Saturday 21st February,200411468العددالسبت 1 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
لتراجع (الحرة) فقط.. حجم شعارها
د. عبدالله بن ناصر الحمود

يبدو أن الشيء الوحيد الذي ربما ستحتاج قناة (الحرة) إلى مراجعته، هو الحجم الضخم المتوهج لشعارها الأحمر الذي يدل على أنك تشاهد قناة الحرة. فهو شعار كبير، قد يكون من الأفضل تحجيمه. أما ما عدا ذلك، فيبدو أن القناة قد أعدت سياستها وبرمجياتها بوضوح ووضعت لها استراتيجية بدأت تتكشف مركباتها شيئا فشيئا، وإن كان الوقت لا يزال مبكراً للوصول إلى تصور متكامل بشأنها يحدد مدى قدرتها على استقطاب المشاهدين، واستقطاعها لساعات مشاهدة أسبوعية. وهو الطموح الذي تتنافس عليه قنوات التلفزيون المعاصرة. ربما تعلمت القناة من تجارب أخرى في المنطقة خرجت دون هوية واضحة، فراحت (الحرة) - منذ الدقائق الأولى - تبث لقاء مع قياداتها في الإنتاج والإدارة توضح من خلاله إستراتيجية القناة وأهدافها، وكذلك تمويلها. ومن أدق ما وظفته القناة من معلومات حول التمويل، أن تمويلها يتم عن طريق الشعب الأمريكي. مستندات نظامية كبيرة في صالح هذا التصريح: ربما الضرائب التي يدفعها الناس هناك، وربما مؤسسات مجتمعية ربحية أو غير ربحية. المهم - كما بدا لي - هو إقصاء التمويل الحكومي ومحاولة تقليل أهمية الدعم الرسمي للقناة أو على الأقل عدم التركيز عليه، وفي ذلك ذكاء إعلامي احترافي دقيق. ربما كانت القناة تعلم أنه من الصعوبة بمكان إقناع الجماهير العربية بعدالة القضية الرسمية الأمريكية، أو جذب ولاء العرب للسياسة الخارجية لحكومة الولايات المتحدة، لكنها راهنت وتراهن على أنه من الممكن اختزال (المشكل) الأمريكي في السياسة الخارجية لحكومة حالية أو لعدد من الحكومات المنتهية، ويبقى الشعب الأمريكي شعباً أليفاً وليفا محبا للعرب والمسلمين وقابلا للتعامل معهم والتخاطب مباشرة وتقديم رسالته الإنسانية عبر (الحرة). الحكومة الأمريكية زائلة قريباً - دون شك - إن هذا العام، أو بعد أربعة أعوام. لكن (أمريكا) يجب أن تبقى - من وجهة نظر - (الحرة) كما يبدو - (حرة أبية) (ومثيرة للإعجاب والاحترام)، دون أن ينالها شيء من مشاكسات قادتها أفراداً ومؤسسات. هنا, تراهن (الحرة) باقتدارعال جدا على أن تجد لها مساحة من القبول في ضمير الشعوب العربية، وهي دون مباشرة ستمرر سياسة أمريكا (الرسمية) وبهدوء كبير. وفي مقابلة بين الإعلام العربي وإعلام (الحرة) ربما نتابع القناة لنرى أنها - إجمالاً - تقدم القضية الفلسطينية من وجهة النظر الأمريكية الرسمية، والشعبية أيضا، لكنها دون شك الشعبية الموالية للحكومية. وقد تقدم (الحرة) القضية العراقية لتتطلع الى أن يعتقد العرب أن ديموقراطية الأشهر المنتهية والقادمة في العراق أفضل بكثير من ديكتاتورية العهد البائد. وأعتقد أن (الحرة) ستتجاهل كثيرا القضية الأفغانية لأن الإعلام العربي - بشكل عام - غافل أو مدفوع للغفلة عن تلك القضية، مع أن أمريكا موجودة في العراق وفي أفغانستان، ولكن ليس ثمة إعلام عربي يشاطر في اقتسام الكعكة الإعلامية في أفغانستان. أن يحب الناس (أمريكا) المجتمع، طموح كبير يبدو أن القناة قد سخرت جهدها من أجل تحقيقه. وتبقى المنافسة الكبرى بين هذا الإعلام والإعلام العربي الذي يعمل بعضه باقتدار من أجل أن يحب الناس أمتهم وأوطانهم العربية، بينما ليس للحب في قاموس قنوات عربية أخرى مكان أو مجال. وبقى المشاهد العربي صاحب القرار الأخير فيما يحب ويكره، ليس كما تقدمه تلك القناة أو تلك الأخرى، ولكن - بالتأكيد - وفق متغيرات كثيرة جداً ليست القناة إلا واحدة منها. وربما استمرت بعض القنوات العربية والغربية الموجهة في محاولة يائسة لإقناع الجمهور بموضوعيتها، في حين سيرأف الجمهور بحال تلك القنوات التي تعتقد أنه من السهل تمرير هذه الشعارات على وعيه وشعوره، ليبقى الجمهور هو القول الفصل فيما يراه موضوعياً وذاتياً وليحكم على كل قنوات الاتصال (الذاتية) بعقله وعاطفته الموغلين في الذاتية أيضا. ويبقى الميدان رحبا للمنافسة، ليبقى الأقدر هو الأجدر.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved