أستطيع أن أعد ردود الأفعال التي صدرت حول مقالي المتعلق بالحجامة نموذجاً للقراءة المصبوغة بالطابع الانتقائي. لو نشر مقالي هذا في فترة عملي في التدريب كنت أتخذت منه ومن ردود الأفعال عليه نموذجاً لدورة (الاتصال الفعال) التي كنا ندرسها للمدراء. كنا نعلم مدراءنا القراءة المحايدة. نقول لهم لا تنتزع ما تريده من النص وتغلق تفكيرك عن بقية ما جاء فيه. ابذل جهدك للتوصل الى الفكرة الأساسية التي تنتظمه. لا تبحث عما تريد. قاوم الميل العاطفي. فالإنسان يقرأ ما يريده من النص ولا يقرأ بالضرورة كل ما هو مكتوب. عندي إحساس أن معظم القراء الذين احتجوا على المقال قفزوا إلى قضية الحجامة وأحكامها الدينية دون النظر إلى الأساس الذي قام عليه المقال. فأنا لم أتكلم عن الحجامة وإنما تكلمت عن قسم الحجامة في المستشفى السعودي الألماني. فأنا لا أملك خبرة في المسائل الفقهية أو الطبية. عندما عبرت عن رأيي عبرت عن قضية تمس الرأي العام..كنت بذلك أضع مقدمة لموضوع قانوني وأخلاقي يتعلق بحق المستشفيات في استحداث أقسام طبية لم تقر علمياً. سؤالي الأول موجه لوزارة الصحة: هل أجازت وزارة الصحة فتح قسم للحجامة في المستشفى السعودي الألماني وبناء عليه هل يجوز لأي مستشفى أن يفتح أقساماً لم يقرها الطب الحديث؟ هل يجوز لأي مستشفى مثلاً ًأن يفتح قسماً لإخراج الجن أو قسم (الكي)؟ وهل تصمت وزارة الصحة عن أي مستشفى يدعي أن أدويته مقروء عليها من قبل الشيخ الفلاني أو الآخر؟ في مثل هذه الأسئلة أنا لا أطرح وجهة نظر شخصية ولا أقدم فتوى تحلُّ أو تحرم فهذا متروك للمختصين من أهل العلم الشرعي. ولكن من حقي ككاتب أن أطرح الأسئلة. فإذا كان لدى وزارة الصحة القدرة على الإجابة تستطيع أن تجيب وإذا كانت لا تملك إجابة واضحة حول الموضوع تستطيع أن تصمت ولن يحاكمها أحد كما جرت العادة. بالنسبة لي هذه سابقة تستحق النظر.
سؤالي الثاني يذهب الى الإخوة في المستشفى السعودي الألماني وهو في الواقع مجموعة من الأسئلة المدمجة.
دهشت عندما قرأت أن هناك علاجاً للسرطان لا تعرفه مراكز الأبحاث العلمية في أمريكا وكندا وفرنسا كما يدعي المستشفى السعودي الألماني في إعلانه. وتفاقمت دهشتي عندما جاء خبرإعلان هذا العلاج المدهش عبر نافذة إعلانية لا عبر مؤتمر صحفي بحضور وكالات الأخبار العالمية. ثم يأتي السؤال هنا علمياً صرفاً: هل يكفي شفاء مريض واحد بالحجامة لاعتبار أن الحجامة تشفي من السرطان؟
لم نسمع من قبل أن مريضاً قام بترك عنوانه وأرقام تلفوناته ليتصل به المحتاجون ليشهد بنجاح العلاج. إذا كان المستشفى توصل إلى علاج للسرطان كما يقول المستشفى السعودي الألماني فالأحرى به أن يستغل هذا السبق الإنساني ويعلنه أمام العالم بأسره وليس بإعلان صغير مدفوع الأجر. ليس من العلم في شيء أن تكون حالة واحدة دليلاً على نجاح العلاج. العلاج يبدأ بالدراسات والأبحاث ثم التجارب على الحيوانات ثم على متطوعين من البشر ثم تنظر فيه هيئات علمية مخولة الى آخر الإجراءات المعروفة لدى أهل العلم.
آلام الناس وأوجاعهم منطقة حساسة يسهل الدخول من خلالها خصوصاً إذا التبست بالعاطفة الدينية.
علينا دائما أن نكون حذرين من استغلال العاطفة الدينية التي تزخر بها قلوب الناس، ولله الحمد، لجني الأرباح الدنيوية. أسارع إلى القول إنني هنا لا أتهم أحداً بما في ذلك المستشفى السعودي الألماني فكل ما أريده هو توضيح من وزارة الصحة في المستشفى السعودي.
فاكس: 4702164
|