تعتبر عملية توطين فرص العمل في القطاع الخاص من أهم القضايا التي يلزم المجتمع السعودي بفئاته المختلفة وأجهزته الحكومية والخاصة العمل الجاد لتحقيقه حفاظاً على المرتكزات الوطنية وتحقيقاً للاستقرار الأمني والفكري والاجتماعي وحتى السياسي في المملكة. وعلى الرغم من كون الحديث عن هذا الجانب قد تكرر في مناسبات متعددة، وعلى الرغم من كثرة القرارات الصادرة وتعدد النداءات التي تطالب رجال الأعمال بضرورة اتخاذ خطوات فاعلة لزيادة مساهمة عنصر العمل المحلي في العملية الإنتاجية ولتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية، إلا أن الواقع يحكي قصة تناقض غريبة بين مضمون هذه القرارات والنداءات وبين ما هو حاصل بالفعل في سوق العمل السعودي الذي ظل يعاني من زيادة تدفق العمالة الأجنبية من الخارج ومن بقاء الشباب السعودي حبيس البطالة بمؤثراتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة.
وإذا كنا في السابق ننادي بالسعودة كخيار اقتصادي مهم، فإننا في هذا الوقت ننادي بها كعلاج فاعل في مواجهة الانحرافات الفكرية التي وقع فيها وللأسف بعض أبنائنا مما أثر سلباً على طبيعة المرتكز الأمني وساعد على جعل غير المقبول من التصرفات والأفعال مقبولا لدى البعض من الشباب الذي أصبح في بعض الأحوال يحمل المجتمع مسؤولية تعاسته الاقتصادية وسوء حاله الاجتماعية.
وفي هذا السياق فإننا لا نعني بالضرورة أن تصل أفعال الشباب إلى درجة التفجير الإجرامي في مواقع المسلمين وأماكن سكناهم ولكن نعني أن العاطل عن العمل الذي لا يجد قوت يومه سوف يلجأ إلى ارتكاب كل ما هو مؤدي إلى تحقيق الإشباع الذاتي بغض النظر عن شرعية التصرف ومنطقيته المجتمعية والذي بلا شك سيؤثر على استقرارنا الأمني ويعرض النسق التنموي للخطر. وبالتالي فإن زيادة مساهمة رجل الأعمال في مواجهة الانحرافات الفكرية والسلوكية للشباب تعتبر من أهم الخطوات التي نحتاجها في الوقت الحاضر للحد من تنامي الفكر التكفيري وللمساهمة في زيادة القيمة المعنوية لمستقبل الشباب مما يدفعهم للمحافظة على هذا المستقبل والاستمتاع بمعطياته الاجتماعية والاقتصادية.
وإذا أضفنا إلى ذلك المخاطر المترتبة على التواجد العشوائي والمكثف للعمالة الأجنبية بأفكارها وسلوكياتها المختلفة وغير المتجانسة مع مقومات المجتمع السعودي، فإن تأثير دور رجل الأعمال في عملية المكافحة الأمنية للإرهاب تبدو أكثر وضوحاً خاصة في ظل ما نطالعه وبشكل مستمر من جرائم وممارسات لا تمت للمجتمع السعودي بصلة وتؤثر سلباً على الاستقرار الاقتصادي والأمني في هذا المجتمع. ونشير هنا إلى أن مساهمة رجال الأعمال في مكافحة الإرهاب من خلال زيادة الاعتماد على عنصر العمل المحلي لها العديد من الايجابيات الاقتصادية التي تعود بشكل مباشر وغير مباشر على رجل الأعمال كزيادة الطلب على منتجاته نتيجة لزيادة الاستهلاك وانخفاض التكلفة المستقبلية المترتبة على أعمال الحراسة والمراقبة النهارية والليلية بالإضافة إلى التخلص من تكاليف الاستقدام وما يرتبط به من تكاليف متغيرة وغير متغيرة.
ياسادة: إن الأجهزة الأمنية تقوم بدور فاعل في مجال مقاومة ومكافحة التداعيات السلبية المترتبة على الانحرافات السلوكية ولكنها تحتاج بلا شك إلى مشاركة فئات المجتمع الأخرى بما فيها الأسرة والمؤسسات التعليمية ومؤسسات القطاع الخاص التي تستطيع أن تجعل حياة الشباب ذات قيمة معنوية يحرص الشباب على المحافظة عليها. فهل نجد شعوراً وطنياً يأخذ في الاعتبار البعد الأمني للقرار الاقتصادي والاستثماري؟ أتمنى ذلك.
|