Wednesday 25th February,200411472العددالاربعاء 5 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
المجد للأقدام!
حسين علي حسين

يقول ابن إياس في بدائع الزهور:


يا حسنها كالنجم سائرة
قد طال تردادها بين الجواكين
تفرق الهم اذ كانت مؤلفة
بين القلوب بآراء السلاطين
لجبرهم لقلوب الجند إذا لعبوا
مع الملوك وهم بعض المساكين

هذه الأبيات التي أوردها ابن إياس، في كتابه بدائع الزهور، تتحدث عن ولع سلاطين وجند المماليك بلعبة (الصولجان) وهي لعبة رائجة الآن في جميع أنحاء العالم، لكنها مقصورة على علية القوم، من رجال المال والأعمال والسياسة، وهي موجودة في تونس- مثلا- باسمها الذي أوردناه، وموجودة بمسمى(الجولف) في غيرها من دول العالم، وهذه اللعبة تتطلب ميدانا واسعا مزروعا ومعتنى به على الدوام، فأي جفاف أو تصحر أو موت لبقعة صغيرة من الأرض المخصصة لهذه اللعبة معناه، وجود خلل، أو عيب، ربما اقتضى تغيير الميدان، أو المضمار بأكمله.. وكانت المنطقة أسفل قلعة صلاح الدين في القاهرة هي المكان المفضل لممارسة هذه اللعبة، ولا ندري اذا كانت هذه اللعبة هي النواة لما يعرف الآن بكرة القدم، التي تتميز عن الصولجان بجماعيتها وبأنها تخلب ألباب الجميع، فهي تمارس من الأغنياء والفقراء على السواء، بل إن لها الفضل على العديد ممن فاتهم قطار التعليم أو الأشقياء أو الهامشيين، الذين أصبحوا بين عشية وضحاها من المشاهير، الذين يكسبون المال والحظوة معا، لدى كبار القوم قبل صغارهم.. بسبب إجادتهم لهذه اللعبة. إن لاعبي كرة القدم - وهذا فرق جوهري أو تربوي بين لاعبي الصولجان وكرة القدم- هؤلاء لا يتورعون عن الشتم والضرب، بل إنني أعرف فريقا يكون في قمة الراحة - رغم تواضعه- عندما يأتيه فريق الى مدينته، فهذا الفريق لديه مجموعة جيدة من الرماة، الذين يتمركزون في منصة الجماهير، إضافة الى بعض اللاعبين البارعين في استفزاز لاعبي الخصم، فما إن يقترب منه أحد اللاعبين حتى يرمي عليه كلمة كفيلة بزلزلة كيانه، وجعله يتوه عن اللعب، مفكراً في طريقة يرد بها على استفزازه، وإذا تحقق ما يرمي إليه ذلك اللاعب من استفزاز وفاز فريقه، فهذا ما يريده، وإذا تحقق العكس، فإن فريق الرماة في مدرجات الجماهير، جاهز بكميات هائلة من الحصى، كفيلة بأن ينام أفراد الفريق المنتصر، على الأسرة البيضاء، حتى لا يقلوا عقولهم ويفوزوا مرة أخرى على ذلك الفريق!
وهذا ما جعلني أميل إلى تأييد لعبة ( الصولجان)، التي كانت تمارس، انطلاقا من أبهة المماليك من فوق الأحصنة، وتمارس الآن على الارض.. والغريب أن الصولجان أو الجولف، مازالت مقصورة على كبار القوم من العرب والعجم، ولا ندري من الذي نقلها من قلعة صلاح الدين، وغيرها من الدول التي كانت تحت حكم المماليك، إلى المنتجعات والفنادق الأوروبية الفخمة، هذا ومازالت هذه اللعبة باسمها القديم نفسه في تونس الخضراء، وهناك يردون أصل هذه اللعبة إلى البادية، حيث رعاة الإبل والغنم، الذين كانوا يصطحبون عصاة معقوقة من آخرها، تسلط على حصاة في الصحراء بدقة متناهية، لتنطلق إلى جمل أو شاة أو ماعز ضلت عن القطيع! ويبقى هناك فرق جوهري، ربما كان له دور في الجماهيرية، هو أن الصولجان تلعب باليدين، وكرة القدم تلعب بالرجلين، وقد قيل في ذلك إن هذا العصر شعاره ( المجد للقدمين) التي تحصد الملايين والشهرة والمجد.. أما اليدان فلهما فعل خاص، ربما كانت للأكل أو الكتابة أو اللعب، وقليلا ما تكونان سببا في الشهرة أو الثروة!
فاكس:4533173


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved