لم تعد دراسة الطفل وشخصيته ونموه مطلباً نفسياً وتربوياً واجتماعياً فحسب، بل أصبح الجميع يريد فهم كنه هذا الطفل من حيث التفكير والشخصية ومحركات السلوك والدافعية. ومن الحقول التي أوعزت لعلم النفس أهمية الاهتمام بشخصية وطرق تفكير الطفل حقل الاقتصاد والأعمال، فهذا الحقل أدرك أن الطفل مؤثر فاعل في اقتصاد الدول، وذلك لأن متطلباته ومنتجاته الخاصة بدأت تتزايد، ومن هنا كان لزاماً على حقل علم النفس دراسة سلوك ومعتقدات الطفل الشرائية، والدعايات والاعلانات التجارية الأكثر فاعلية للطفل، والفروق الفردية بين الأطفال الذكور والإناث من حيث التفكير والتفضيل عند الاختيار والشراء، والألوان الأكثر فاعلية عند البيع، ولي شخصياً دراسات في ذلك سأطرحها في مقال لاحق إن شاء الله. بدأ الاهتمام بالطفل كزبون وكعميل وكمؤثر في الاقتصاد بشكل جاد في الغرب تحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من 50 عاماً مضت، وقد كتب في ذلك العديد من المقالات والأبحاث العلمية التي أشارت الى الأرقام المالية الضخمة التي ينفقها الأطفال أو آباؤهم وأمهاتهم وأسرهم عليهم لتعليمهم وتربيتهم، وعند شراء مستلزماتهم المدرسية أو ألعابهم وأشرطتهم أو غذائهم أو ملابسهم أو حلوياتهم أو ترفيههم أو رحلاتهم السياحية.. إلخ. وأدرك الاقتصاديون ورجال الأعمال أن هذا الزبون الصغير هو سوق بأكمله، مما حداهم إلى الاهتمام به بشكل لافت للنظر، فدعموا مراكز البحث الخاصة بالتسويق والاعلان للطفل كمستهلك يدعم ويمتن اقتصاد البلد، وأصبحت تقديم الخدمة لهذا الزبون تأخذ طابع الحرفية والمهنية المتقنة. يقول جيمس ماكنيل وهو بروفيسور في جامعة تكساس ويدرس سلوكيات المستهلكين الأطفال منذ أكثر من 35 سنة وله أكثر من 50 مقالاً وكتابان في التسويق للأطفال، يقول: إن الطفل قد تزايد دوره كعميل ينفق على شراء السلع من موارده الخاصة، ففي الستينيات دخل الطفل المستهلك للسوق ولوحظ أعداد الأطفال كعملاء بشكل كبير، وفي السبعينيات ظهرت المنتجات المصنعة للطفل خصيصاً أكثر جلاءً، وفي الثمانينيات اكتملت شخصية الطفل باعتباره عميلاً وتنوعت وسائل التسويق له، وفي التسعينيات شهدت أسواق الطفل رواجاً غير مسبوق، أما في عقدنا الحالي فاقتصاد الطفل هو قوة اقتصادية بذاتها وتجارة عالمية لا تكاد تنفك عنها العين.
وتشير بعض الاحصاءات إلى أنه في عام 1994م اشترى الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية ألعاباً قيمتها تقدر بحوالي 17 مليار دولار، وقد تضاعف هذا الرقم ثلاث مرات في عام 2001م وهو في اطِّراد مستمر. وينفق الشعب الأمريكي على أي مناسبة تخص الأطفال مليارات الدولارات، فمثلاً مناسبة (الهالوين) التي يشتري فيها الأطفال غالباً ملابس تنكرية وحلويات واكسسوارات مختلفة تهم الأطفال، أنفق لهذه المناسبة عام 2002م مبالغ وصلت لأكثر من 8 مليار دولار لمناسبة هي عبارة عن بضع ساعات في آخر يوم من كل شهر أكتوبر، ناهيكم عن رحلات سياحية أسرية بالكامل لمدن ترفيه الطفل؛ كمثال: (ديزني ورلد وديزني لاند وغيرهما)، والتي ينفق فيها مليارات الدولارات من أجل ترفيه وتثقيف الطفل.
وظاهرة شراء الطفل أو الشراء له أصبحت عالمية، وطالت مجتمعنا السعودي، ففي الأعياد والمناسبات وعند النجاح المدرسي يتجلى الطفل بقدرته الشرائية، وأصبح الطفل مؤثراً في قرارات أسرته في جوانب الترفيه والسياحة مما يجعله هدفاً للمسوق السياحي أو المدن السياحية والترفيهية بتوفير متطلبات الطفل، فاستهداف الكبار قد أصبح أسلوباً مبتوراً في التسويق، فالتسويق يجب أن يستهدف الصغار قبل الكبار هذه الأيام. هذا الأمر يجب أن يأخذه جدياً المستثمر السعودي في هذه الأيام، فالطفل ثروة اقتصادية وطنية داعمة يجب أن يعامل بحرفية كبيرة ويقدم له ما يحتاجه من خلال الوعي بالطفل واحتياجاته المرحلية مع مراعاة واحترام كامل حقوق الطفل وأن ما يقدم له لا يؤذيه أو يستغله بل يسهم في تربيته وتثقيفه وترفيهه بطريقة سوية تخدم المجتمع والأسر وبناء شخصية الطفل. ومن العوامل التي ساعدت على بزوغ اقتصاد وتجارة الطفل هذه الأيام في المجتمعات المختلفة ومجتمعنا ما يلي:
- محدودية عدد الأطفال في الأسرة أو الطفل الوحيد لها، وهذا يزيد من إغداق الأسر على أطفالها ورفع مستوى مصروفهم ودخولهم، وذلك من باب تدليلهم وجعلهم يُحسون بالسعادة معهم.
- الوعي الأسري والاجتماعي المتنامي بدور الطفل وحقوقه وممارساته وشخصيته وذاته.
- عمل الوالدين، فقد زاد من دخل الأسرة مما يجعل للطفل منه نصيباً، كذلك الأب والأم العاملة قد يغدقا على الطفل بعض المال لتعويض غيابهما المستمر عنه.
- العائل الوحيد، حيث أدى تفشي الطلاق الى وجود نسبة كبيرة من الأسر بعائل واحد أب أو أم، ومن ثَمَّ فالطفل يقوم أحياناً بدور العائل الغائب بالشراء وبعض الأعمال الأخرى.
- تطور وسائل الإعلام والاتصال والدعاية والإعلان والقنوات المرئية والمجلات الخاصة بالطفل والعامة للأسر مما يغري الطفل كثيراً وأسرته على الشراء.
(*)عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام |