاء ذلك كله، وحصره، وسرد أمثلته جميعاً، لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات، لكن أضرب مثلا بآخر حدث شهدته المملكة، وأعظم مؤتمر احتضنته، ألا وهو موسم الحج الماضي الذي استضافت فيه المملكة قرابة ثلاثة ملايين من ضيوف الرحمن من جميع أنحاء العالم، وفرت لهم المملكة جميع الوسائل والإمكانات لأداء فريضة حجهم بيسر وسهولة، من مسكن، ومستشفيات، ومستوصفات، ووسائل نقل، ومأكل ومشرب، وأهم ما يشار إليه هنا أن المملكة وفرت -بعون الله وتوفيقه- الأمن للحجاج على نفوسهم، وأموالهم، وأعراضهم، فأثبت رجال الأمن في السعودية- وفي مقدمتهم وزير الدالخية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -أنهم رجال الموقاف الصعبة، وعدة الوطن.
وكل من شاهد موسم الحج الأخير من المنصفين، يدرك تمام الإدراك ان هناك إضافات وزيادات عن الأعوام الماضية في جميع المجالات؛ لأن المملكة تسخر جميع إمكاناتها وجميع قطاعاتها الوزارية المختلفة، ومنها وزارة الشؤون الإسلامية التي أضافت كبيرة في المجالات المنوطة بها من التوعية، والإرشاد، والدعوة إلى الله، وإعداد المواقيت المكانية، ومساجدها، وتهيئتها، وصيانتها، وغير ذلك.
وبعد انتهاء كل موسم حج تقف كل جهة من جهات الدولة موقف المراجعة، والتقويم لأعمالها، ومنجزاتها بغية التعرف على الأوجه الإيجابية وتقويتها ومضاعفتها، والوقوف على أوجه القصور ومعالجتها، ليكون موسم الحج القادم أفضل وأكمل.
وقد شهد حج العام الذي ودعناه حدثا عظيما، سيكون له -بإذن الله- آثار جليلة على مستوى التطوير والرقي باعمال الحج في السنوات القادمة، ذلكم الحدث العظيم هو إصدار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- أمره الكريم بتكوين لجنة ذات مستوى رفيع، لدراسة موضوع تطوير البنى التحتية لجميع المرافق في المشاعر المقدسة.
وقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية هذا النبأ العظيم، وتلقاه المسلمون في جميع أنحاء العالم بالبهجة والغبطة والسرور، لعلمهم ان هذه البلاد المباركة إذا قال قائدها الإمام فعل، وإذا وعد أنجز، وأن أعماله -حفظه الله ورعاه- على قدر عزمه، وهمته، وقد عرف العالم بأسره بعامة، والعالم الإسلامي بخاصة تلك الأعمال العظيمة، والمآثر الخالدة التي أنجزها خادم الحرمين الشريفين، والتي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، ومنها على سبيل المثال تلكم التوسعة العظيمة للحرمين الشريفين، التي تعد أعظم وأكبر توسعة منذ فجر الإسلام.
وغني عن القول ان تلك الأعمال العظيمة التي أنجزتها المملكة، أو التي تنجزها الآن تنفق عليها عشرات المليارات من الريالات، وتسخر لها جميع إمكانات الدولة، ولا تعتبر المملكة ذلك منة، بل ان خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني -حفظهم الله ورعاهم- يصرحون في مناسبات كثيرة بأن ما تقوم به الدولة، وما تنفقه إنما هو واجب عليها نحو أشقائها المسلمين.
ونحن نستقبل العام الهجري الجديد، نأمل ان يكون عام خير وبركة، ونمو وتطور، ورقي وازدهار للمملكة، ونتطلع إلى ان تكتمل مشروعات تنموية، ويشرع في مشروعات أخرى، ويخطط لمشروعات غيرها، ويعم الرخاء، وينتشر الخير في جميع أنحاء بلادنا المباركة في أمن وأمان بإذن الله.
ونسأل الله -تعالى- ان يمتع المسلمين بصحة إمام الأمة، وقائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ويقر عينه بعضده الأمين سمو ولي العهد، وسمو النائب الثاني -حفظهم الله جميعا- ووفقهم لما فيه خير البلاد والعباد.
كما نسأله ان يديم على بلاد الحرمين الشريفين نعمة الأمن والأمان، والتمسك بالكتاب والسنة، وان يحفظها من كل سوء ومكروه، انه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
|