زوجتي الحبيبة ن.ح.م.
تحياتي.
وبعد: لا أدري لماذا أمسك باليراع بين أناملي لأسطر هذه الرسالة لانسانة ليس بيني وبينها حجاب! فلماذا أنا منساق الى الكتابة ثم للدفع بها للنشر ومن الممكن أن أفضي اليك بكل ما فيها مشافهة؟! ربما اختصاراً للوقت وربما لأن المكتوب أثبت من المسموع ويمكن الرجوع اليه من وقت لآخر للذكرى وكبح جماح النفس اذا طغى. أما النشر فلأن لها صفة العمومية وان تراءت فيها الخصوصية.
فاليك إياها وأملي أن تعيها وإن كنت أعلم مسبقاً انني كمستبضع التمر الى أهل خيبر فأنت تفهمين ما فيها وما لم يكن فيها وأنا أعلم ذلك ولكن (قال أو لم تؤمن قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي) فأنت أيها الحرم المصون تعلمين أن الحياة الزوجية مشاركة بين اثنين تعاهدا على الوفاء والمحبة وارساء دعائم حياتهما بعيدة عن العواصف والأرزاء.
فالحياة الزوجية أيتها العزيزة مشاطرة بين انسان عاقل حصيف وامرأة متزنة حكيمة يديران دفة سفينتهما ويحافظان عليها من اختلال التوازن الذي هو مقدمة الغرق.
فالتفاني الى أقصى حدوده شيء بدهي لبناء عش سعيد تظلله السعادة ويرفرف عليه الهناء وتبعد عن أجوائه السحب القاتمة المظلمة التي تكدر الصفو وتعكر الحياة.
فإذا رأيت بيوتاً قد تهدمت وأسراً قد تشتت شملها بعد التئام فابحثي عن الأسباب تجديها عدم تقدير للمسؤولية ان لم يكن من جانب واحد فمن كلا الجانبين وهذه قاصمة الظهر.
وقد تعجب الشاعر ممن يريد أن يبني بناء لم تصح العزيمة من جميع الشركاء فيه على اتمامه فأحد الشركاء يبني والآخر يهدم:
ومتى يبلغ البنيان يوما تمامه
اذا كنت تعليه وغيرك يهدم |
وهذا يصح على أي عمل في الحياة لا يتوفر الاخلاص والعمل المتقن المتئد على اتمامه من جميع المعنيين به فأحد الشركاء يبني والآخر يهدم ما بنى الأول ويأتي عليه من القواعد بالزلزلة والخراب.
والحياة الزوجية يا عزيزتي شراكة بين اثنين مؤبدة الحكم من الاساس لا يفصمها إلا الفراق الأبدي لاحدهما وإلا فاصل مرعب هو أبغض الحلال الى الله عندما تتأزم الأمور وتستحيل الحياة.
المهم في الأمر ان الزوجة تستطيع أن تجعل من بيتها جنة وتستطيع ان توقده جحيماً تصطلي هي ومن به ويكتوون بناره. تستطيع أن تبني وتستطيع أن تهدم ومسؤوليتها ودورها كبير وخطير وقد قيل: ان المرأة التي تهز المهد بشمالها تهز العالم بيمينها وهذا اذا كانت جاهلة فكيف بها اذا كانت متعلمة؟! أكاد أقول تهز العالم بأنملة من أناملها. ولكن متى؟!
عندما تنتفع وتعمل بما تعلم ولا تتخذ منه سلماً الى التدحرج والانزلاق فالمرأة مهما تعلمت هي امرأة ولها وظيفة في الحياة يجب أن تعرفها جيداً ولا تغالط نفسها فتوردها المغالطة الورد الذي هو خاسر.
الأم مدرسة اذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق |
فعليها أن تتخذ من تعليمها نبراساً يضيئ لها مسالك الحياة وعتمة الدروب، لأن الرجل ينشد في المرأة أموراً يغالي فيها وقد تتراءى له كسراب بقيعة عندما يصطدم بالواقع ويجد آماله تتبدد بعد أن عاش بها زمناً رغداً.
الرجل يا عزيزتي: ينشد في المرأة العطف والرقة والحنان وأن تكون الروضة الوارفة الظلال الندية الأفياء التي يتفيأ ظلالها من مرور الحياة ولأوائها ينشد فيها أن تعامله كما تعامل طفلها المدلل عندما يجرفها تيار الأمومة الصادق فتندفع اليه بكل حواسها وخلجاتها وعواطفها وآمالها.
