Saturday 21st February,200411468العددالسبت 1 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وعلامات وعلامات
الحجَّاج.. وحكم التاريخ! ( 3 -4)
عبدالفتاح أبو مدين

* ويكيل الكاتب الثناء للحجاج بلا حساب ولا اعتدال، ولعله الحب الذي لا حدود له، فيقول في مقدمته: وأوشك أن أقول ومن الحب ما قتل، فنرى بدءاً من العنوانات التي أضيفت إلى الأطروحة من الحشو، وهي أشياء لم نعهدها في الرسائل الجامعية الرصينة، وقد أشرت في أول هذا الحديث إلى ذلك في غلاف الكتاب بكلام ليس محله ما وضع فيه.! يقول الكاتب في وصفه للحجاج: (وإذا نظرت في سياسته وجدته سائساً لا يُخدع، ومقداماً لا تُشقُّ عصاه، وخصماً يدين له الأعداء بالتسليم والإذعان)، ثم يقول -لا فُضّ فوه-: (فقد مثل دوراً عظيما من أدوار حياة الأمة الإسلامية فجمع كلمتها ونظم جهادها وقرر مصيرها).. إن هذا الكلام الذي ساقه الكاتب مبالغ فيه إلى حد الهوس، لأن تلك الخصال التي أطلقها على الحجاج، تجعل هذا القائد كل شيء في الدولة الأموية بدءاً من معاوية بن أبي سفيان، ما دام الحجاج في رأي الكاتب.! إن القائد في رأي - زيادة - مقدام لا يخدع، جمع كلمة الأمة الإسلامية ونظم جهادها وقرر مصيرها.. هذه الأوصاف الكبار في تقديري لا تطلق إلا على المجاهد الأول خاتم الرسل الموحى إليه، ثم الخلفاء الراشدين.! وإذا كان الحجاج زمراً لكل تلك الأوصاف، فالدولة الأموية بدونه لا شيء، لا رأي ولا توجيه ولا وجود للخليفة الذي كان الحجاج تابعاً له عبدالملك بن مروان، لأن الحجاج في رأي - زيادة - صاحب كل الريادات، والدولة الأموية لا شيء بدونه، لا خلفاء ولا قيادات أبطال ولا جيوش.. ولقد قلت في حديثي عن كتاب الأستاذ هزاع الشمري: إن الحجاج قائد، ولكنه ليس مقاتلاً، هو قائد أعطته الخلافة أو قل أطلقت يده، فكان بالقادة الأبطال الذين تحت أمرته، وبالجنود البواسل الذين يخوضون غمار الحروب فيقتلون ويُقتلون، بهؤلاء وأولئك، وقبل ذلك بتوفيق الله ومدده، كان النصر، والحجاج سهم في هذا النصر، ولكنه ليس كل شيء، كما يزوِّر المؤلف، ليزيد التاريخ بلاء بكلام لا يُعوَّل عليه لأنه وليد مشاعر جياشة وليس من الواقع الذي يعطي كل ذي حق حقه، وهو عمل المؤرخين النزهاء الصادقين الجادين، ولم تكن ولن تكون العاطفة حجة يعتد بها أو يعول عليها، وإنما العقل الراجح، والرأي الصائب هما المقياس، وكذلك الصدق والخبرة، هي سبل الحِجَاج - بكسر الحاء وفتح الجيم - من حاج يحاجج.. أما ما عدا ذلك فزيف وهراء وعبث، ينبع من فراغ ويصب في فراغ! الحجاج واحد، قائد، لكنه ليس كل القوة والتركيبة، هكذا يقول منطق الواقع، أما منطق صاحب الأطروحة، فإنه شيء مختلف جداً.
* الحجاج السفاح رامي بيت الله بالمنجنيق ومروع جيرة الحرم الآمن، عند الكاتب: زاهد، ورع، و - الشريعة قد سلمت إليه زمامها -، كما يقول الكاتب، وهو عالم والمثل الأعلى - الذي يجب أن ينسج على منواله المصلحون، ويسير على هديه المجددون -..
والذي يقرأ هذه الأوصاف يظن أن المؤلف يتحدث عن الصاحبين الجليلين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وأكبر الظن لو أن الكاتب يعيش في عصر الحجاج ونشر هذه السيرة العطرة وقرأها على أسماع القائد الثقفي، لنفحه بصرر من الذهب تقديراً لهذا الولاء الذي لا حدود له، ولا أقول إن الحجاج يمنحه ولاية تقديراً له، ذلك أن الرجل ذكي، لا يأبه للمنافقين الخادعين بما يقولون ويروجون زيفاً وبهتاناً.. ويمضي الكاتب -لا فُضَّ فوه- يؤكد في سبحه بأن تلك الشخصية العظيمة التي لم تعطها أقلام الكتاب والمؤرخون في القديم والحديث حقها من التقدير -.. وكاتبنا يعلن أن رائده الإنصاف في الحكم للحقيقة والتاريخ -.. إن الكلمات التي حصرتها بين خطين هكذا -، هو كلام الكاتب المجيد.. وقد ذكرتني كلمات الدكتور محمود هذه بمقولة أبي العلاء المعري:


وإني وأن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved