عندما تلوح الأحساء في خط الأفق ستجد بأن غابات النخيل قد ابتدأت التلويح بأيديها لكل قادم.
باعثة بتلك النفحات الودودة الدمثة التي لا تكون إلا لأهل الأحساء.
حظيت في الأسبوع الماضي بزيارة عمل لمدينة الهفوف، التي دوماً تخرج لزوارها جميع صناديق أعاجيبها حال وصولهم، وحتى قبل الوصول..... وذلك ما لمسته في صوت الأستاذ (عادل ذكر الله) مدير الإعلام التربوي في منطقة الأحساء، حيث اللطف والود المهذب واستمطار ذاكرة الامتنان (لعبدالله بن خميس) الذي رأس أول معهد علمي للأحساء قبل ما يقارب الأربعين عاماً، لم تسقط ذاكرة الأستاذ عادل هذه الحادثة الغابرة بل وظفها ليقوم من خلالها بأصول الضيافة بشكل أصيل لا يكون إلا لأهل الأحساء..
وكانت هناك الأخت إقبال العرفج مهرة الأحساء الصاهلة حيوية وعطاء والتي تستطيع بطاقة حيويتها أن تنير قلعة مظلمة وكئيبة.
في شوارع الأحساء عندما تبحث عن موقع لن تصاب بالعناء هناك من سيقود سيارته ببساطة وتلقائية أمامك إلى أن يأخذك إلى بوابة المكان المطلوب ثم يلوح بيده مغادراً بسرعة، في البداية ظننا أن الأمر مصادفة ولكننا وجدناه يتكرر من كل من نسأل، لنعرف بأن هذه خاصية الذين عجنت خصالهم بحلاوة تمر (الخلاص).
فتيات الأحساء يناقش حول هموم واحدة وهم مشترك ويسألن بنفس اللهفة والقلق والترقب عن حوادث التفجيرات في الرياض، إنها نفس العروق التي تمتد هنا وهناك نفس النسيج ونكهة الأحلام التي نكابدها سويا، مع أهل الأحساء تكتشف نوعاً آخرمن الانتماء والخصوصية يخالف ذلك الذي يوظفه البعض بشكل تجاري وبليد انتماء الأرض التي سيدرج عليها أطفالنا سويا والدروب التي ستطرقها أقدامهم والسقف الذي يظل غدوهم ورواحهم.
في الطريق كنت أسأل زوجي عن السر الذي يطبع أبناء غابات النخيل بهذا القدر من اللطف والدماثة؟ قال لي باسماً: على فكرة لم يظهر أي منهم على قائمة المطلوبين سواء في (11) سبتمبر أو قائمة ال (26) الإرهابية!!
هم هناك في غاباتهم النخلية النائية يتعاطون الحياة بخصائص نادرة قد عجن بعضها بحكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد نسج بعضه الآخر بلون مختلف، لكن يلتقون جميعا عند ذلك البئر المعطر بلطفهم ودماثتهم.
|