* فلسطين المحتلة - بلال أبو دقة:
يقف الفلسطينيون اليوم حائرين أمام الجدار العنصري الذي يقيمه رئيس الحكومة الإسرائيلي، أريئيل شارون، على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يزيد من معاناتهم اليومية، إضافة إلى جملة الأبعاد السياسية، التعليمية، الاقتصادية، والديموغرافية لهذا الجدار..
ويبدو الفلسطيني كأسير في سجن مفتاحه في يد جندي إسرائيلي، يقيم على بوابة حديدية يقفلها وقتما شاء..
وعلى الرغم من أن الفلسطينيين تعودوا طوال سنوات الانتفاضة الثلاث على التأقلم مع الحواجز والمعابر، التي انتشرت بشكل سرطاني في كل المناطق الفلسطينية، ونجحوا في التخفيف من أثارها على كافة الأصعدة، إلا أن الجدار الفاصل يشكل تحدياً من نوع أخر، يفوق بكثير تحدي الحواجز، حيث يعزل الجدار المناطق الواقعة خلفه عن محيطها، ويجعلها زنازين مفتوحة لآلاف الفلسطينيين، أطباء وممرضين ، مرضى، عمال، وطلاب، ومزارعين..
الجزيرة تعرض لقرائها ملفا تفصيليا عن آثار الجدار التدميرية على حياة الفلسطينيين، في يوم الغضب، (الاثنين)، الذي جعله الفلسطينيون يوما وطنيا لمواجهة الجدار العنصري..
مخطط الجدار العنصري، هو محاولة جديدة لتهجير الفلسطينيين، وإجبارهم على ترك أراضيهم وبيوتهم..
وينظر أهالي القرى الفلسطينية، التي نهبت أراضيها لصالح إقامة الجدار، إلى مخطط جدار الضم والفصل العنصري، بأنه محاولة جديدة لتهجيرهم وإجبارهم على ترك أراضيهم وبيوتهم، من خلال زجهم في سجن كبير، يفصل الأهالي عن مصادر رزقهم، وأماكن عملهم ومؤسساتهم التعليمية والخدماتية..
ولعل قرية قطنة شمال غربي مدينة القدس المحتلة، خير شاهد ودليل، فهذه العائلات الفلسطينية الست (جمال أحمد يوسف الفقيه، ومحمد أحمد الفقيه، وجعفر أحمد يوسف، ويوسف أحمد الفقيه، وموسى أحمد الفقيه، وياسر حسين حماد)، والتي أبلغتها قوات الاحتلال نيتها هدم منازلها الحاصلة على ترخيص رسمي للبناء، بغية إقامة هذا المخطط التوسعي، تمثل حقيقة المأساة الإنسانية التي سيعيشها مئات المواطنين الفلسطينيين في كافة القرى والبلدات الفلسطينية المتاخمة لجدار الفصل العنصري..
قرية قطنةهذه: سيسلب جدار الضم والفصل العنصري أكثر من (900 دونم) من أراضيها، معظمها من الأراضي الزراعية والمخصصة للبناء، مما يحد من أي تطور أو توسع طبيعي في حدود القرية، وسيحاصرها من جميع الجهات بالكامل، باستثناء الجهة الشرقية،مما سيؤدي إلى تدمير حياة المدنيين وحرمانهم من استصلاح معظم أراضيهم الزراعية، التي هي بالأساس مصدر رزقهم، بعد عدم تمكن العمال من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر (اسرائيل)..
ويقول المواطنون الفلسطينيون في قرية قطنة وفي القرى المجاورة لها للجزيرة : تقترب يوميا حدود المستوطنات اليهودية الكبيرة من قراهم وبلداتهم، هذه المناطق المنوي ضمها إلى ما تسمى ب(حدود القدس الكبرى)، والتي تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلية إلى تهجير أكثر من سبعة آلاف مواطن فلسطيني منها بإقامة الجدار..
وقال بيان صادر عن اللجنة الشعبية لمواجهة جدار الفصل العنصري في مدينة القدس المحتلة، تلقت الجزيرة نسخة منه : إن المسيرات ستنطلق إلى مواقع بناء الجدار،هذا الجدار يبدو في أبشع صوره الاحتلالية والاستيطانية، لأنه لا يكتفي بنهب الأراضي وخنق السكان وانتهاك أبسط حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، بل لأنه يهدف إلى عزل هذه المنطقة عن القدس وسلخ المدينة المقدسة عن جسمها الفلسطيني تمهيدا لضمها وتهويدها..
الورود والطلاء الأبيض، هل يخفيان قبح الجدار..
وعلى الصعيد الميداني أيضا، مع تواصل أعمال بناء الجدار الفاصل بما يمثله من ممارسات عنصرية يبدو قبحها للعيان بالنظر إلى الجدار، تسعى دولة الاحتلال لإضفاء الطابع الإنساني وإخفاء الوجه القبيح عن تلك السياسة..
يقول مواطنون فلسطينيون من مدينة طولكرم الفلسطينية للجزيرة: إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، قامت بإنشاء منطقة حرجية على امتداد الجانب الغربي للجدار الفاصل المحيط بمدينتهم،فعندما ينظر المواطنون الفلسطينيون في طولكرم غربا فان بصرهم يرتد عن سور قبيح ارتفاعه (ثمانية أمتار)، هذا السور لا يراه المحتلون في الجانب الغربي من الجدار، لان سلطات الاحتلال زرعت الورود والغابات بعمق مئات الأمتار غرب مدينة طولكرم..
وفي هذا السياق قالت، وسائل الإعلام الاسرائيلية، نقلا عن خبراء الإعلام في وزارة الخارجية الاسرائيلية : أنهم ينظمون حملات رامية لما وصفوه بتجميل الجدار العنصري، مقترحين طلاءه بألوان زاهية تجعل له جوانب ادعوا أنها جمالية وتحد من وطأة الضرر الإعلامي المترتب عليه..!!
وذكرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية في تقرير لها: أن جهاز الأمن الإسرائيلي يطالب بزيادة الميزانية العامة المخصصة للجدار بمئات ملايين الشواقل، لتلبية احتياجات إنسانية، من مفاهيم الرحمة والإنسانية، التي يجب أن تصبغ الجدار الفاصل، للتخفيف مما يتركه شكله من آثار نفسية قاتمة على المواطنين الفلسطينيين، الذين يشعرون انهم يعيشون جميعا داخل سجن كبير..!
يشار إلى أن أهالي قرية (نزلة عيسى)، الواقعة شمال مدينة طولكرم، يعيشون حالةً من الترقب والقلق على مصير أراضيهم الزراعية، التي عزلها الجدار العنصري، حوالي (900 دونم) من أراضيها، مزروعة بأشجار الزيتون المثمرة..
ويقول المزارعون هناك : إن سلطات الاحتلال أنهت العمل في إقامة الجدار، وعزلت معنا تبقى من أراضي البلدة ما بين الخط الأخضر (اسرائيل)، وجدار الفصل العنصري الجديد، دون إقامة أي مدخل أو بوابة تمكننا من الوصول إلى أراضينا..مضيفين : إن بلدتهم محاطة من جهاتها الأربع بالأسلاك الشائكة وتم تحويلها إلى سجن كبير..وقد تعمدت سلطات الاحتلال منعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية خلف الجدار، في خطوة منها للاستيلاء عليها، خاصة وأنها لم تترك أي مدخل إلى هذه الأراضي، التي تحتاج إلى الري والتقليم والرش بالمبيدات،وباتت عملية وصول الأراضي الزراعية مستحيلة..
ويؤكد المواطنون هناك للجزيرة على أن الهدف من هذه الإجراءات العسكرية الاسرائيلية، هو دفع المزارعين والأهالي إلى ترك أراضيهم ومنازلهم لمصادرتها وضمها للدولة العبرية..
صورة قاتمة للحياة الاقتصادية الفلسطينية، اكتمال إقامة الجدار سيرفع عدد العاطلين عن العمل،إلى ما يقارب (415 ألف)..
وفي هذا السياق، قال الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، شاهر سعد للجزيرة : إن الجدار الفاصل سيدمر حياة المواطنين الفلسطينيين في كافة مناحي الحياة، مؤكدا : أن أكثر الشرائح والطبقات المتضررة من إقامته، هي طبقة العمال الكادحين..مضيفا: إن اكتمال بناء الجهة الشرقية من الجدار سيحول الضفة الغربية إلى معتقل كبير يضم سجونا أصغر، هي المدن الفلسطينية التي ستحاصر ضمن نظام الجيتوهات..
وأشار الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين : إلى أن تزامن إقامة الجدار مع حملة دولية لتقليل المساعدات المقدمة إلى الفلسطينيين ينذر بكارثة اقتصادية حقيقية، بدأ الشعب الفلسطيني يعيشها، معربا عن توقعه بتراجع حجم المساعدات إلى اقل من 60 بالمائة، خلال هذا العام، مقارنة مع ما كانت عليه خلال الأعوام الأربعة الماضية، مستشهدا على ذلك بعدم تلقي اتحاد نقابات العمال لأي وحدة غذائية لصرفها كمساعدات للعمال خلال العام الحالي والعام الماضي، مقابل (300 ألف وحدة غذائية) صرفت للعمال عن طريق الاتحاد في العام 2002، إضافة إلى عدم توفير البنك الدولي أي فرصة عمل للعمال الفلسطينيين خلال العام 2003، مقابل توفيره (10 آلاف فرصة) عمل عام 2002، مؤكدا عدم وجود خطط أو برامج تشغيلية خلال العام الحالي..
وحول الآثار المباشرة المترتبة عن إقامة الجدار على الحياة الفلسطينية، قال سعد: إن هناك (350 ألف فلسطيني)، سيتأثرون بصورة مباشرة بإقامة الجدار،مضيفا: إن اكتمال إقامة الجدار سيرفع هذا العدد إلى ما يقارب (415 ألف عاطل عن العمل)، موضحا : سابقا كان هناك (55 ألف عامل)، يعملون بصورة غير منظمة ودون الحصول على التصاريح لدخول الخط الأخضر (اسرائيل)، بالإضافة (150 ألف عامل) آخرين يعملون بالتصاريح ، ويستفيد من تقديم الخدمات لهم قرابة (33 ألف مواطن فلسطيني)، هذا العدد انخفض الآن إلى أقل من (10 آلاف عامل)، وتحول المواطنون الذين يعتاشون على تقديم الخدمات لهم إلى عاطلين عن العمل..
وحول التراجع الكبير في تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية نتيجة إقامة الجدار، قال سعد: إن إحصائيات الاتحاد تؤكد أن عدد العاملين داخل الخط الأخضر (اسرائيل) من قطاع غزة قد انخفض من (55 ألفا) إلى (8 آلاف) بصورة متذبذبة، وإلى أقل من (3000 عامل) في الضفة الغربية في هذه الأيام، مؤكدا ل الجزيرة: أن هذا الأمر قد انعكس بصورة قاتمة على الحياة الاقتصادية الفلسطينية، حيث يشكل العمال (70 %) من الشعب الفلسطيني، ويعتبرون أكبر طبقة فيه وأهم مصدر للدخل القومي والإنتاج المحلي، وهو ما ترك التأثير السلبي على شتى النشاطات الاقتصادية الفلسطينية وأصاب السوق المحلي بانتكاسة تجارية.
