هل هي نعمة أم نقمة أن تكون عضواً في هيئة التدريس في إحدى جامعاتنا؟ سؤال مثير دون شك. ولكن ثمة سؤال آخر أكثر إثارة: هل أعضاء هيئة التدريس نعمة للجامعات أم نقمة عليها؟ لعل الجامعات في جميع دول العالم قد وجدت لتنشئ وتعلم وتخرج أجيالاً من المؤهلين الحاملين للدرجات الجامعية وما فوقها من درجات التأهيل العلمي. وهي في الوقت نفسه مخرجة ومحتوية لنسبة من مخرجاتها تسميهم (أعضاء هيئة التدريس) يتولون إعادة البناء والتأهيل لأجيال جديدة، تقوم هي الأخرى بدورها في التعليم والتأهيل ليخرج جيل آخر وهكذا دواليك. عملية تعيلمية وإدارية مستمرة وسهلة جداً في منظورها العام، لكن المجتمع الخارجي (خارج الجامعة) ينظر لها على أساس من التميز والتفرد بمخرجات مؤهلة قادرة على مواجهة كثير من المشكلات التي تواجه المجتمع، ليس في الجامعات فقط، ولكن في ميادين الحياة كافة. ومن هنا تظهر إشكالية أعضاء هيئة التدريس في الجامعات: مجموعة من الناس ليس لهم أسوار حسية معلومة فتراهم في كل واد يهيمون، إن لم يكن طلباً للرزق، بل لمزيد من الرزق، فسعياً للقيام بالواجب الوطني في المشاركة في وضع الخطط المتخصصة لمؤسسات المجتمع، والمشاركة في إيجاد رؤى متقدمة لمواجهة المشكلات المجتمعية المتعددة. وهم في ساعات يومية أو شبه يومية أساتذة في الجامعات يدرسون الطلاب، وباحثون في المكتبات يجرون البحوث العلمية، إن لم يكن للمساهمة في برامج التنمية الشاملة فللحصول على ترقية علمية تزيد من تأهيلهم، لكنها تزيد أيضاً من أعبائهم الجامعية في ضوء اللائحة المنظمة لشؤون أعضاء هيئة التدريس، وهي اللائحة ذاتها التي تسوق عضو هيئة التدريس على مختلف قطاعات المجتمع بأنظمة وأساليب متعددة، وتتيح شيئاً أشبه باستنساخ الأستاذ ليكون متاحاً في أماكن متعددة يشارك ويعمل وينتج. وتبقى العملية التعليمية الجامعية رهن حركة السوق التنموية ومدى استقطابها لأعضاء هيئة التدريس مستشارين، ومتعاونين، ومنتدبين، ومكلفين، وغير ذلك.
وتبقى مؤسسات المجتمع الأخرى بين موغلة في الاعتماد على (العمالة الجامعية)، وبين زاهدة فيها لأن هذا النوع من المؤسسات - ببساطة شديدة - غير مقتنعة بالدكاترة. ويبقى عضو هيئة التدريس - نفسه - رهناً لمن يريده ومن لا يريده. ولأن الأمر مرهون بهذه الإرادة، تتكشف إرادات الأقوياء (الذين يدفعون أكثر) من مؤسسات القطاع الخاص الربحية، فتلملم كل من بقي من مؤهلي أعضاء هيئة التدريس لتزيد من أرباحها. وهنا ربما تخسر الجامعات، ويخسر طلابها. تلك هي نظرة (بانورامية) سريعة لأهم مظاهر حياة الشد والجذب في الوسط الجامعي، بين أن تكون الرسالة جامعية صرفة أو تكون مذبذبة بين هؤلاء واولئك. فكأن تأهيل أعضاء هيئة التدريس قد بات وبالاً عليهم أوعلى العملية التلعيمية العليا ذاتها. ليس ثمة مشكل في أن تخرج الجامعات حملة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة ليعملوا في مؤسسات المجتمع، بل هذا هو لب رسالتها. لكن المشكل في أن يتقاسم النفس البشرية الواحدة مؤسسات مجتمعية عدة، فتقل إنتاجية الفرد، وتضعف مخرجاته النوعية، لينعكس ذلك كله على المستوى العام ليس في الجامعات وحسب، ولكن أيضاً في تلك المؤسسات التي اعتقدت أن في تقاسم عضو هيئة التدريس ذكاء فطرياً بالجمع بين العائد الإنتاجي الكبير والمقابل المادي اليسير. ربما أتينا من أننا لم نحسن توزيع الأدوار المجتمعية لمؤهلينا، أو أننا لم نصنف جيداً التأهيل الذي نحتاج إليه.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|