* اليوم (الأحد)؛ هو ثاني أيام العام الهجري الجديد 1425هـ.. كل عام وأنتم أيها (السيدات والسادة)؛ بخير وسعادة وسرور.
* كنا يوم أمس السبت؛ في موعد مهم؛ مع بدء تطبيق قرار مجلس الوزراء؛ الذي يُلزم كافة السعوديين والسعوديات؛ المقدمين على حياة زوجية جديدة؛ بشهادة (الفحص الطبي) قبل الزواج؛ وذلك لتفادي خطر أمراض (الدم الوراثية).
* في هذا اليوم.. ومع ترحيبنا بهذا (الإنجاز)؛ الذي انتظرناه بفارغ الصبر؛ لا بد وأن نتذكر جملةً من الحقائق المهمة؛ التي تتعلق بالجانب الصحي من حياتنا العامة:
* الأولى: أن (30%) منا اليوم؛ أي (7 ملايين نسمة)؛ هم في الحقيقة؛ حاملون أو مصابون بمرض الدم الوراثي الخطير (المنجلي، والثلاسيميا)..! هكذا تقول الدراسات والإحصاءات حتى الرسمية منها.
* الثانية: أن بلادنا هي (اليوم)؛ من أكثر المناطق في هذا العالم؛ إصابة بهذا المرض الخبيث والعياذ بالله. انظروا نسبة الحاملين للمرض؛ أو المصابين به بين السكان: (المنطقة الشرقية 30%، جازان 20%، القنفذة 18%، خيبر 14%، العلا 13%، بيشة 10%، مكة 5%، الباحة ونجران والسليل وينبع 3%، الرياض 2%). ولذلك.. فإن عدد مرضى أمراض الدم الوراثي في المملكة اليوم؛ يشكل نسبة (60%)؛ من إجمالي عدد المعاقين عموماً.
* الثالثة: ماذا نعرف عن مرض (المنجلي والثلاسيميا)..؟ إن مرض (الأنيميا المنجلية)؛ هو عبارة عن طفرة جينية؛ تؤدي إلى تحول خلايا (الدم الحمراء)؛ إلى خلايا منجلية، وذلك عند تعرض المريض؛ لنقص الأكسجين، فتفقد هي مرونتها، وتصبح قاسية، وتزداد لزوجة الدم؛ مما يؤدي إلى انسداد الشعيرات الدموية، وتكسر الدم، ونهاية فاعليته. وهذا المرض الخطير؛ لا علاج له اليوم في كل العالم، وما يُوجد هو مسكنات ومهدئات فحسب؛ حتى تحل الوفاة بالمريض. أما (الثلاسيميا)؛ فهو مرض؛ يصيب نخاع العظام؛ بعجز عن وظيفة تصنيع كمية كافية من (الهيموجلبين) الطبيعي، فتكون كريات الدم المنتجة؛ ضعيفة جداً، وقد تموت قبل خروجها من النخاع. والمصاب بهذا المرض؛ يلزمه نقل دم متكرر شهرياً، وحياته دائماً في خطر، ويلزمه كذلك؛ جهاز مغروز على الدوام تحت الجلد؛ يعمل على إزالة الحديد الزائد لمدة ثماني ساعات يومياً؛ طوال حياته.
* الرابعة: أن (المنجلي والثلاسيميا)؛ هو مرض دم وراثي؛ يستهدف الأطفال؛ فيظل المصاب به معاقاً طوال حياته؛ هذا إن كُتبت له حياة.
* الخامسة: في عام 1421هـ؛ راجع المراكز الصحية والمستشفيات في عموم المملكة؛ (5.390) مراجعاً؛ منهم (89%) ؛ مصابون بفقر الدم المنجلي..!!
* السادسة: أن من بين السعوديين اليوم؛ أكثر من (1.500.000) نسمة؛ مصابون بهذا المرض، وسوف يتصاعد هذا الرقم من المصابين؛ الذين هم في صف المعاقين؛ إن لم نتدارك الأمر؛ على النحو التالي: (2 مليون بعد عشر سنوات، 3 ملايين بعد 20 سنة، ثم 12 مليون نسمة بعد 50 سنة)..!
* السابعة: رعاية هؤلاء الضحايا الأبرياء من أطفالنا؛ سوف تكلف الخزانة العامة للدولة؛ 8 مليارات ريال سنوياً.
* الثامنة: أن هذا المرض الخطير جداً؛ والذي وصفْتُه في مقالة سابقة كتبتُها هنا؛ فقلت: بأنه أخطر من (الإيدز)؛ هو مرض وراثي؛ ينتج عن تزاوج بين طرفين حاملين للمرض؛ أو مصابين به.
* التاسعة: إن سبب هذه الكارثة الحقيقية؛ هو عدم تطبيقنا لفحص الدم الوراثي بين الطرفين المقبلين على الزواج.. والخروج منها؛ هو (فقط)؛ في تطبيق وتنفيذ قرار الفحص؛ الذي بدأ مفعوله يوم أمس.
* العاشرة: هناك تفصيل يجب أن يفهم في قضية حمل المرض أو الإصابة به؛ حتى نكون على بيِّنة من أمرنا؛ وعمليين أكثر في تبنِّينا لفكرة الفحص قبل الزواج؛ دون تشاؤم أو تردُّد؛ أُوْجِزُهُ في النقاط التالية:
1- سليم + سليم = أطفال جميعهم أصحاء.
2- سليم + حامل للمرض = أطفال جميعهم أصحاء.
3 - حامل للمرض + حامل للمرض = أطفال بعضهم مصاب بالمرض.
4 - حامل للمرض + مصاب بالمرض = أطفال بعضهم مصاب بالمرض.
5 - مصاب بالمرض + مصاب بالمرض = أطفال جميعهم مصاب بالمرض.
* أعود إلى ما بدأتُ به رأس هذا المقال فأقول: لنتذكَّر جيداً هذه الحقائق العلمية والاجتماعية؛ وهي التي بُنِيَ عليها قرار تطبيق الفحص قبل الزواج؛ بعد جهود كبيرة؛ انطلقت قبل سنوات؛ من لجنة خدمة المجتمع بالأحساء؛ ونهضت بها؛ مواطنة جسورة هي الدكتورة (هدى المنصور)، مديرة مركز أمراض الدم الوراثية، فقادت فريقاً من الدارسين والباحثين (المتطوعين)؛ الذين جابوا المملكة من أدناها إلى أقصاها؛ فقاموا بدراسات علمية ميدانية، وتوصلوا إلى نتائج مذهلة، أصبحت بالنسبة لهم، ولكافة المطَّلعين العارفين؛ هاجساً صحياً مغلقاً؛ حتى صدر القرار الوزاري الموفَّق في هذا الخصوص.
* كنتُ من الذين تابعوا نشاط الدكتورة (هدى المنصور)، فهي لم تتوقف عند أرقام وبيانات مجردة؛ وإنما كافحت وناضلت؛ من أجل إيصال صوتها إلى أبعد مدًى؛ فقد كانت تعقد الندوات والمحاضرات، ويتحرك النشطاء من لجنة خدمة المجتمع في الأحساء؛ إلى كافة المناطق والمحافظات، يعرضون دراساتهم بالصور وبالإحصاءات البيانية؛ داقِّين ناقوس الخطر في كافة الاتجاهات. وكم كنتُ متألماً؛ لأن هذه الجهود الكبيرة؛ لا تجد الصدى الكافي على المستويين الرسمي والأهلي، ولكن صاحبة فكرة ومشروع (الفحص الطبي قبل الزواج)؛ كانت جسورة وصبورة معاً؛ فأسمعت صوتها عبر المطبوع والمسموع والمرئي، فكانت تناظر وتتحدث عبر المذياع والصحافة؛ ومن خلال الفضائيات، وظلت تُلِحُّ وتُلِحُّ؛ حتى وصل صوتها وسُمِع؛ فلما صدر القرار الوطني العظيم؛ لم تجد إدارة الشؤون الصحية في الأحساء؛ ما (تكافئ) به الدكتورة (هدى المنصور)؛ غير إقصائها من إدارة مركز أبحاث أمراض الدم الوراثية؛ الذي انطلقت منه في طريق الوصول إلى هذا النجاح الباهر؛ وتحويلها إلى المختبر..!!
* خوش (مكافأة) يا وزارة الصحة..!!
* أعتقد أن معالي وزير الصحة؛ الدكتور (حمد بن عبدالله المانع)؛ لا يمكن أن يرضى بهذا الذي جرى لمواطنة مخلصة تنتسب لوزارته، أعطت لبلدها ومواطنيها تطوعاً؛ ما عجز عنه غيرها؛ وما يكلف عشرات -بل مئات- الملايين؛ لو تولَّت هذا شركات بحثية.
* وأحسب أن المسؤولين في دولتنا الوفية؛ لن يقبلوا بمجازاة مواطنة ناجحة مثل (هدى المنصور)؛ بمثل ما لقيته من جحود وتعسف من إدارتها.
* إن المواطن السعودي؛ الذي يخدم بلده في مجالات العلم والأدب والدراسة والسياسة والأمن وغيرها، تكرمه الدولة كعادتها، فتقدم له الجوائز الثمينة، وتضعه في المكان الذي يستحقه في حياته قبل مماته، والمواطنة (هدى المنصور)، خدمت وطنها بجدارة وتميز؛ في الميدان (الاجتماعي والصحي)، فهي جديرة بالاهتمام؛ وتستحق أن تكافأ وتكرم؛ لا أن تُهان وتزوى؛ عقاباً لها على نجاحها..!!
إن أعداء النجاح في هذه البلاد؛ معروفون؛ وهم الذين وقفوا هذا الموقف من الدكتورة (هدى المنصور)؛ مثلما وقفوا مع غيرها؛ وهؤلاء لا ذنب لهم؛ إلا إخلاصهم ونجاحهم في خدمة بلدهم ومواطنيهم.
* بدأ تطبيق القرار الوزاري؛ فلا أقل من أن نتذكر ما هو مطلوب منا مع بداية هذا العام؛ هذا إذا أردنا تجنب خطر أمراض الدم الوراثية؛ وحماية أطفالنا وأجيالنا من خطر الإعاقة والموت لا سمح الله.
* ثم علينا أن نتذكر جيداً؛ جهود مواطنة ناجحة من بيننا؛ استطاعت أن تقنعنا بهذا المشروع الوطني الإنجاز، وأن نكافئها ولو بكلمة شكر ولا أكثر.
* أنصفوا المواطنة (هدى المنصور)؛ فكرِّموها؛ أو اشكروها على أقل تقدير.
fax:027361552 |