ووصف الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين الحالة الاقتصادية التي تعيشها بعض المناطق الفلسطينية مثل مدينة قلقيلية، بالأكثر تضررا والأسوأ على الإطلاق، بسبب هجرة عدد كبير من العائلات اليها، بسبب عمل أرباب الأسر داخل الخط الأخضر، (اسرائيل)، قائلا : إن هناك أكثر من (250 عائلة فلسطينية) سكنت المدينة بعد أن اضطرت للرحيل من قطاع غزة بعد إحاطته بالجدار الفاصل، وأشار سعد بقوله : إن الأمر لا يقتصر على المواطنين بل تعداه إلى المؤسسات التي انتقل الكثير منها إلى القرى المجاورة للمدينة نتيجة إغلاقها بصورة كاملة..
من ناحيته قال المهندس سامي داود، مدير مكتب مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين ب مدينة نابلس للجزيرة : إن الجدار الفاصل العنصري دمر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الفلسطينية تصل مساحتها إلى (100 ألف دونم زراعي)، في مدن جنين وقلقيلية وطولكرم..مستندا إلى تقرير صادر عن البنك الدولي أشار : إلى أن الأرض التي عزلها الجدار يمثل إنتاجها (45 %) من إنتاج الضفة الغربية الزراعي..
وأشار المهندس سامي داود إلى أن الجزء الغربي من الجدار، والذي يبلغ طوله (35 كم) قد دمر (24 ألف دونم زراعي)، وعزل ما يقارب (9000 دونم) من أخصب أراضي قرية (جيوس)، عدا عن ملاحقته للحدود الهيكلية للقرى والتجمعات الفلسطينية، وكونه أصبح ملتصقا بمنازل المواطنين فيها، متسببا بكارثة اجتماعية للعديد من المواطنين عبر إغلاق البوابات على القرى الفلسطينية، ليترك المواطنين الفلسطينيين في سجون ومعازل..مشيرا إلى أن الجدار يقف حائلا دون تسويق المنتجات الزراعية، وهو ما تسبب بأزمة اقتصادية خانقة للمجتمع الزراعي الفلسطيني.
الجدار يحجب شمس التعليم عن الفلسطينيين
لقد تحولت المعركة التي لم يجد الفلسطينيون بُدا من خوضها، إلى ملحمة حياة أو موت، عندما تمس بمستقبل أبنائهم، وحقهم في التعليم..
يقف الفلسطينيون اليوم حائرين أمام الجدار العنصري الذي يقيمه رئيس الحكومة الإسرائيلي، أريئيل شارون، على الأراضي الفلسطينية، والذي يزيد من معاناتهم اليومية، إضافة إلى جملة الأبعاد السياسية، التعليمية، الاقتصادية، والديموغرافية لهذا الجدار..
ويبدو الفلسطيني كأسير في سجن مفتاحه في يد جندي على بوابة حديدية يقفلها وقتما شاء، الطالب أشرف (16 عاما) من قرية (نزلة عيسى) شمالي مدينة طولكرم أرسل بصره خلف الجدار الفاصل المحاذي لشرفة منزل أسرته لينظر إلى مدرسته الواقعة على الجانب الأخر، هناك كان يتلقى دروسه حتى العام السابق، لكنه اليوم لا يستطيع الوصول للمدرسة بعد أن حاصره الجدار مع العشرات من أبناء قريته، وحرمهم من الذهاب للمدرسة الثانوية الوحيدة في المنطقة..
وتقول وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية في بيان لها تلقت الجزيرة نسخة منه: إن حوالي (7500 طالب وطالبة) يعانون الآن من صعوبة الوصول لمدارسهم بسبب الجدار الفاصل في محافظات طولكرم وقلقيلية وجنين فقط، وهي المحافظات التي نفذت إسرائيل فيها جزءاً كبيراً من الجدار الفاصل، وتتوقع الوزارة أن تتضاعف هذه النسبة مع اكتمال بناء الجدار..
