على الصفحة الأخيرة مِنْ عَددِ الجزيرة الصادر بتاريخ الاثنين 2-12-1424هـ كتبت الأخت الأستاذة فوزية ناصر النعيم خبراً يقول: (تذمرت فتاة تبلغ من العمر 32 عاماً مِنْ رفض وَالدها لكل منْ يتقدم لخطبتها وَيُصر عَلى بَقائها في بيته ضمَاناً لراتبها) وَتقول الفتاة: (هدّدت والدي إنْ لمْ يوافقْ عَلى زواجي فسوف أنتحر وأحرمه مني ومنْ رَاتبي).
حَسناً أيتها الفتاة، إنّ منْ حقّك الزواج، وَليسَ منْ حق أحد أنْ يعضلك أو يحرمَك حقاً شرعياً منحه الله تعالى إياكِ، لكنْ عليكِ أيضاً سلوك الطريق القديم للحصول على هذا الحق المشروع.
إليك هذه الرسالة إيها الأب: أنت راعٍ مسؤول عَن رَعيتك وليسَ مِنْ حق أحد -كائن من كانَ- أنْ يتدخل في أمر هوَ مِنْ خصوصياتك إذا التزمْت الحد الشرعي ولم تتجاوزه، وَلتعلم يقيناً، حُدوُدَ مسؤوليتك كراعٍ لا تقف عند حد توفير المأكل والمسكن بَل أنت المسؤول عن تزويجها ِمن الشخص الكفء لها، وتلك أمانة كبرى في أعناقنا نحن الآباء.
أيها الأبُ: ألا تشتاق لريح الجنة؟ إليك هذا الحديث الشريف: (مَنْ رزقه الله ثلاثاً من البنات فأحسَن إليهنَّ أدخله الله بهنّ الجنة، قالوا:(واثنتين يارسول الله؟) قال:(واثنتين)، قالوا: (وواحدة يارسول الله)؟ قال: (وواحدة)، أرَأيت كيف تكون هذه البنت بإحسانك إليها سبباً لدخولك الجنة؟
وَإليك أيضاً هذه القصة التي سمعتها -شخصياً- منْ أحد أصحاب الفضيلة: إحدى البنات مَنعها أبوها من الزواج وتوفّت دُون أن تتزوّج، وفي مرض الموت، وقبل صعود روحها إلى باريها قالت لأبيها: (يا أبت حَرَمَك الله ريح الجنة كما حرمتني الزواج) ثم أسْلمت رُوحها، هذه الواقعة نَقَلَتْها أُخت البنت إلى فضيلته وتفضّل مشكوراً بالرد عليها بأنه لاشيء على أختها فيما قالته لأبيها.
أيها الأبُ.. لاتجعل الطمعَ في راتب ابنتك حرمانها من أقدس حقِّ شرعيّ، فلا المنصب ولا المال ولا الحسب ولا النسب يعدل هذا الحق، أو يجزئ عن الزواج.
إن كنت في حاجة فتفاهم معها على جزء معلوم من راتبها، وإن كنت في بحبوُحة فازهد عما في أيدي الناس تكن مِنْ أسعد الناس.
وَانتِ أيتها الابنة -حذارِ حذارِ من هذا الفكر الأسود وتلك النزعة الشيطانية، ثوبي إلى رشدك، وإياك إياك وسوء الخاتمة، اسألي الله الهداية لأبيكِ، وعليكِ بالحكمة والتعقل فَرَسولنا الكريم - صلوات ربي وسلامه- قد نهانا عن مجرد تمني الموت بقوله: (لايتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ لَضُرٍّ أصابه، فإن كانَ لابدّ فاعلاً فليقل اللهم احْيني إنْ كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إن كانت الوفاة خيراً لي)، فما بالك بالانتحار؟.
إذا فشلتِ -يا ابنتي- في اقناع أبيكِ فادفعي إليه بمن يموت عليه من أخ أو أخت، حتى إذا استحال الأمر واستعصى فآخِر العلاج الكيّ، فالجئي إلى قاضي المحكمة الشرعية فالحل عنده إن شاء الله، واعلمي أنّ القاعدة الشرعية أنه: (لا ضرر ولا ضرار)، وأنّ: (الضرر لايزال بضرر مثله أو أكبر منه).
تمنياتي لكِ بالتوفيق إن شاء الله
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حمدين الشحّات محمد |