* الرياض - حازم الشرقاوي:
أعلن معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الأستاذ حمد السياري أن إجمالي أصول المصارف الإسلامية في العالم تقدر بنحو 250 مليار دولار بما يوازي 937.5 مليار ريال سعودي، إضافة إلى عمليات مالية إسلامية تنفذِّها مصارف تقليدية وشركات مالية تُقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات.
وقد رعى معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي حمد السياري ندوة إدارة المخاطر في الخدمات المصرفية الإسلامية صباح أمس الثلاثاء بمقر المعهد المصرفي بمؤسسة النقد العربي السعودي بمشاركة جميع البنوك السعودية، ومناقشة 14 ورقة عمل على مدار اليومين أمس واليوم.
وقال معالي المحافظ في كلمته الافتتاحية للندوة: نظراً للنمو السريع في حجم ونطاق الخدمات المصرفية الإسلامية في بلدان كثيرة؛ فقد أصبح هذا الموضوع يحظى بأهمية متزايدة بالنسبة لصانعي السياسات المهتمِّين بالاستقرار المالي، بما في ذلك مؤسسات مالية دولية؛ كصندوق النقد الدولي ومصارف التنمية ولجنة بازل، إضافة للسلطات الإشرافية في الدول التي تعمل فيها تلك المصارف، وقد أبدت تلك الجهات اهتماماً بالغاً بنمو وتوسيع أعمال التمويل الإسلامي وأثره وأبعاده بالنسبة للأسواق المالية العالمية.
وأشار السياري إلى أن الاهتمام العالمي المتزايد بالعمل المصرفي الإسلامي يعود إلى النمو المذهل والسريع لهذا النوع من النشاط للتمويل الإسلامي في حجمه ونطاقه وأهميته في البلدان الإسلامية وفي أجزاء أخرى من العالم عبر العقدين الماضيين، وقد انتشر بشكل واسع بما يربو على خمسة وعشرين بلداً في آسيا وأفريقيا، كما ظهر أيضاً في كثير من المراكز المالية في أوروبا وأمريكا الشمالية، حتى أصبحت المصارف والمؤسسات المالية المتخصصة الرئيسة الدولية تقدم منتجات إسلامية لتلبية احتياجات المجتمعات الإسلامية المتنامية في هذه الأسواق، بل وفي أسواق الدول الإسلامية.
وذكر المحافظ أن العمل المصرفي الإسلامي لا يخلو من المخاطر التي تطرح تحدِّياً للمصارف والسلطات الرقابية؛ إذ إن المصارف الإسلامية على غرار نظيراتها التقليدية هي مؤسسات وساطة مالية تُقدِّم خدمات للمُودِعين والمستثمرين من جهة، وتمنح القروض والأموال للشركات والمقاولين والقطاع العام من جهة أخرى؛ ولذلك فهي عُرضة للكثير من المخاطر المماثلة لتلك التي تواجهها المصارف التقليدية، إضافة لذلك انطوى العمل المصرفي الإسلامي على مخاطر خاصة به؛ فمن حيث المبدأ هناك مجموعة متنوعة من النشاطات يمكن أن تعمل فيها المصارف الإسلامية وبطرق مختلفة تُمكِّنها من تقديم الأموال ويتم تكييفها لتلائم المبادئ التي يعمل بموجبها العمل المصرفي الإسلامي؛ ولذلك هناك حاجة ملحة لتحديد وقياس وإدارة ومراقبة مثل هذه المخاطر الخاصة، وعدم ترك ذلك لمبادرة المصارف الإسلامية ذاتها، بل لا بدَّ من قيام السلطات الرقابية بدور رئيس في ذلك.
وأشار السياري إلى أنه إذا نظرنا للجانب التمويلي فإن مصادر الأموال للمصارف الإسلامية هي حسابات جارية بدون عائد، وحسابات استثمارية لمدد مختلفة وفقاً لمبدأ المشاركة في الربح والخسارة. ولذا فإن مخاطر هذه الحسابات كمصادر للتمويل مختلفة فيما بينها تماماً. أما في جانب الأصول؛ فإن عقود التمويل المختلفة من حيث المبدأ مبنية على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة بطرق متنوعة، وتحتوي تلك العقود على مخاطر ذات خصائص خاصة بكل نوع منها تختلف عن المخاطر المعهودة في عقود الإقراض.
