Friday 20th February,200411467العددالجمعة 29 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

7/4/1391ه الموافق 1/6/1971م العدد 345 7/4/1391ه الموافق 1/6/1971م العدد 345
دراسات من أجل أطفالنا
المفاضلة بين الأولاد أسلوب فاسد في التربية

ان كان الوالدون حريصين على صيانة الوفاق والتفاهم بين جميع أولادهم، فإياهم واضرام روح المنافسة والمفاخرة فيما بينهم، بحجة أن تحدي الأخ البليد بنشاط أخيه المجتهد انما هو حافز له ومحرك!ولابد من اجتناب مثل هذه العبارات الدارجة:
انظر إلى أخيك! هو الأول في الصف، وانت ما زلت متمسكا بالذنب!.. وانظر إلى أختك، فهي أصغر منك سنا وأذكى منك وأنشط.
إلى غير ذلك من عبارات ليس في نهايتها سوى اضرام نار الحقد والحسد لدى الواحد، ومضاعفة العجرفة والافتنان بالنفس لدى الآخر، بل لا يندر أن ينقاد الأخ إلى احتقار أخيه أو أخته، فيتحول المنزل إلى بؤرة توتر وميدان مفاخرة ومصارعة لا طائل تحتها.
وكثيرا ما ينسى الأهل انه ان كان أحد أولادهم بليد الفكر أميل إلى الكسل أو الى الشراسة الخ.
كأنما هم السبب الأول في ذلك! وانما يعطي ما أعطوه!.. فمن اعجب ما يلاحظ في أخلاق الوالدين ان كل ما يؤانسوه من محاسن لدى أولادهم فهو منهم وليس الولد سوى صورتهم، ولكن السيئات ليست منهم بل هي من مكتسبات ابنهم وليست عليهم أية مسؤولية فيها!.
وغني عن البرهان أن هذه العقلية بعيدة جداً من الواقع العلمي فانما للوراثة في هذا الباب شأن لا جدال فيه.
ولا يستخلص من ذلك انه ينبغي أن يترك للطفل المتخلف حبله على غاربه، كما يقال. ولكن جل المطلوب هو الاحتراس من تحقير الأخ بحضور أخيه أو أخته ظنا أن المنافسة تحفز على الاصلاح.فليست النتيجة من هذا الاسلوب الأخرق سوى توليد مركبات نقص في نفس الولد المتخلف. ومركبات تفوق باطل في نفس أخيه. وزد على ذلك ان الولد المحقر يحقد على أهله طول الحياة، وحتى عندما يتزوج فيما بعد ويرزق أولادا لا ينفك عن القول: كان أهلي يفضلون أخي عليّ، ولست أرى اليوم ما يوجب عليّ أن أحب والدي، ولا ريب أن لهم كفاية بحب ذلك الأخ العبقري .. الى غير ذلك من كلام اليم كان لا يعسر اجتنابه لو اقلع الأهل عن تفضيل الأخ على أخيه أيام التربية في المنزل.كانت احدى الامهات تقول لابنها المتفوق في المدرسة جاءها مفتخراً:
لو كانت صحة أخيك مثل صحتك لما تخلف عنك. فاشكر الله لانك لم تمرض مثله بحمى التيفوئيد في سن الثالثة!
ان مثل هذه العبارات وأشباهها تردع الواحد عن الكبرياء وتعزي الآخر اذ يرى فيها اسبابا مخففة لخموله فيزداد حبا لأهله من غير أن يبغض أخاه.وقد أثبت علماء النفس ان الحس ليس غريزة طبيعية بل هي رذيلة «مكتسبة» وأكثر ما تنشأ في نفس الطفل أيام الحداثة في البيت الأبوي، إما لاتباع الأهل خطة المفاضلة بين أولادهم وتحريك المنافسة بينهم مثلما مضى ذكره، وإما لكثرة ما يشاهده الطفل حوله من حسد الناس والجيران بعضهم لبعض، فينحو نحوهم ويقتدي بما يراه ويسمعه!وان صحت نظرية الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في أمر من الأمور فانما تصح خاصة فيما يتعلق بالحسد وما جرى مجراه من رذائل مكتسبة لا «مغروزة» في النفس بحكم الطبيعة.قال روسو مثلا: كيف لا تنشأ في نفس الطفل رذائل كالحسد والمكر والكذب، ان كان المجتمع يعلمه كل يوم في قصص «لافونتين» مثلا، أن دور الثعلب المكار المراوغ أفضل وأمجد من دور الغراب الساذج السريع التصديق لما يقال له؟
أو كيف لا يميل إلى التحزب للنملة التي يعلمه المجتمع أنها أفضل من الزرزور، لانها ادخرت في الصيف طعام الشتاء، ولما جاءها الزرزور الطائش متوسلا يلتمس فُتاتا يدفع به الجوع عنه، وقفت النملة تسخر منه ضاحكة غير مكترثة لجوعه وقائلة: ان كنت قد غنيت في الصيف أيها الزرزور فعليك الآن بالرقص!
ولا ينوه المجتمع لحظة واحدة في هذا التعليم، لا بقبح كذب الثعلب ومكره، ولا ببخل النملة وانعدام الشفقة من نفسها. مما يشهد ويدل في نظرية «روسو» على ان هذه الرذائل ليست راسخة في نفس الإنسان كما يقال عامة، بل انما هي نتيجة من نتائج المجتمع.والحق ان هذه النظرية مهما يكن مما تعرضت له من انتقادات، الا انها صحيحة الاساس، فلا جدال في ان أكثر رذائل الإنسان رذائل اجتماعية ولو لا المجتمع فلا معنى للأنانية والحسد والكذب والمكر والنفاق والبخل والجشع الخ..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved