Friday 20th February,200411467العددالجمعة 29 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ماذا ننتظر من الجامعة العربية؟ ماذا ننتظر من الجامعة العربية؟
محمد بن عبدالرزاق القشعمي

بعد أيام سيعقد مؤتمر القمة العربية بتونس وذلك للنظر في امكانية تطوير الجامعة العربية وتفعيل دورها الذي من المفترض أنها أنشئت للقيام به. وفي هذا الوقت العصيب والأخطار تحدق بنا من كل جانب والعدو الإسرائيلي يتربص بنا من خلال تنكيله بالشعب الفلسطيني المغلوب على أمره.. والعرب من حوله يتفرجون ولا يملكون إلا الحسرة والألم.. وجامعتهم العربية تستنكر وتشجب وكأنها لا تملك غير ذلك.
ولا ننكر أن من أسباب ظاهرة الإرهاب كما يسميها الجميع تلك المجازر المستمرة والتي نشاهدها صباح مساء في وسائل الإعلام المختلفة سواء في فلسطين أو العراق وغيرها..
إننا كمواطنين نحلم ونرجو وندعو أن تنهض الجامعة العربية بدورها المفترض وأن تقوم بشكل استثنائي بإعلان ما تنوي أو ما تخطط له لمواجهة عصر الكوارث والهزائم والانكسارات.. وأن توضح للمواطن الحد الأدنى مما يمكن أن يجمع عليه القادة ليطمئن المواطن ويحس بالأمان.
كنا نحلم بالوحدة العربية وننادي بها.. والآن نحلم فقط بإبعاد العدو توحيد الصفوف من أجل منعه من اجتياحنا والقضاء علينا ونحن نتفرج.. فالعدو لن يتمكن منا ونحن مجتمعون، ولكنه سيعمل على تفريقنا، ويلتهمنا قطعة قطعة.. أو كما قال من سبق (إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض).
أرجو ألا يدب اليأس في نفوسنا.. وأن ننظر إلى قادتنا بتفاؤل وهم يجتمعون وأمامهم ما ينتظرهم وما سيجمعون عليه. فقد كثر النقاش حول دور ومسؤوليات الجامعة العربية.. واتفق على ألا تحمل فوق طاقتها فهي مجرد وعاء تحفظ ما يوضع به.. أو أداة تنفيذ لما يتفق عليه القادة.. وحتى الأدوات التنفيذية يلزمها قوة وهيبة لتصل إلى ما تريد ويريد الجميع (فكل إناء بما فيه ينضح).
لقد استبشر الجميع بمجيء أمينها العام الجديد عمرو موسى، وبدأ قبل سنوات بتشكيل اللجان واختيار الممثلين وتعديل النظام وتفعيله.. ولكن المشاكل بدأت تتزايد والقضايا المعقدة بدأت تسد الطريق، فها هي ذي الوحدة الأوروبية تتحقق وتنتصر على دعاة الفرقة، والعرب يسيرون إلى الخلف وكأنهم آمنون لحاضرهم ومستقبلهم.
لقد جعلني هذا الألم أعود إلى بدايات الجامعة وما علق عليها من آمال عظام ولنكتفي بإطلالة سريعة على العدد الثاني من مجلة (صرخة العرب) التي أصدرها الأستاذ أحمد عبيد في القاهرة في مطلع عام 1955م فبعد أن أوقف مجلته (الرياض) التي كانت تصدر في جدة عام 73 - 1374هـ انتقل إلى هناك ليحمل راية الوحدة العربية ويدعو إلى القضاء على إسرائيل بتوحيد كلمة العرب. فها هو ذا العدد الثاني الصادر شهر فبراير 1955م يقابل أول أمين عام للجامعة العربية عبدالرحمن عزام فيقول: الجامعة العربية أدت وستؤدي رسالتها وهي في كل الحالاات رغم أسوأ الظروف أداة نافعة في السياسة الدولية.. والذين يقولون بفض الجامعة العربية إنما يهربون من المسؤولية.. فإنما هي ذات منافع جمة، فهي التي تمنح القيادة والعزة والمجد والغنى والدفاع والكرامة.. فلو ألغيت هذه الأشياء فماذا يبقى بعدها..؟
فالذين يعلنون يأسهم من الجامعة وسخطهم عليها إنما هم العاجزون عن النهوض بمسؤوليتهم نحو جيلهم وأجيالهم المقبلة، بل هم عصبة من الفاشلين الذين لا يزالون يعيشون خلف التاريخ لا يعرفون شيئا عما يخبئه لنا المستقبل يوم نتحد ونتكاتف.. والغد لنا والمستقبل بيد الله..).
