Thursday 26th February,200411473العددالخميس 6 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الهرمية الإدارية المفقودة
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

مرة أخرى، لست ممن يُنظّر في الشؤون الإدارية. لكنني هنا أنظر إلى الواقع المعاش وأحاول أن أصف مركباته وعناصره. في الشأن الإداري، الذي أعيش جزءا من واقعه، أعتقد أن الأمر بحاجة ماسة للإسراع في إيجاد الحلول الجذرية لجملة من المشكلات والعوائق التي تحول دون أن تكون البيئة الإدارية في مجتمعنا صالحة لمنتج مجتمعي جدير بالاحترام.
أنظر للإدارة باعتبارها - في أحد مناظر الرؤية - هرمية قائمة، وفي أخرى هرمية مقلوبة. والهرمان مهمان جداً لاستقامة الأوضاع إذا ما تم توظيفهما بشكل صحيح. فمن الناحية العملية يمكن أن يكون الهرم القائم وسيلة فعالة لتسلسل المهمات من الإدارة المركزية العليا إلى الادارات الميدانية الأصغر بحيث إنه مع ارتفاع السلم الهرمي تقل بشكل ملحوظ مجالات تدخل الإدارة العليا في تفاصيل الموضوعات. وفي الهرمية المقلوبة، كلما ارتفع السلم الهرمي اتسع مجال الرؤية ليكون من ارتفع في السلم درجة واحدة مصدر إرشاد وتوجيه لمن هو دونه، فيمرر إليه رؤى استراتيجية يقوم هو بتنفيذها بصلاحيات تنفيذية وإجرائية واسعة.. ولا تعارض بين الهرمين، ففي حين تهتم الهرمية القائمة بالإجراءات التنفيذية، تهتم الأخرى بالرؤى والاستراتيجيات. ومن هنا لزم التكامل بين الهرميتين بشكل كبير لتستقيم العملية الإدارية وتؤتي نتائجها وفق مواصفات عالية الكفاءة، ذلك أن كلا من الإدارات الصغرى والإدارات الكبرى ستعمل بمبدأ التكامل. غير أن الملاحظة السريعة للواقع الإداري في مجتمعنا تؤكد أن الهرميات الإدارية تعاني من مشكلات أسس في توزيع المهمات والصلاحيات فيما بينها. ويبدو أن هذه المشكلات ناتجة مما يمكن تسميته (تراكب الهرمين) عوضا عن تكاملهما. فمن الواضح للمشتغلين بالشأن الإداري أنه من المتعذر أحيانا معرفة أي الجهات - داخل المؤسسة الإدارية الواحدة- تعد جهة اشرافية أو تنفيذية حتى في ظل وجود اللوائح والتنظيمات المحدَّثة (زمنيا).
وينتج ذلك من تداخل الصلاحيات الاشرافية أحيانا والتنفيذية في غالب الأحيان. فمعظم اللوائح والأنظمة المعمول بها في عدد من مؤسسات المجتمع تربط معظم القرارات داخل المؤسسة بالجهات الأعلى في المؤسسة، مع احتكار ظاهر للقرار ورغبة في تقليص صلاحيات الجهات التنفيذية، حتى المتمتعة منها بالتنظيم المؤسسي على نحو المجالس واللجان المتخصصة.
وهذه البيئة تتيح بالضرورة تداخل الهرمين الإداريين وتشوه المنتج الإداري، لتعاقب الأيام والعقول والعواطف عليه من قبل غير متخصصين غالبا، وهم اعضاء اللجان والمجالس العليا، أو القياديون الأعلى في مؤسسات المجتمع، والمؤسسات الخدمية بشكل خاص، ذلك أن هذه المؤسسات معنية بشؤون متخصصة في الخدمة المجتمعية الشأن فيها تعدد المتخصصين وتباين الرؤى، على نحو التربية، والتعليم، والإعلام، والصحة، وغيرها من مؤسسات المجتمع المعنية بشؤون الناس اليومية. والمحصلة أن يخفت بريق المنتج المجتمعي وتقل كثيراً أهليته لأن يكون صالحا للمنافسة في عالم اليوم المشحون بالصلاحيات والتنافس المتخصص جداً، والمبدع جدا. ربما أتينا من الخوف من الخطأ، ذلك الخوف الذي جعلنا نبالغ كثيرا في احتكار الصلاحيات لنقع في خطأ أكبر وهو التماثل في معظم مظاهر حياتنا فكرا وسلوكا، مما افقدنا شيئا من التمايز والتفرد وأدى إلى تدني روح الانتماء لمؤسساتنا ولمنتجاتنا.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved