مساء الأربعاء الماضي أقام الأستاذ نجيب عبدالرحمن الزامل حفلاً باستراحة (أمطار) احتفاءً بمعالي الشيخ فيصل الشهيل. وخلال الحفل تسابق الحضور إلى إلقاء كلمات أشادوا فيها بمناقب الأستاذ الشهيل. فيما قام الراعي نجيب الزامل بكتابة كلمة عن أجواء الاحتفال وبعض ما قيل فيه ننشرها نقلاً عن الزميلة صحيفة (الاقتصادية) بعنوان الشهيل. وفيما يلي نصها, وهي مع الصور تعبر عن هذا الحفل البهي.
الشهيل..
أقيمت في (أمطار) مناسبة الاحتفاء بالشيخ فيصل الشهيل, وهو واحد من أكثر الشخصيات جمالية وجاذبية في أوساطنا. وقدمته لضيوفه وأحبابه بأنه رجل شغل الناس، ولكن بشيء واحد, بحبه!
لم أرتبط بالشيخ فيصل بأي علاقة عملية إلا منذ زمن كنت فيه عضواً في مجلس إدارة فريق النهضة, وكنت أتعس الأعضاء أداءً.
وكانت تلفتني دائماً هذه الابتسامة المنحوتة أزلاً على محياه, وكأنه يتحدى كل شقاء العالم, مع أن له قلباً يذوب مع كل آهة ألم. وحرص محبوه على أن يحضروا الحفل, بل إني واجهت واقعة غريبة؛ فلقد اتصل بنا مَن دعوا أنفسهم للحفل, وهم مَن أعطوا رونقاً مموجاً بالوفاء لرجل لا يستحق إلا ذلك.
وقد حرص الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز الذي شرف الأمسية على أن يكون من أول مَن يرد التحية للشهيل, وارتجل كلاماً رقيقاً (وما كنت أحسب رجلاً يقود حملاً قاسياً يستطيع هذه الرقة)، وبانت قدرته الثقافية الواعية، ونفاذ نظرته في قضايا البلاد، أثنى عليها الحضور. أما أستاذنا خالد المالك فقد نطق قبله، لم نر عاطفة متدفقة وإشارات صريحة على فضل الشهيل كما أنارها وكشفها لنا في تلك الليلة، وهو إما مرتجل ساحر، أو أن تماهيه مع شخصية الشهيل هو الذي سحره. ومعلمنا حمد القاضي هذا الذي قطر شهد الذوق ورفاهة التواصل مع الناس استغرقنا بما يدور داخل تلك النفس المثقلة، وكأنه كشاف تطلعاتنا، أو أنه كذلك بالفعل. أما محمد التونسي، فقد كان يستعيد تاريخ الصبا، وأسرنا بهذا المشهد الزمني المغموس بالامتنان المحب قائلاً: (كنا شباباً صغاراً ننتظر تحت الدرج حتى تنتهي اجتماعات مجلس إدارة جريدة الجزيرة، فقد كنا نطير فرحاً بمصافحة الشهيل)، وكأن التونسي لم يحضر إلا ليقول هذا المشهد المختزل الذي خزنه عقوداً. والسيد المالك عضو الشورى ارتجل بحماس نظرته لتخصيص الرياضة، فتعرفت على رجل يحب ما يقوم به، وأعطاني في ذلك درساً، ولم يكن لرجل الأعمال علي الشهري الذي تواصل معنا ليحضر الحفل إلا أن يتحداني عندما أعلنت جائزة لمَن يقدر أن ينتقد الشهيل؛ فقد كان يتمنى لو أن الشهيل عمل على إيصال الخط الحديدي عبر البلاد، ثم نظر إليَّ مطالباً بحصته، إلا أن إعجابه بالشهيل كان آسراً فقد الجائزة، على أنه كان قد غادر عندما وضح الشيخ فيصل رؤيته في المسألة.
وأحسن الأخ عبدالوهاب الفايز أن أوجز مهمة عملية قد طالب الشهيل بتسجيل ملحمة حياته، وكان اقتراحاً أيَّده الجميع بقوة. أما صديقنا الشاهق الدكتور عبدالواحد الحميد، فقد اخترع تعبيراً يمرق من استثارة العتب، ويصدق على الموصوف، عندما قال: إن الشهيل كان في مجلس إدارة جريدة اليوم عمود المتنورين في المجلس. وها هو درس آخر في الدبلوماسية، ولكن عندما تصدق كثيراً، وتتجمل قليلاً.
أما مواطنه (من المزاحمية) السيد بن زياد فقد عبر بعفوية ومباشرة صادقتين عن الدور الذي حاول الشهيل أن يخفيه زمناً في إنماء مدينته الأولى. وكان محافظ المؤسسة العامة للتعليم المهني الدكتور علي الغفيص قد صرح بأنه جاء مشكوراً عانياً لكي يعتذر، وأفرح الجميع لمَّا قال: إنه لما رأى الشيخ فيصل وبيئة الحب الغامرة له وحوله لم يتردد لحظةً في البقاء.
وكان الوقت يطير فوق رؤوسنا في إطار جدول وضعنا أنفسنا فيه، وحاولنا الالتزام به، عندما التفت الجميع إلى الشخص النبيل الإهاب، ذي الملامح المسالمة، فتقدمتُ منه وقلتُ: يا عبدالله، ماذا ترى في أخيك؟ على أن عبدالله الشهيل والذي يجيد ترويض وتشذيب الكلمة المنطلقة استلهمته اللحظة؛ فقد كان فرحه بأخيه بازغاً رغم أنه قال ذلك، فاختلط الشعور الأخوي الأكيد مع قوة التحكم اللفظي الأكيدة، وبث لنا فوق ذلك بوحاً أراده صريحاً عن وضع الأمة. ورغم النبرة التي تهدجت فجأة، إلا أنه انطلق بثبات ليؤكد أنه رغم الظرف الملم إلا أن الذي يملأه هو التفاؤل.
والذي دار بعد الحفل كان أكثر ألواناً ومحفلاً للتعبير عن الشعور الصادق حول رجل ترك بصمته في كل مكان حلَّ به يوماً, على كل شخص التقى به يوماً، على كل مهمة تسنَّمها. رجل حمل كل المهمات، وتلبس عدداً من الشخصيات، وتداخل مع كل أنسجة المجتمع حتى صار مفرزة حريرية لقماش كان وما زال يتمناه قماشاً قوياً متماسكاً، من حرير!
ولن أستطيع أن أنهي الموضوع دون أن أقف لحظة متأملاً قول هذا الرجل الطيع القامة, العذب الخلق, حارس الهلال الشهير إبراهيم اليوسف, عندما استوقفني بعد الحفل قائلاً: (كنتُ أتمنى فقط إن جاء دوري للحديث، ولم أكن لأطيل, كنتُ سأقول جملة واحدة: إنني نبتة غرسها فيصل الشهيل).
لو حسبنا غرسات الشهيل يا إبراهيم.. لكانت غابة استوائية!
|