وفي نفس السياق يواجه التعليم الفلسطيني مشكلة أخرى بسبب الجدار لا تقل أهمية وهي منع عدد من المعلمين من الانتقال من وإلى التجمعات السكنية المعزولة خلف الجدار، ففي مدينة طولكرم بمفردها يوجد (150 مدرساً) يجدون صعوبة في الوصول لأماكن عملهم، مما يضع وزارة التعليم الفلسطينية أمام تحد غاية في الصعوبة، فهي من جهة مطالبة بتوفير مدرسين للمدارس الموجودة خلف الجدار بأي وسيلة كانت، ومن جهة أخرى تواجه مشكلة أصعب بالنسبة للقرى و التجمعات السكانية التي لا يوجد بها أي مدارس، وبالتالي هناك حاجة ماسة لإيجاد حل عاجل.
وفي هذا السياق قال معلم فلسطيني يعمل في مدرسة ابتدائية تقع في قرية (أم الريحان)، قرب مدينة جنين للجزيرة: الرحلة إلى المدرسة التي اعمل بها أصبحت تستغرق أكثر من ثلاث ساعات يوميا، جزء كبير منها اقضيه في إجراءات التفتيش ، والتأكد من أنني اعمل مدرساً على البوابة الحديدية المقامة على الجدار، والتي تسمح بالمرور للقرية، فالجنود لا يسمحون لغير أهالي القرية بالمرور عبرها، وعندما أصل للمدرسة أكون قد أنهكت تماما ولا أستطيع أن أقوم بدوري كمعلم بالشكل المطلوب..مؤكدا على أن سلطات الاحتلال تتعمد تعطيل العملية التعليمية، لأنها تريد جيلاً من الفلسطينيين غير متعلمين، بحيث يمكن السيطرة عليهم، وتسخيرهم كعمال لخدمة مصالحها، وللعمل في الأشغال التي يعف عنها الإسرائيليين..
وفي بلدة (أبو ديس) الفلسطينية القريبة من مدينة القدس المحتلة، تعود مئات الطلاب على تسلق المكعبات الأسمنتية التي ترتفع لأكثر من مترين وتفصل البلدة عن مدينة القدس، ورغم ذلك فإن رحلة الوصول للمدرسة لم تكن تتجاوز عشر دقائق، لكن في الفترة الأخيرة شرعت سلطات الاحتلال في بناء جدار بارتفاع ثمانية أمتار، مما يجعل وصول الطلاب لمدارسهم التي لا تبعد سوى مئات الأمتار أمرا مستحيلا..
ويقول المواطن الفلسطيني، أبو محمد (40 عاما)، الأب لأربعة أطفال من سكان بلدة أبو ديس للجزيرة :إنه اضطر لاستئجار سيارة خاصة لنقل أطفاله الأربعة إلى مدارسهم عبر طريق يمر بمستوطنة (معاليه أدوميم اليهودية)، على الرغم من وضعه المالي السيئ، مؤكدا أنه على استعداد لبيع أثاث منزله حتى يكمل أبناؤه تعليمهم..
وهكذا تتحول معركة الجدار التي لم يجد الفلسطينيون بُدا من خوضها، بكل ما يملكون من قوة إلى ملحمة حياة أو موت، وبخاصة عندما تمس بمستقبل أبنائهم، وحقهم في التعليم و المعرفة الذي يعتبره المجتمع الفلسطيني أقصر الطرق إلى بناء دولتهم المنتظرة..
وفي دراسة أصدرها معهد الإعلام والسياسات الصحية الفلسطينية وصلت نسخة من نتائجها لمكتب الجزيرة، جاء فيها: إن الجدار الفاصل سيتسبب في تدمير الجهاز الصحي الفلسطيني بشكل كامل، في حال الانتهاء من بنائه..نظرا لتركز الخدمات الطبية في المدن والتجمعات السكنية الكبيرة..
