* الناصرية- د. حميد عبد الله:
شاء الله ان تطأ أقدام المحتلين في مطلع الألفية الثالثة أول لوح كتب عليه الإنسان أول حرف في التاريخ قبل اكثر من ستة آلاف عام.. إنها ارض اور، حيث خطا الإنسان أول خطواته صوب النور والحضارة.
الطريق الى زقورة اور الآشورية هو الطريق نفسه المؤدي الى قاعدة الإمام علي الجوية التي تقع على بعد 15 كم جنوب الناصرية والتي استخدمها الجيش الأمريكي أول وأقوى قاعدة جوية له بعد اجتياحه للعراق من بوابته الجنوبية.
أول ما يلفت انتباهك في الزقورة سلمها الطويل، حيث تتسلق إحدى وتسعين درجة في البدء ثم تأتي فضوة صغيرة لالتقاط الأنفاس وبعدها تتسلق خمس عشرة درجة أخرى لتبلغ سطح الطبقة الثالثة ليستقبلك مدرجها الجانب الآخر الذي يتعذر تسلقه لارتفاع درجاته الأرضية عن جدرانها المائل والأشكال الهندسية البارزة للخارج على واجهة الزقورة وستلاحظ عدة ثقوب منتظمة على جدرانها الأيمن.
بدأ السيد عبد الحميد الحمداني مفتش آثار محافظة ذي قار يحدثنا عن طبقات الزقورة الثلاث وعن الطبقة الأولى المدفونة تحت التراب والطبقتين البارزتين الظاهرتين للعيان واللتين كنا نقف على سقفهما، وكذلك عن مفكرة الزقورة كمعبد تم بناؤه من الطين في بادئ الأمر.
وما ان ينهار حتى يبني السومريون على أنقاضه معبدا جديدا. أما على يسار الزقورة فالمكان القرب هو المعبد السومري (دب- لال - مآخ) الذي تحول في العهد البابلي الى اول محكمة في التاريخ وهو عبارة عن بناية مربعة تحتوي على غرفتين منعزلتين وساحة وبالإمكان الصعود الى إحدى الغرفتين بواسطة سلم يتكون من أربع درجات والمحكمة مبنية بالطابوق المربع الذي يحمل كتابة مسمارية وعلى سطح جدرانها العلوية طبقة خرسانية بسمك 25 سم وضعت قبل عدة سنوات على نحو بدائي للمحافظة على طابوق الجدران من التهدم!
قصر شولكي
على مسافة أمتار وعلى يسار المعبد (دب لال مآخ) يقع قصر الملك (شولكي)وتقول لوحة التعريف التي وضعت أمام القصر ما نصه: (قصر شولكي ويعرف باسم (أي- خور-ساك) ومعناها (بيت الجبل). كما جاء في الألواح المسمارية من فترة سلالة اور الثالثة. والقصر مربع الشكل يبلغ طول ضلعه 55 مترا، عثر فيه على اجر مختوم بكتابة مسمارية تعود الى الملك (شولكي) ملك اور سومر واكد. قيثارة شبعاد التي ضمت رفات الملك اور نمو والملك شولكي. هذا ما اخبرنا به السيد محسن نعيس عضو هيئة صيانة الآثار الذي ورث عمله أباً عن جد ويمارس أيضا حماية الموقع.. حيث عمل جده مع الأثرى الإنكليزي (ليونارد وولي) الذي انقلب أوائل القرن الماضي وأشار بيده الى عدد من العربات الصدئة المغمور جزؤها الأكبر في التراب وقال: ان هذه العربات التي كان يستعملها مستر (وولي)في التنقيب ونقل التراب.
وشرح لنا عملية فتح القبور وحدثنا عن مشاهدته قائلا: كنا نجد بجانب الجثث ألواحا طينية (توابيت)مكتوبا عليها كتابات سومرية وقطع ذهبية.
وأضاف: ان عملية الدفن كانت تتم بعدة أوضاع، فقد وجدنا بعض الهياكل في وضع القرفصاء وأخرى بوضع جانبي وأخرى بوضع مقلوب على الوجه.
نقطة الطوفان
في عودتنا سلكنا الطريق الواقعة خارج المواقع الأثرية التي تضم اكثر من 700 موقع اثري لم يجر التنقيب إلا في إثنى عشر موقعا فقط واضاف: حتى اور لم تستكمل التنقيبات فيها بشكل كامل.
وحين مررنا بمنخفض تقدر مساحته بنحو 50 مترا مربعا يحتوي على أنابيب فخارية قال الحمداني: ان هذه هي نقطة الطوفان عبارة عن عدة طبقات حضارية مزوَّدة بفتحات أسطوانية نظامية محاطة بالفخار تستخدم كمجار لتصريف المياه الجوفية وتقع نقطة الطوفان في وسط المسافة ما بين الزقورة وبيت إبراهيم من الجهة الخارجية القريبة من قاعدة الأمام علي الحوية التي صارت قاعدة لطيران التحالف بعد 9 نيسان الماضي.
على مقربة من ملوك سومر تقف الدبابات الإيطالية التي جاءت لإسقاط أحد أباطرة العراق الذي استعار من السومريين جبروتهم واستبدادهم وطغيانهم لكنه لم يأخذ منهم الحكمة والعدل.
ربما تشكل مدينة اور فيما تضمه من متناقضات حالة فريدة من نوعها تستدعي ان يقف العالم مسحورا أمامها.. فهنا بيت نبي.. وهناك قبور أباطرة وملوك.. والى جانبها أول محكمة عرفها التاريخ يما يعنيه من دلالات كبيرة تؤكد ان العراقيين كانوا أول شعب عرف القضاء ونعامل مع العقوبة والجزاء العادل.. وعلى مسافة ليست ببعيدة تجثم دبابات الطليان التي جاءت (لتحرر) الشعب الذي صنع كل تلك الآثار من العبودية والجوع والجهل وتمحو أميته الحضارية بعد ان كان معلمها الاول.
|