(11) خاتَم النُّبوَّة: جاء في صِفَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: بين كَتفَيهِ خاتَمُ النُّبوَّة.
قال جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه: (مِثل بَيضةِ الحَمامةِ يُشبهُ جَسَدَه).
وقال السائب بن يزيد رضي الله عنه: (مِثل زِرِّ الحَجَلَةِ).
وقال عبدالله بن سَرْجِس رضي الله عنه: (عليهِ خيلانٌ كَأمثالِ الثآليل).
وخاتَم النُّبوَّة من علامات الرسول صلى الله عليه وسلم التي كان أهل الكتاب يَعرِفونهُ بها، ومن الشواهد على ذلك قصة إسلام سلمان الفارسيّ رضي الله عنه، وخَبَر بُحَيرى الراهب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في زيارته في صِغرِه إلى الشام مع عَمِّهِ أبي طالب.
واختُلِفَ في صفة خاتَم النُّبوَّة على أقوالٍ كثيرةٍ متقاربة المعنى، وخيرُ استيعابٍ لذلك عند الإمام محمد بن يوسف الصالحيّ الشاميّ (ت942هـ) في (السِّيرة الشاميّة)، حيثُ ذكرَ الخلاف في موضع خاتَم النُّبوَّة من جسدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أهو بين الكتفين، أم في أحدهما؟ والخلاف في حجمه، وهل وُلِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والخاتَم به أم لا؟ وهل هو من خصائص النُّبوَّة؟ وغير ذلك مِمّا يَتعلّق بالخاتَم.
وعَدّدَ-رحمهُ الله - مختلَف الرِّوايات في صفةِ الخاتَم على إحدى وعشرينَ وَصفًا، ومنها: أنهُ مثل زِرّ الحَجَلَة، وكبيضةِ الحمامة، وشَعر مُجتَمِع، وكالسِّلْعَة، وبَضْعَة ناشِزَة، وكالبُنْدُقَة، وكالتفّاحة، وكأثر المِحْجَم، وكَرُكْبَة عَنْز.. إلخ، وبَيّنَ - رحمهُ الله - الصحيح والضعيف من تلك الرِّوايات، وقال: (قال العلماء: هذه الرِّوايات متقاربة في المعنى، وليس ذلك باختلافٍ، بل كلّ راوٍ شَبّهَ بما نسخ له، فواحد قال: كَزِرِّ الحَجَلَة، وهو بيضُ الطائرِ المعروف أو زِرار البشخاناه، وآخر: كبيضةِ الحمامة، وآخر: كالتفّاحة، وآخر: بَضْعَة لَحمٍ ناشِزَة، وآخر: لَحمَة ناتئة، وآخر: كالمِحْجَمَة، وآخر: كَرُكْبَة العَنْز.. وكلّها ألفاظ مؤداها واحد وهو قطعةُ لَحم.. ومَن قال: شَعر؛ فلأن الشَّعر حوله متراكب عليه).
وروى الحاكم في (المستدرك) عن وهب بن مُنبِّه قال: (كان هارون بن عمران فصيح اللسان بَيِّن المنطق يتكلّم في تؤدة ويقول بعلم وحلم، وكان أطول من موسى طولاً، وأكبرهما في السِّن، وكان أكثرهما لحمًا، وأبيضهما جسمًا، وأعظمهما ألواحًا.. وكان موسى رجلاً جعداً آدم طوالاً كأنه من رجال شنوءة.
ولم يَبعث الله نبيًّا إلاّ وقد كانت عليه شامة النُّبوَّة في يده اليمنى، إلاّ أنْ يكون نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، فإن شامة النُّبوَّة كانت بين كتفيه، وقد سُئل نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلّم عن ذلك؟ فقال: هذه الشامة التي بين كتفيّ شامة الأنبياء قبلي؛ لأنه لا نبيّ بعدي ولا رسول).
وقال أبو حاتِم محمد بن حِبّان بن أحمد البُسْتي في كتاب (التقاسيم والأنواع): (أخبَرَنا نَصرُ بن الفتحِ بن سالمٍ المرَبَّعيُّ العابد بسَمَرقَندَ، حدّثنا رَجاءُ بن مُرَجّى الحافظُ، حدّثنا إسحاقُ بنُ إبراهيم قاضي سَمَرقَند، حدّثنا ابنُ جُرَيج، عن عَطاء، عن ابن عمر، قال: كان خاتَمُ النُّبوَّةِ في ظهرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثلَ البُندُقَةِ من لَحمٍ، عليه مكتوبٌ محمدٌ رسولُ اللهِ).
قال الصفدي: (وهذا حديثٌ عجيبٌ، ذكرَ بعضُ الحُفّاظِ أنهُ موضوعٌ، ورجالُ إسنادِه معروفون بالثِّقة، خلا شيخ ابن حِبّان؛ فإنهُ لم يُعرَف حالُهُ، ولعلّهُ مِن وضعِه، وإنْ حَسّنا به الظن؛ فنقول: إنهُ غَلِطَ، ونقلهُ من حديثِ الخاتم الذي كان في يَدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى خاتَمِ النُّبوَّة، واللهُ أعلم).
وقال الحافظُ ابنُ حَجَر: (وأمّا ما وَرَدَ من أنها كانت كأثرِ مِحْجَمٍ، أو كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوبًا عليها (محمدٌ رسول الله)، أو (سِرْ فأنتَ منصور) أو نحو ذلك، فلم يَثبُتَ منها شيء، وقد أَطْنَبَ الحافظُ قُطْبُ الدين في استيعابها في (شرحِ السيرة)، وتبعَهُ مُغلَّطاي في (الزهر الباسم) ولم يبين شيئًا من حالها، والحَقّ ما ذكَرتُهُ، ولا تَغترّ بما وَقَعَ منها في (صحيح ابن حِبّان)، فإنه غَفِلَ حيثُ صَحّحَ ذلك، واللهُ أعلم).
(12) الصحابي الجَليل أنس بن النَّضر رضي الله عنه، الذي شَهِدَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أُحُدًا، حتى قُتِلَ فما عُرِفَ حتى عَرَفتهُ أُختهُ بشامةٍ، أو: ببَنانهِ، وبه بضْعٌ وثمانون: من طَعنةٍ، وضَربةٍ، ورَميةٍ بسَهم.
(13) شامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (ت13هـ): (قال أبو بكر الصديق: إنه خرج إلى اليمن قبل أن يُبعث النبي صلى الله عليه وسلم.. قال: فنزلتُ على شيخ من الأزد عالم قد قرأ الكتب، وعَلِمَ من عِلْم الناس علماً كبيراً، وأتت عليه أربعمئة سنة إلا عشر سنين. فلما رأني قال لي: أحسبك حرميًّا؟ قال أبو بكر: قلت: نعم، أنا من أهل الحَرَم.
قال: وأحسبك قُرَشيًّا؟ قال: قلت: نعم، أنا من قريش.
قال: وأحسبك تَيْميًّا؟ قال: قلت: نعم، أنا من تَيْم بن مُرَّة، أنا عبدالله بن عثمان بن كَعب بن ضَمْضَم بن مُرَّة.
قال: بقيتْ لي منك واحدة.
قلت: ما هي؟ قال: تكشف لي عن بطنك.
قلت: لا أفعل إذ تخبرني لم ذاك.
قال: أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبيّاً يُبعث في الحرم، تعاون على أمره فتى وكهل، فأمّا الفتى فخوّاض غَمرات، ودفّاع معضلات، وأمّا الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة.. وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلاّ ما خفي عَلَيّ.
قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي.
فقال: أنت هو وربّ الكعبة، وإني متقدم إليك في أمر فاحذره.
قال أبو بكر: قلت: وما هو؟ قال: إيّاك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة الوسطى، وخف الله فيما خوّلك وأعطاك..) إلخ الخبر.
(14) شامة الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه (ت23هـ): عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ركب عمر فرساً فانكشف ثوبه عن فخذه، فرأى أهل نجران بفخذه شامة سوداء، فقالوا: هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا.
والمراد: إجلاء عمر رضي الله عنه اليهود من نجران إلى الكوفة.
(15) ومما يدخل في الأساطير ما ذكره صاحب (فتوح الشام) في فتح قلعة ماردين، عن مارية بنت أرسوس بن جارس صاحب ماردين، التي زنا بها الراهب فارما، فأنجبت منه عمودا، ثم زوَّجوها من ابنها وهي لا تعلم أنه ابنها! وكان من صفة عمودا: على خدّه الأيمن شامة سوداء بقدر الظفر، وفي أذنه اليمنى زيادة.
(16) عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه (ت32هـ): قال الواقدي: (كان رجلاً طوالاً حسن الوجه رقيق البشرة، فيه خال أبيض مشرّباً حمرة).
(17) شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، حسّان بن ثابت بن المُنذِر الخَزرجيّ الأنصاريّ رضي الله عنه (ت54هـ)، وكان شديد الهجاء، قال ابن قتيبة: وكان يَضرِبُ بلسانِه رَوثةَ أنفِه (أي: أرنبته)؛ من طوله، ويقول: ما يَسرُّني به مِقْوَلُ أحدٍ منَ العرب، واللهِ لو وضعتُهُ على شَعرٍ لَحَلَقَه، أو على صخرٍ لَفَلَقَه.
قال الحافظُ ابن عَساكِر: (قال حسّانُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لَمّا طلبَهُ لهجوِ قريش: لأَسُلَّنَّكَ منهم سَلَّ الشَّعرةِ منَ العجين، وَلِي مِقْوَلٌ ما أُحِبُّ أنّ لي به مِقْوَلَ أحدٍ منَ العَرَب، وإنهُ لَيَفْري ما لا تَفْريهِ الحَربةُ.
ثمّ أخرجَ لسانَهُ فضربَ به أنفَهُ؛ كأنهُ لسانُ شُجاعٍ، بطَرفِه شامةٌ سوداء، ثمّ ضَرَبَ به ذقنَهُ.
وقال: لأَفْرِيَنَّهُمْ فَرْيَ الأَديم؛ فَصُبَّ على قريشٍ منه شآبيبُ شَر).
ورواه ابن عساكر أيضاً عن أبي سَلَمَة دون ذِكر الشامة.
(18) عبدالله بن قِلابة: كان أحمر أشقر قصيرًا على حاجبه خال، وعلى عنقه خال. روى وهب بن مُنَبِّه عن عبدالله بن قِلابة: (أنه خرج في طلب إبل له شردت، فبينما هو في صحارى عدن وقع على مدينة في تلك الفَلَوات عليها حصن، وحول الحصن قصور كثيرة، فلما دنا منها ظن أن فيها أحداً يسأله عن إبله، فلم ير خارجاً ولا داخلاً فنزل عن دابته وعقلها وسلّ سيفه ودخل من باب الحصن، فلما دخل الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير أعظم منهما، والبابان مرصّعان بالياقوت الأبيض والأحمر، فلما رأى ذلك دهش، ففتح أحد البابين فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها، وإذا قصور كل قصر فوقه غرف، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت، ومصاريع تلك الغرف مثل مصاريع المدينة، يقابل بعضها بعضاً، مفروشة كلها باللؤلؤ، وبنادق من مسك وزعفران، فلما عاين ذلك، ولم ير أحداً هاله ذلك! ثم نظر إلى الأزقّة فإذا هو في كل زقاق منها شجر قد أثمر، وتحت الشجر أنهار مطردة يجري ماؤها من قنوات من فضة.. فقال الرجل: إن هذه هي الجنة! فحمل معه من لؤلئها، ومن بنادق المسك والزعفران، ورجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه.
وبلغ الأمر إلى معاوية فأرسل إليه، فقصّ عليه ما رأى، فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار فلما أتاه قال له: يا أبا إسحاق، هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة؟.