وأضافت الدراسة : أن (20 %) من الأطفال الفلسطينيين يتوفون بسبب الجدار الفاصل والحواجز المتنشرة في أنحاء الضفة الغربية..
وفي هذا السياق، قالت الباحثة الفلسطينية، (جوان جبران)، التي تعمل منسقة بحث تأثيرات الجدار الفاصل على الصحة في فلسطين المحتلة، والمسئولة عن إعداد الدراسة : إن (40 %) من التجمعات الفلسطينية تتأثر بالجدار الفاصل..
مشيرة إلى أن الدراسة أحصت وفاة (55 امرأة على الحواجز) خلال سنوات الانتفاضة الثلاث الماضية، وأن الجدار سيعزل (22 تجمعاً فلسطينياً صغيراً) في المرحلة القادمة..
وأوضحت الباحثة الفلسطينية أن (50 %) من العيادات الصحية الأولية سيتم عزلها، وستواجه صعوبات في تقديم الخدمات لجمهور المرضى، ويبلغ عددها (46 عيادة) عزلت لغاية الآن..
ولخصت الباحثة آثار جدار العنصري في فلسطيني بعدة نقاط أهمها : أنه سيؤدي إلى إفقار الفلسطينيين، وستزداد أعداد الذين يعانون من سوء التغذية، كما أن هذا الجدار يخلق ضغطا نفسيا كبيرا على المواطنين..كما أن حواجز الاحتلال والجدار تدمران الجهاز الصحي الفلسطيني بشكل كامل، ناهيك عن أن الخدمات الطبية المقدمة في غرب الضفة الغربية ستتقلص بسببه..كما أن هذا الجدار سيعيق الأطباء القاطنين في القرى غربي الجدار من الوصول إلى العيادات الطبية والمستشفيات، ويعيق سيارات الإسعاف في التنقل، كما يعيق المرضى الذين بحاجة إلى رعاية طبية دورية من الوصول إليها، ويعيق حركة النساء الحوامل والمريضات اللواتي وضع عدد كبير منهن أطفالهن على الحواجز وفي البيوت، مما يعرض حياتهن للخطر وأيضا حياة الأجنة في فلسطين المحتلة..
من ناحيته، قال د. مصطفى البرغوثي مدير معهد الإعلام للسياسات الصحية الفلسطينية ل الجزيرة : إن أكثر من (177 ألف فلسطيني)، سيعزلون عند انتهاء المرحلة الثانية من الجدار الفاصل في المنطقة الغربية بين الجدار الفاصل والخط الأخضر (اسرائيل).. مضيفا : أن (92 %) من المرضى القاطنين غرب الجدار، واجهوا صعوبات في الوصول إلى الخدمات الصحية، حتى أن بعضهم توفوا على هذه البوابات، بعد منعهم من الوصول إلى المستشفيات، كما حدث عند بوابة قرية (دير بلوط) حيث توفيت طفلتان بعد أن وضعتهما والدتاهما على الحاجز..
وأشار البرغوثي، الذي يشغل أيضا سكرتير المبادرة الوطنية : إلى منع سيارات الإسعاف من المرور عند الحواجز المنتشرة في أنحاء الضفة وقطاع غزة، مشيرا إلى أن إعاقة هذه السيارات من المرور أيضا سبب معاناة كبيرة للأطقم الطبية والمرضى..مما يفاقم من المعاناة التي يواجهها المواطنون الفلسطينيون، الذين يعانون من الأمراض المزمنة كأمراض السكري والسرطان وضغط الدم والكلى التي تحتاج إلى علاج دوري في المستشفيات،والتي يحول الجدار دون تمكنهم من الوصول إليها..
وأكد البرغوثي للجزيرة : أن الحل الجذري لهذا الوضع الصحي المتدهور في الأراضي الفلسطينية، هو وقف وهدم بناء الجدار الفاصل الذي قطع أوصال القرى والمدن الفلسطينية، مشيرا إلى استحالة بناء نظام صحي يتعايش مع الجدار، حتى لو توفرت ميزانيات كبيرة لأنه لا يمكن بناء مستشفى في كل قرية..
