(1)
**سألوا (محمد بن عيسى) (وهو وزير ثقافةٍ مغربيُّ سابق) عن (المثقف)..
وروى (سمير سرحان) - في كتابه (حرب الثقافة)- تعريفه له بأنه: المنُاط به في كلِّ عصرٍ مساءلةُ القيم..!
**أشار إلى المثقف (الحقيقيّ)..
وأكدّ (المساءلة)..
وفيها: (فهمٌ)..
و(وعيٌ)..
و(تجربةٌ)..
و(تقويم)..
وعبرها تتحدد ملامحُ (اتجاهات) (المجتمع) في فترات (التحول)..!
**وإذْ لكل مجتمع (خاصيتهُ) فإن ما هو مطروحٌ (للمساءلة) مختلفٌ تبعاً لمساحة (الحركة) التي يستطيعُ (المثقف) الانطلاقَ فيها نائياً - في البيئات الإسلامية - عن (المُسَلمَّات) التي تحددها نصوصٌ قطعية الثبوت والدلالة، ولا شأن له بعد ذلك باختلاف (الفقهاء).. وسلطات (العادة)، وتحكم (التقاليد)..
وربما ناله من هذا كثيرٌ من (الأذى) و(الاتهامات) حين ترقى (العادة) في المجتمع (الراكد) إلى (عبادةً)، ويصبحُ (التقليدُ) قانوناً، ويتصدر رأي (فقهيٌ) واحد..!
**بمثل هذا يجدُ (المثقفُ الحقيقي) نفسه (غريباً) إذا سَألَ..
و(متطاولاً) إذا تساءل..
و(خارجاً) إذا أجاب..!
(2)
**في استعادة (التاريخ) القريب ما يشير إلى آفاق (الآتي)..
إذا استطعنا الخروج من نفقِ (الخوفِ) من التحولات القادمة برغبتنا وبضدّها..
وإذا اتفقنا على تحديد (الثوابت) في إطارها (المرجعيّ) (الشرعيّ) المجمع عليه بين علماء الأمةِ في كل (أزمنتهم) وسائر (أمكنتهم)..!
**هنا (لغةُ) عقل لا تسلمُ (دلالاتها) لمناصري (الركود)..
وبها أصبح (منع الدراجات العادية) - في فترة متقدمة من حياتنا قبل أكثر من نصف قرن - (طرفةً) تروى..
ومعها (طُرفُ) محاربةِ (المذياع)، والاعتراض على (تعليم البنات)، ورفض (التلفاز)، ومناوأة (قصيدة التفعيلة)، واتهام من في منزله (طبقٌ فضائي)..
ومثلها سواها من حكاياتٍ أصبحتْ في ذمةِ التاريخ..!
**وسيرى من يمتدّ به الأجل أن كثيراً مما نختصم حوله الآن من (متغيّرات) تتحكم بها (العادات) و(التقاليد) و(الآراء الاجتهادية) ستضمُّ إلى تلك (الطُّرَفِ) و(الحكايات)..
ليظلَّ المطلوب - (حولها وغيرها) - حواراً يلتزم بأدب (المناظرة)، ويُحمى فيه الجميع دون (رهبة) أو (استعداء) أو (استعلاء) فلا أحد يحتكرُ (الحقيقة):
وكلٌ يّدعي وصلاً بليلى
وليلى لا تُقِرُّ لهم بذاكا
(3)
**بعد تخرجه التحق صاحبُكم بمعهد الإدارة (معيداً)..
مفضلاً ذلك على (الإعادة) بجامعتِه..
فيها فقد شاء (التغيير) من مسارٍ إلى آخر ربما عُدّا (متناقضين) آنذاك..!
**لم يعدمْ (ذاماً) حين استبدل -في رأي بعضهم - ما هو أدنى بما هو خير -..
فقد اشتهر عن (المعهدِ) - حينها - أنه (علماني)..
وقيل: (ماسوني)..
ورُويت في ذلك (نقولات) لا يأذن (العقلُ) بتصديقها..
أو تسمحُ المرحلةُ بإفرازها..!
**ارتبط المعهد - عند تأسيسه - بخبراء (الأمم المتحدة) و(البنك الدوليِّ)..
وربما توجّس الناسُ - بسبب ذلك - (خيفةً)..
فأشاعوا وأذاعوا، وصدّق (المتعجلون)، وظلت الفكرةُ (نمطيّة) Stereotype تتكرر رغم مرور السنين..!
**تدرج صاحبُكم في وظائف المعهد (التدريبية) و(الإدارية)، وبلغ بعضَ مراتبه العليا، وعمل (عضواً) و(رئيساً) للجانٍ فاعلةٍ في شؤون (إداريةٍ) و(فنيةٍ) مختلفة، وأسهم في مؤتمراته وندواته الداخلية والخارجية.. وغادر المعهد.. وظل فيه.. (منتمياً)..
و(محتفياً) بتجربته الإدارية المتميزة..
وكان ولا يزالُ على صلةٍ وثيقةٍ بقياداته وقاعدته..
ورغم قربه ومشاركته فهو لم ير (علمانية) أو (ماسونية) أو توجيهاتٍ (مباشرة) أو (خفية) لرسمِ ملامحَ (أجنبية) لبيئةٍ محلية..!