ينشد فيها أن تحفظه في ماله ونفسه وولده وتحفظ نفسها له فالرباط المقدس معناه نذر كل من الجانبين حياته للآخر في اخلاص منقطع النظير وحب مدله. وقبل هذا وبعده ينشد فيها الحياء فالحياء هو سياج المرأة هو زينتها الذي تتقاصر دونه كل زينة. وليس المهم في المرأة أن تكون أجمل النساء طرا فلا ينشد ذلك وحده إلا طائش مئق لا يحسب لرجله قبل الخطو موضعها وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الحسناوات فقال:
(احذروا خضراء الدمن قالوا ومن هي يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنيت السوء).
إن الحياة الزوجية مسؤولية كبرى لا يقدم عليها من كلا الجانبين إلا من أعد نفسه لها وإلا فقد ظلم نفسه وظلم غيره وشقي وأشقى. ورب عيش أخف منه الحمام.
ولقد قرأنا وسمعنا الكثير الكثير عن أزواج هربوا من جحيم زوجاتهم ووجدوا في بعض المنتديات بعض ما يخفف بلواهم.
ومعظم النار من مستصغر الشرر فخطأ طفيف قد يشعل حريقاً يعز اطفاؤه إذا لم تبادر الزوجة بكل وسائلها وما عندها الى الاعتذار عنه بوقته حتى تستل جميع ما تجدد في قلب زوجها من آثاره قبل أن يتسع الخرق على الراقع ولا يكون مكاناً لرأب الصدع والرتق على شرط ألا يتكرر الخطأ ومن ثم الاعتذار فإن هذا ضرب من العبث من المستحيل قبوله بكل وقت.
فالتسامح والصراحة والمفاهمة من مقومات الحياة الزوجية السعيدة وكذلك خزن الحديث والأمور الداخلية وقد أثنى جرير على زوجته عندما بكاها بدمع غزيز فقال:
كانت اذا هجر الحليل فراشها
خزن الحديث وعفة الاسرار |
فاذا عرف كلا الزوجين دوره وقدر ظروف الآخر واحترم مشاعره وتبادلا الشعور وقال (كل منهما للآخر يا أنا) - مع المعذرة للرافعي - مشت حياتهما سعيدة تتحدى الصعاب وتهزأ بالعقبات.
كما أن دور زوجة الأديب والشاعر الكبير أكبر بمراحل من دور زوجة الرجل العامي والدهماء من الناس لأن الأديب له رسالة في الحياة أعطاها نفسه وضحى بكل ما يستطيع وما يملك في سبيل أدائها فهو يبحث عن امرأة تدفعه للنجاح فيها لا امرأة تصده عن أدائها فإن حاولت حواء صده نبذها كما ينبذ النواة غير آسف عليها. فهو يبحث عن المرأة التي تهيئ له المكان المناسب في الزمن المناسب للاطلاع والانتاج اضافة الى أداء عمله الرسمي والاخلاص له. وقد قالوا:
وراء كل عظيم امرأة عظيمة وهذا له من الصحة نصيب ومن الواقع شواهد وان كان تعميمه من الخطأ بمكان فمعظم العظماء لم تختبئ وراءهم أية امرأة بل هربوا من الاقتران بالمرأة فرار السليم من المجذوم. فمن هي العظيمة التي كانت وراء المعري؟ ومن هي التي كانت وراء العقاد؟ ومن التي كانت وراء شاعر النيل وقد بت حباله من حبال امرأة اقترن بها بعد أربعة اشهر ولم (يطب) مرة أخرى؟!
عزيزتي. ن. لقد استرسلت وعندي ما يملأ صفحات وصفحات ولم آت بشيء تجهلينه وما من أربى أن أوضح كل خفية تهم الأزواج ويمكنها أن تنفعنا إنما هي خطرات للذكرى أبت إلا أن يسطرها يراع محبك لمن كان يبحث عنها وقد عثر عليها فأيقن أنه قد عثر على كنز ثمين فهل تثبت الأيام ذلك؟!
أملي ذلك ودعاء من الأعماق من الله بالتوفيق, واسلمي عزيزتي. ن. لزوجك الوفي.
|