من شأن الجدار أن يضم داخله أكثر من (50 مستوطنة)،خلافا للقانون الدولي..
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أعلنت مؤخرا أن الجدار الفاصل الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية، بشكله الحالي، يُعد انتهاكًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان..
وقالت في بيان لها، صدر عن مقرها في جنيف : إن الجدار الفاصل في الضفة الغربية، بمساره الحالي، الذي يبتعد عن الخط الأخضر، ويدخل في الأراضي المحتلة، يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان..
وطالبت المنظمة الدولية حكومة إسرائيل بعدم التخطيط أو بناء جدار في الأراضي المحتلة..حيث إن الجدار يمنع آلاف الفلسطينيين من الحصول على الخدمات الأساسية كالمياه، الخدمات الصحية والتعليم..مضيفة : من الواضح أن الجدار مخالف لالتزام إسرائيل بتأمين حياة المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال..
من ناحيتها أدانت منظمة العفو الدولية، (أمنستي)، في بيان لها، بناء جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، قائلة: إن جدار الفصل مناف للقانون الدولي ويشكل تعديا على حقوق الإنسان،وإن الجدار الفاصل هو انتهاك للقانون الدولي،ويساهم في سلسلة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وعليه فمن الجدير بمحكمة العدل الدولية أن تبت في الموضوع..
وجاء في بيان منظمة العفو الدولية، (أمنستي)، أيضا، أن نحو (90 %) من الجدار يتم بناؤه على أراض فلسطينية، وبضمن ذلك قرى ومدن فلسطينية..
وقال بيان المنظمة إن الجدار يعزل جماعات وأسراً بأكملها بعضها عن بعض، إن لبناء الجدار داخل الأراضي المحتلة تأثيراً سلبياً على مئات آلاف الفلسطينيين..
وتشير (أمنستي) في بيانها، إلى أن الجدار يحرم الفلسطينيين من الحصول على خدمات أساسية، كخدمات الصحة والغذاء، والمدارس، وأماكن العمل..
وقالت : كل خطوة تقوم إسرائيل بتطبيقها في المناطق المحتلة يجب أن تتفق مع القانون الدولي..مضيفة : إن الاحتياجات الشرعية (لدولة إسرائيل) بحدود آمنة ومنع وصول أشخاص من شأنهم أن يهددوا أمنها، لا تبرر بناء جدار في المناطق المحتلة..يمكن بناء جدار على امتداد الخط الأخضر، فقط، داخل الأراضي الإسرائيلية..
وتشير (أمنستي) في بيانها إلى أن من شأن الجدار أن يضم داخله أكثر من (50 مستوطنة) يعيش فيها مستوطنون إسرائيليون خلافا للقانون الدولي..لا يمكن لمبررات الأمن وفقا للقانون الدولي أن تبرر وسائل تمنح امتيازات لمستوطنين إسرائيليين خارجين على القانون، على حساب السكان الفلسطينيين.. وناشد رجال منظمة العفو الدولية، أمنستي، المجتمع الدولي العمل على ضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها وفقا لمعاهدة جنيف الرابعة..
السلطة الفلسطينية : لدينا الأوراق والحجج القوية،وقضية اسرائيل خاسرة..
وفي هذا السياق، قلل رئيس الوزراء الفلسطيني، أحمد قريع، (أبو علاء) من أهمية الخطط الإسرائيلية لإزالة جزء من الجدار العنصري قرب قريتين فلسطينيتين في شمال الضفة الغربية..قائلا، للصحافيين : كل هذه إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب..قاموا ببنائه، وهم يهدمونه الآن، ونحن لا نقر بهذا الجدار على الإطلاق، إنه مرفوض قطعيا ويجب أن يزال، كاملا..
|