* القاهرة - مكتب الجزيرة - عتمان أنور:
في كتابه انهيار إسرائيل من الداخل الذي صدرت طبعته الجديدة مؤخراً يؤكد الدكتور عبد الوهاب المسيري صاحب موسوعة الصهيونية ان الانتفاضة الفلسطينية ادت إلى تقلص أعداد المهاجرين اليهود وهو ما يقوض الادعاءات اليهودية حول الامن ويضيف المسيري في كتابه انه رغم قيام دولة إسرائيل فإن غالبية الشعب اليهودي (63%) تعيش في المنفى بكامل إرادتها رغم الادعاء بأنهم في حال شوق دائم للعودة إلى أرض الميعاد وهو ما يعود إلى اندماج اليهود في الدول التي يعيشون بها وهو ما يدفع إسرائيل إلى مكافحة هذه الظاهرة رغم استقرار وضع اليهود باعتبار ذلك يشكل خطورة حقيقية على الصهيونية، وتدليلاً على ذلك فإن فئات من اليهود تطلق على الزواج المختلط باعتباره أحد عوامل الاندماج في المجتمعات الاخرى تعبير الهولوكوست الصامت! وترشح هذه الظواهر الاستيطان اليهودي لأزمة ازاء جفاف ينابيعه خاصة من اوروبا الشرقية.
ويشكف المسيري عما يسميه صهينة اليهودية وهو استغلال المفاهيم الدينية وإفراغها من مضمونها الأخلاقي والروحي واستخدامها في تعبئة الجماهير خلف صفوفها، وهو ما يجد تطبيقه في التداخل بين القومي والديني فيما يسمى بعيد الاستقلال.
وفي سياق استعراضه للكيان الإسرائيلي وسياساته يعرض د. المسيري للعنف الصهيوني معرباً عن دهشته لذلك الخلط الذي نشهده في المفاهيم موضحاً ان مصطلح وقف العنف الذي يتردد في الآونة الأخيرة ليس سوى جزء من خط طويل من المصطلحات المتحيزة ضدنا ويأتي على شاكلتها مصطلحات مثل الأرض مقابل السلام، الأرض مقابل الأرض، الأمن مقابل الأمن، فكلها مفاهيم تعني الاستسلام والرضوخ للمطالب الإسرائيلية والانشغال الدائم بالأمن رغم ان الشعب الفلسطيني تحت الحصار والميزان العسكري لصالح إسرائيل غير أن كل ذلك لم يستطع أن يقضي على اليقين الإسرائيلي من أن الأرض ليست أرضهم. وهو ما يشير إلى عوامل التآكل الداخلي في الكيان الصهيوني التي تقوض من أركانه فإسرائيل تدفع ثمناً باهظاً على هيئة خسائر مادية أو على هيئة الدمار الذي يلحق بمقدرة الجيش على القتال وهو ثمن لا يجرؤ أحد على حسابه، فضلا عن أن ذلك إنما أثبت للصهاينة صعوبة التخلص من الشعب الفلسطيني ومن وجودهم العرضي الزائل (حسب تصورهم) ولذا يحاول الصهاينة الآن قبول الأمر السكاني الواقع مع الاتجاه نحو تقليل الاحتكاك بالفلسطينيين ومحاصرتهم عبر إقامة كيان خاص بهم. وفي مؤشر على أزمة تعبير ما بعد الصهيونية وهو تعبير عن مدى عمق أزمة الأيديولوجية الصهيونية.
من الداخل
في سياق التناول لقضايا الداخل الصهيوني يخصص المسيري فصلاً كاملاً لقضية الهيكل. ويشير بداية إلى أن الهيكل هو البيت الكبير أو البيت المقدس ورغم أن الهيكل ليس جزءاً من العقيدة اليهودية إلا أنه يشغل مكانة مهمة في الوجدان اليهودي باعتبار أن فلسطين حسب التلمود مركز الدنيا والقدس في وسط فلسطين، والهيكل وسط القدس، وقدس الاقداس في وسط الهيكل!!
ويشير المؤلف إلى أن المشكلة عند الحديث عن الهيكل هو التساؤل عن أي هيكل يجري الحديث؟ فهناك هيكل سليمان وهو يقع فوق جبل بيت المقدس أو هضبة الحرم التي يوجد فوقها المسجد الاقصى وقد هدمه نبوخذ نصر البابلي عام 86 قبل الميلاد وهيكل زرو بابل وقد تم نهبه وحرقه. وهيكل هيرود وقد هدم سنة 70 ميلادية.
وحسب التصورات اليهودية فإن هدم الهيكل هو السبب في التشتت اليهودي ولذلك لابد من إعادة بناء الهيكل مرة أخرى. ورغم أن إعادة بناء الهيكل لا تتمتع بشعبية كبيرة داخل إسرائيل التي تتمتع أو تعاني من واحد من أعلى مستويات العلمنة في العالم غير ان الاطروحات الخاصة بهذا الأمر صارت مقبولة بل اصبحت جزءاً من الخطاب السياسي الصهيوني، حتى ان الحكومة اصبحت تبارك وبشكل رمزي واضح خطط أحباء الهيكل.
وضمن قراءة لطبيعة الأوضاع داخل إسرائيل يستعرض المزيد من جوانب التآكل داخل الكيان الصهيوني مشيرا إلى انصراف الشباب اليهودي عن الخدمة العسكرية فنحو 20 إلى 25% يهربون اثناء الخدمة وثلث الضباط الاحتياط يتغيبون فهي حسب بعض التصورات يقوم بها البلهاء فقط وهو الأمر الذي وصل حد التسامح من قبل المجتمع تجاه المتهربين من الخدمة. وحسبما يشير المسيري فإنه اذا كانت ظاهرة الفرار من الخدمة العسكرية تعد خطيرة في أي مجتمع فإنها تزداد خطورة في مجتمع استيطاني.
أما عن الأسباب الرئيسية لذلك فيشير المؤلف إلى أنها تتخلص في سقوط نظرية الأمن الاسرائيلي التي انطلقت من أن استعمال القوة سيحقق الانتصار والامن وهو ما أثبت فشله لتزايد الادراك أن الدولة ليست كما يتم الترويج في حالة دفاع عن النفس وإنما هي دولة عدوانية، فضلا عن تصاعد معدلات العلمنة والاستهلاكية والأمركة، وهو ما أدى في النهاية إلى أن الشباب لم يعد يأخذ الأيديولوجية على محمل الجد ويرى المسيري أن كل هذه العوامل تؤدي إلى انكفاء الشخص على نفسه والبحث عن بقائه الشخصي.
|