قال: نعم، أخبرك بها وبمن بناها؛ إنما بناها شدّاد بن عاد، والمدينة (إرم) ذات العماد.
قال: فحدّثْني حديثها.
فقال: إن عاداً المنسوب إليهم عاد الأولى كان له ولدان شديد وشدّاد، فلما مات عاد ثم مات شديد وبقي شدّاد ملك الأرض، ودانت له الملوك، وكان مولعاً بقراءة الكتب، فكان إذا مرّ بذكر الجنة دعته نفسه إلى بناء مثلها، عتواً على الله تعالى، فأمر بصنع (إرم) ذات العماد، فأمّر على عملها مئة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوه بما في بلادهم من الجواهر، فخرج القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضًا موافقة، فوقفوا على صحراء عظيمة نقية من التلال، وإذا فيها عيون ماء ومروج، فقالوا: هذه صفة الأرض التي أمر الملك أن يُبنى بها.
فوضعوا أساسها من الجزع اليماني، وأقاموا في بنائها ثلاثمئة سنة، وكان عمر شدّاد تسعمئة سنة، فلما أتوه وقد فرغوا منها قال: انطلقوا واجعلوا عليها حصنًا، واجعلوا حول الحصن ألف قصر، عند كل قصر ألف علم، ليكون في كل قصر من تلك القصور وزير من وزرائي. ففعلوا ذلك، فأمر الملك الوزراء وهم ألف وزير أن يتهيؤوا للنقلة إلى (إرم) ذات العماد. وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين، ثم ساروا إليها، فلما كانوا منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى مَن كان معه صيحة من السماء، فأهلكتهم جميعاً ولم يبق منهم أحد.
قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (سورة الفجر: 6- 7)، بعد كلام طويل: وإنما نبهت على ذلك لئلا يُغتَرَّ بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية، من ذكر مدينة يقال لها: (إرم) ذات العماد، مبنية بلِبن الذهب والفضة قصورها ودورها وبساتينها، وأن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحة، وثمارها ساقطة، ودورها لا أنيس بها، وسورها وأبوابها تَصفُر، ليس بها داع ولا مجيب.
وإنها تنتقل فتارّة تكون بأرض الشام، وتارّة باليمن، وتارّة بالعراق، وتارّة بغير ذلك من البلاد.. فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين، من وضع بعض زنادقتهم، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك.
وذكر الثعلبي وغيره: أن رجلاً من الأعراب-وهو عبد الله بن قِلابة- في زمان معاوية ذهب في طلب أباعر له شردت، فبينما هو يتيه في ابتغائها، إذ طلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب، فدخلها فوجد فيها قريباً مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها، وأنه رجع فأخبر الناس، فذهبوا معه إلى المكان الذي قال فلم يروا شيئاً.
وقد ذكر ابن أبي حاتم قصة {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} هاهنا مطوّلة جدًّا، فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها، ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك، أو أنه أصابه نوع من الهَوَس والخَبال، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج، وليس كذلك. وهذا مما يُقطَع بعدم صحته. وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمتحيلين، من وجود مطالب تحت الأرض، فيها قناطير الذهب والفضة، وألوان الجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير الكبير، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها، فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء، فيأكلونها بالباطل في صرفها في بخاخير وعقاقير، ونحو ذلك من الهذيانات، ويَطْنزون بهم.
والذي يُجزَم به أن في الأرض دفائن جاهلية وإسلامية وكنوزاً كثيرة، مَن ظَفَرَ بشيء منها أمكنه تحويله، فأما على الصفة التي زعموها فكذب وافتراء وبهت، ولم يصح في ذلك شيء مما يقولون إلا عن نقلهم أو نقل من أخذ عنهم، والله سبحانه وتعالى الهادي للصواب).