وقال معالي المحافظ: إن السمة الخاصة لهذه المخاطر تثير قضايا فريدة من نوعها للتقييم الخاص بالأصول والمخزون، وتكاليف الاستثمار، وانتظام الدخل، وإقرار الخسائر، وكفاية الضمانات، وغير ذلك. ويزيد في إشكالية تلك المخاطر المرتبطة بالمنتجات عدم وجود آليات لتغطية تلك المخاطر كما هو متوفر للبنوك التقليدية؛ مما يستوجب العمل على تطوير أدوات تغطية تنسجم مع المبادئ التي تعمل بموجبها المصارف الإسلامية.
ومن جهة أخرى، أوضح السياري أنه يمكن أن تتخذ قضايا السيولة في العمل المصرفي الإسلامي أشكالاً مختلفة، فعلى سبيل المثال توجد لدى المصارف الإسلامية حالياً مجموعة محدودة من الأدوات المتاحة لإدارة سيولتها؛ حيث لا يمكنها الاستثمار في سندات الحكومة والشركات، وأذونات الخزانة، والأوراق التجارية. وكذلك يمكن أن يعيق غياب سوق بين المصارف وتعذُّر إمكانية الوصول إلى نوافذ اتفاقيات إعادة الشراء لدى مصرف مركزي وضع سيولتها. وبالتالي يتعين على المصارف الإسلامية أن تحتفظ بقدر كبير من أصولها لدى المصارف المركزية أو في صورة أصول سائلة؛ مما يمكن أن يؤثِّر سلباً على أرباحها. وفي السنوات الأخيرة أدركت بعض المصارف المركزية والبنك الإسلامي للتنمية هذه الحاجة، فعملت على إنشاء سوق مالية لحاجة المصارف الإسلامية.
وقال السياري: إن كثيراً ما يثار جدل بأن المصارف الإسلامية عُرضة للإعسار بسبب تبنيها مبدأ المشاركة في الربح والخسارة في كثير من عملياتها التموينية؛ لأنها تستطيع إشراك المُودِعين والمستثمرين في خسائرها حسب عقودها معهم. ويُثار هذا الجدل أحياناً كحُجَّة لتخفيض نسبة كفاية رأس المال المطلوبة للمصارف الإسلامية، إلا أن الحُجَّة المقابلة أن المصارف الإسلامية عُرضة للمخاطر الائتمانية والتشغيلية على نحو أكبر، ولذلك يجب عليها توفير رأسمال كافٍ ينسجم مع هذه المخاطر.
وبيَّن السياري أن عدداً من المصارف المركزية قد أدرك هذه الخصائص والسمات المرتبطة بمخاطر الأعمال المصرفية الإسلامية، وبالتالي تقوم الآن بتطوير طرق لمراقبة وتنظيم هذه المخاطر، كما أنها تُدرك الحاجة للتعاون الدولي وتتعاون في تطوير معايير يمكن أن تشكل أساساً لبنية أساسية قوية تقوم عليها الأعمال المصرفية الإسلامية.
وقال السياري: أَجِدُ تشابهاً في العديد من المجالات بين المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية، ولذلك فإن تبنِّي تلك المعايير ذات العلاقة لأعمال المصارف الإسلامية ربما يكون أمراً عملياً من حيث خفض التكاليف وزيادة الفاعلية. لقد أصدرت لجنة بازل للرقابة المصرفية معايير ومبادئ في المجالات المعرَّضة للمخاطر، بما في ذلك الائتمان وعمليات السيولة، وانضباط الوضع المالي، وكفاية رأس المال، وغيرها. والكثير من هذه المبادئ تنطبق على المصارف الإسلامية وتسري عليها كغيرها من المصارف التقليدية. ولعل أوضح مثال لذلك، موضوع الإدارة السليمة للشركات، وهو موضوع يحظى بأهمية متزايدة لدى كافة المؤسسات المالية (ويستحق الإشارة إليه هنا) ويجري العمل حالياً لتقوية المعايير الخاصة به، ويغطي ذلك سلامة وأهلية المالكين الرئيسين والمدراء وفعالية مجلس الإدارة ومسؤوليته وانتظام عمل الرقابة الداخلية واستقلالية المراجعين الخارجيين، وغير ذلك من المبادئ التي تعمل على توفير إدارة سليمة ذات كفاية للشركة، فهذه مبادئ لا يجب استثناء أي شركة مالية أو حتى غير مالية منها.
وأكد معالي المحافظ أن توحيد البيانات المالية للمصرف مع كافة شركاته التابعة وفروعه مبدأٌ آخرُ يجب أن يسري على جميع المصارف، وهو ضروري لتوفير رقابة موحدة من قِبَل السلطات الرقابية في بلدان الموطن.