**ظل المعهدُ مثالاً في (الالتزام) و(الإنجاز) و(الانضباط)..
وواصل دوره (التطويري) دون التفات، واستمرت حكايات (التّهم) الجاهزة إلى أن خفت صوتُها في مرحلة من المراحل بسبب (التغيير) الإداري في قيادة المعهد (وإن لم يتغير المعهد نفسه)، وأثبت ذلك أن (للأشخاص) - في المجتمع الأُحادي - دورَ (المؤسسات) في المجتمع (المدني)..!
**انتهى (الجدل) في إحدى زوايا التاريخ (الشفاهي) غير المسجّل أو الموثق..
وأضيفت حكايةٌ جديدة إلى (المتحف) الذهنيِّ الذي (يتحفظُ) زمناً..
ثم ينفتح - وفق (شروطِه) - دون داعٍ (لاستعجالهِ)..
ودون معنىً (لوصمه) (بضيق) أو (تحجّر) أو (تخلف)..
فالنمو (الاجتماعي) و(الثقافي) في البيئة المحافظة أبطأ كثيراً من النمو (المعرفيّ) و(الاقتصادي) و(السياسي)..!
(4)
**سوف يطولُ (الجدلُ) حول (القديم والجديد)..
و(الحداثةِ والتقليد)..
و(التطور و التسمّر)..
لتأتي (الأجيال) - بعدنا - متعجبةً من (مجدِّدٍ) (قديم)، و(حداثي) (تقليدي)، و(تنويري) (ظلاميّ)..!
**في الحياة ترتسم خطوات (الأمام) خطواتٍ إلى الخلف بفعل الزمن، ويصبح (طه حسين) المُحارِب من أجل (التجديد) أحد رموز (التقليد)، ويبحث (المتابع) - بعد أمةٍ - فيجد أن لا فرق بينه وبين (الرافعيِّ)..
رغم المسافات الكبيرة التي حولتهما - ذات خصام - إلى (ضَدّينْ) اصطدما فلم يلتقيا، واصطدم أشياعُهم ولم يلتقوا، وقرأناهم - بعين المتفرج النائي عن مباشرة الحدث - فألفيناهم على خطٍّ متوازٍ لا تتجاوزُ خلافاتُهم سياقات (نظرية)..
هذا إذا جزمنا بعدم تراجعهم عنها (قولاً)..
أو (مناصرة)..
و(هما) - كما هم - مجرد مثل يتسع لأمثلةٍ ممتدة..!
(5)
**يمضى الزمن.. فيقضي بالتقاء (النقائض)، وخفوت (الصراع)، وتكون (جبهة) جديدة أمام القادمين الجُدُد، فمن رفع راية (المعارضة) بالأمس ترفع ضده الراية اليوم، ويصبح (التقدميُّ) رجعياً، و(الثائرُ) عميلاً، وتستحيل (الحركة) إلى سكون، والسكون إلى إشارةِ خلقٍ فكريِّ جديد يُمزِّق (الصمت)، ويلغي (التصنيم)..!
**بهذا المفهوم سيظلُّ (السجال) مفتوحاً، وسنظلّ بحاجة إلى (المتشددين) كما (المتحررين) فأولائك مطلوبون لحفظ (هوية) المجتمع.. و(أولاء) لتحريك جموده..
والشرط الفكري لحفظ التوازن هو فتح منافذ (الحرية) أمام الجميع ليقولوا وينصتوا..
ويناظروا وينتظروا..
مطمئنين إلى (حمايتهم) من (متطرفي) الجبهتين ممن يريدون إغلاق كُوىّ الضوء وفتحات الهواء، ومَنْ يشرعون (السُّبلَ) فيدلفُ منها الأعداء والأوصياء..!
(6)
**فمن يخرق السور..!؟
من يفتح الباب..؟
يدمي على كل قفلٍ يمينه.!.
ويمناي..
لا مخلبٌ للصراع..
فأسعى بها في دروب المدينة..
ولا قبضةٌ لابتعاث الحياة من الطين..
لكنها محضُ طينة..
وجيكور من دونها قام سور
وبوابةٌ
واحتوتْها سكينة..!
(السياب)
**هكذا نحن..
وهكذا (الحياة)..
وهكذا (الزمن)..
وهكذا (التاريخ)..!
**فقط..
دعوا الأفكار تتصارعْ في (النور)..
**لا تعدوا ما ترونه (متخلفاً)..
**ولا تستعدوا على ما تحسبونه (متخطياً)..
**أشعلوا عود ثقاب ليعبر الطريق من مَرّ..
وليلمحه ويُحيِّيه من استقر..!
**أزيلوا مفردات (الخيانة)..
و(التكفير)..
و(الاستغراب)..
و(الرجعية)..
و(التخلف)..
ولا يزايدْ أحد على (دين) أحد، أو (وطنيته) أو (انتمائه)..
واستشرفوا حكم (التاريخ) الذي سيهزأُ بمن ظن في نفسه (فقط) صلاحاً وفلاحاً..
فهذه بارانويا (فكرية) يتجاوزُها الحاضر..
ويُهملها المستقبل..!
*الصراع لغة الحياة..!
|