وقال الشوكاني بنحو ذلك في تفسيره بعد أن نقل كلام ابن كثير: (.. وهذا كذب على كذب وافتراء على افتراء، وقد أصيب الإسلام وأهله بداهية دهياء وفاقرة عظمى ورزية كبرى من أمثال هؤلاء الكذابين الدجالين الذين يجترئون على الكذب، تارّة على بني إسرائيل، وتارّة على الأنبياء، وتارّة على الصالحين، وتارّة على ربّ العالمين، وتضاعف هذا الشرّ وزاد كثرة بتصدر جماعة من الذين لا علم لهم بصحيح الرواية من ضعيفها من موضوعها للتصنيف والتفسير للكتاب العزيز، فأدخلوا هذه الخرافات المختلقة والأقاصيص المنحولة والأساطير المفتعلة في تفسير كتاب الله سبحانه، فحرّفوا وغيّروا وبدّلوا).
ونبّه الحافظ ابن حجر على ما في الخبر من ألفاظ منكرة، وأن راويه عبدالله بن قِلابة لا يُعرَف، وأن في إسناده عبدالله بن لهيعة، وهو ضعيف الحديث.
وقال الألوسي في تفسيره: (وخبر شدّاد المذكور وأخوه في الضعف، بل لم تصح روايته، كما ذكر الحافظ ابن حجر، فهو موضوع كخبر ابن قِلابة).
وعدّه ابن خلدون في مقدّمته من المغالط في حديثه عن فضل علم التاريخ، قال: (وأبعدُ من ذلك وأعرقُ في الوهمِ ما يتناقلُهُ المفسّرونَ في تفسير سورة الفجر في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}، فيجعلون لفظة (إرم) اسماً لمدينة (....).
وهذه المدينة لم يُسمَع لها خبرٌ من يومئذ في شيء من بقاع الأرض.
وصحارى عَدَن التي زعموا أنها بُنيت فيها هي في وسط اليمن، وما زال عمرانها متعاقباً والأدلاءُ تقصُّ طُرُقَها من كل وجه، ولم يُنقل عن هذه المدينة خبرٌ ولا ذكرها أحدٌ من الإخباريين ولا من الأمم، ولو قالوا: إنها دَرَسَتْ فيما دَرَسَ من الآثار لكان أشبه.
إلا أن ظاهرَ كلامِهِم أنها موجودة، وبعضهم يقول: إنها دمشق، بناءً على أن قومَ عادٍ ملكوها، وقد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى أنها غائبةٌ، وإنما يَعْثُرُ عليها أهلُ الرياضة والسحر، مزاعمُ كلُّها أشبهُ بالخرافات.
والذي حَمَلَ المفسّرينَ على ذلك ما اقتضتهُ صناعةُ الإعراب في لفظة {ذَاتِ الْعِمَادِ} أنها صفةُ (إرم)، وحملوا (العِمَاد) على الأساطينِ فتعيَّنَ أن يكون بناءً، ورَشَّحَ لهم ذلك قراءةُ ابنِ الزُّبَيْرِ (عادُ إرَمَ) على الإضافةِ من غير تنوين، ثم وقفوا على تلك الحكاياتِ التي هي أشبهُ بالأقاصيصِ الموضوعةِ، والتي هي أقربُ إلى الكذب، المنقولةِ في عِدادِ المضحكات، وإلا فالعِمادُ هي عِمادُ الأخبيةِ بل الخيام. وإن أُريدَ بها الأساطينُ فلا بِدْعَ في وصفهم بأنهم أهلُ بناءٍ وأساطينَ على العموم، بما اشتهرَ من قوَّتهم، لا أنه بناءٌ خاصٌّ في مدينةٍ معينةٍ أو غيرها.
وإن أُضيفت كما في قراءة ابن الزُّبَيْرِ فعلى إضافةِ الفَصيلةِ إلى القبيلةِ، كما تقول: قُريشَ كِنانَة، وإلياسَ مُضَر، ورَبيعَةَ نِزارٍ.. وأيُّ ضرورةٍ إلى هذا المَحْمَلِ البَعيدِ الذي تُمُحِّلَتْ لتوجيهِهِ لأمثالِ هذه الحكاياتِ الواهيةِ التي يُنَزَّهُ كتابُ اللهِ عن مثلِها لبُعدها عن الصحة).
يتبع
|