وأشار السياري إلى موضوع الشفافية وتوفير المعلومات الكافية عن مختلف أوجه النشاط وعن البيانات المالية للشركة، وهو بالنسبة للبنوك الإسلامية ذو أهمية خاصة لمسؤوليتها الأخلاقية ولتعزيز مصداقيتها؛ مما يساهم في قبولها على نطاق أوسع، ويزيل أي اعتقادات خاطئة تخُصُّ أنشطتها.
وتطرَّق السياري إلى التطلعات المستقبلية، فقال: لقد أدرك واضعو السياسات في الدول التي تعمل فيها مصارف إسلامية أنه تقع عليها مسؤولية دعم تطوير المعايير الرقابية للمصارف الإسلامية، وتمت ترجمة ذلك إلى حقيقة ملموسة بإنشاء مجلس الخدمات المالية الإسلامية، واشتركت المصارف المركزية لكل من المملكة العربية السعودية وماليزيا وستِّ دول إسلامية أخرى إضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية كأعضاء مؤسِّسين لهذا المجلس. وانضم عدد من المصارف المركزية التابعة لدول إسلامية بصفتهم أعضاء، كما انضم عدد من المؤسسات المالية الدولية بصفتها أعضاء مشاركين. والهدف الأساسي للمجلس هو تشجيع قيام وتطوير صناعة خدمات مالية إسلامية تتميز بالاحتراز والشفافية من خلال إدخال معايير دولية قائمة أو جديدة تنسجم مع المبادئ التي تعمل بها المصارف الإسلامية.
فيما وجَّه جمعان بن عبدالله الوقداني مدير المعهد المصرفي شكره لراعي الندوة وللمشاركين فيها، وتناول في كلمته مسيرة النجاح التي قام بها المعهد المصرفي عندما أنشأ عام 2000م مساراً للخدمات المصرفية التي تهتم بمجال الصيرفة الإسلامية مع تأهيل وتطوير قدرات الموظفين لأداء أعمالهم باحترافية عالية وقد استفاد من دورات المعهد في مجال الخدمات المصرفية الإسلامية حوالي 2000 مشارك. وذكر أنه في العام 2004م يضم دليل خدمات المعهد اثني عشر عنواناً للدراسات التدريبية في هذا المجال، كما قمنا بإضافة مواد دراسية في المصرفية الإسلامية ضمن برنامج دبلوم الأعمال المالية والمصرفية بالمعهد والموجه لمَن يرغبون بالالتحاق بالقطاع المصرفي والمالي.
فيما أكَّد الدكتور ساندرا أرجان نائب مدير صندوق النقد الدولي السابق أن المصارف الإسلامية تواجه مخاطر جوهرية، كما ستواجه منافسة شرسة من مؤسسات مالية كبيرة في العالم في ظل منظمة التجارة العالمية، وهذه المؤسسات المالية العالمية أكثر خبرة وقدرة مالية عن المؤسسات المصرفية الإسلامية. وأشار إلى أن صيغ التمويل في البنوك الإسلامية تقوم على مشاركة العميل في الربح والخسارة، من هنا يكون مشاركاً في المضاربة ومتعرِّضاً لخسارة آماله أو تحقيق أرباح.
وقال ساندرا أرجان: إن العمليات البنكية الإسلامية تحتاج إلى نظام تشريعي دقيق يناقش جوانب النزاع والخلاف بكل شفافية، مع مراعاة جوانب الشرعية الإسلامية في اتخاذ القرارات والأنظمة المناسبة.
ودعا ساندرا أرجان إلى ضرورة تخصيص احتياطي نقدي في البنوك الإسلامية لمواجهة أية خسائر قد تتعرض إليها، مع تسهيل المعاملات وتوفير السيولة اللازمة، وكذلك السعي نحو الاستثمار الجيد مع تحسين استخدام جميع الصيغ المصرفية، بالإضافة إلى رصد جميع المخاطر ومناقشتها بكل شفافية.
وطالب الجهات المشرفة على المؤسسات المالية بتشكيل قاعدة بيانات ثرية وواضحة؛ لتُمَكِّن من اتخاذ الإجراءات والقرارات المناسبة، وصياغة نظام وقائي شامل يحدُّ من عمليات المخاطر.
وأضاف أن جميع ما ذكر يحتاج إلى تعاون مشترك بين اللجان الشرعية والمصارف والسلطات المشرفة على المؤسسات المالية.
|