ويتخلى بعد ذلك عزام عن موقعه ليحل محله عبدالخالق حسونة كأمين عام جديد فنراه يقول:(.. إذا كان للعرب من أمل في المستقبل فأملهم الوحيد يتركز في هذه الكلمة (الجامعة العربية)، لذلك يجب على كل عربي مسؤول وغير مسؤول أن يقدم كل ما يستطيع لتأييد هذه الجامعة ولتيسير قيامها برسالتها!).
ويعلق أحمد عبيد صاحب المجلة على كلامهما بقوله عن الجامعة العربية: ولدت لتكون أربعين مليون عربي - ثم أربعمائة مليون مسلم - ومضى عليها الوقت الذي يكفي لأن تكون فيه قوة رئيسية راجحة في العالم، ولكنها مع الأسف بقيت علامة استفهام كبرى في تاريخ عهد من أدق عهود اليقظة الفكرية والوعي المتطور في كل أمم الأرض.
علامة استفهام كبرى، لأن في عهدها ضاعت فلسطين، وفي مكاتبها، وقاعاتها، نشأت خصومات بين الأفراد من موظفيها وبين الجماعات من الأمم، و أخذت الأمور تتطور وتتعقد، والحزازات تتفاعل إلى أحقاد، والجامعة مشغولة عن كل هذا بنفسها، وبموظفيها، ورواتبها ومخصصاتها وعلاواتها في سلم الوظائف تماما كما يحدث في دائرة صغيرة من الدوائر الفرعية الملحقة.
عجيب أن يتخاصم أناس مهمتهم التوفيق بين الناس.
وعجيب أن يرجع إنسان عن مسلك كريم، من واجبه أن يسلكه في تلك الظروف، ويواصل كلامه قائلاً: إنها مأساة، أو.. لا أدري ما أسميها، وأعتقد أنها لن تنتهي إلا بانتهاء هذا النوع من أساليب العمل في الرجال المسؤولين عن تاريخ جيل وأمانة أجيال كثيرة.
ولعل من المؤلم حقا أن يكون العامل الرئيسي في فشل الجامعة أسبابا شخصية تتعلق بسلوك رجالها، فلا يحاول أولئك الرجال إصلاح أمرها وأمرهم، وإنما يتعدون بنظرهم هذه الأسباب ويتجاهولنها، ويحاولون أن يلقوا التبعة على الغير، والتبعة هنا مسؤولية تاريخ ووصمة أجيال وإننا إذ نتكلم اليوم، لنجهز على سبب باطل، وندفع الأذى عن كرامة شعب، نحب أن نكون عونا لهذه (الجامعة) التي وقفت في مفترق الطرق، فلا تموت، لأننا نريدها، ولكننا قبل أن نريدها نريد أن نحقق فيها صالحنا، ولن تتحقق فيها مصلحة العرب، إلا إذا واجهت الأمور بشجاعة مؤمنة برسالتها معتمدة على الله وحده، تقول الحق بصراحة، وتحيا أو تموت في سبيله، فإن الموت الشريف خير من حياة مظلمة هزيلة, وهي رسالة المسؤولين في القرن العشرين).
ثم يطلب من المواطن العربي أن يقول رأيه في الجامعة العربية : وأنت ما رأيك في الجامعة العربية؟
هذا هو ما يقوله خصومها.. وأنت أيها القارئ العربي ما رأيك الخاص.. رأيك الذي تخفيه في حنايا صدرك ولا تستطيع مجاملة أوخوفا إو إشفاقا أن تعلنه.. لقد جعلنا من هذه المجلة منبرا حرا طليقا من كل قيد.. هي منبرك.. ومنبري.. منبر كل صاحب رأي وعقيدة..
قل رأيك وسنتحمل - كما قلنا لك من قبل - تبعة إعلان هذا الرأي..
أأنت مع الجامعة.. أم انك من خصومها؟قل رأيك يا أخي..!)
ويقابل بعد ذلك الأمين الجديد عبدالخالق حسونة مقابلة صحفية مطولة لمناقشته في مشاكل الجامعة وآمالها مختتما المقابلة بقوله: هل أنت متفائل؟ فيجيبه الأمين بقوله: ما زلت متفائلا بمصير الجامعة.. واليوم الذي أفقد فيه هذا التفاؤل لسبب أو لآخر فتأكد أنني سأتنحى عن أمانتي التي حملتها بلا تردد..!
وفي العدد التالي نجد أحمد عبيد رحمه الله يفقد صوابه وينشر قصيدة يوقعها باسم (أحمد) تحت عنوان (العروبة تحتضر)


اليوم تحتضر (العروبة) لا الغد
وغدرا نواريها الثرى ونوسد
وبغيض دمع في المحاجر نرفد
وبما يجود به الرثاء (نعدد)
ونقيم مأتمها.. ويخفى المشهد

***


قالوا: العروبة صيحة تتردد
جرس، وموسيقى، ولفظ جيد
ومطامع يلهو بها المتصيد
(تصحو على أمل الشعوب (وترقد)
قلت: اسمعوا فاليوم (يوم أسود)

***


وغدا نرى صهيون فينا تقعد
وتجول بين ربوعنا تترصد
ولها على الأنقاض يبنى (معبد)
وعلى الروافد من (مياهها) مورد
وبحلم (وحدتنا) تعيث وتفسد

***


قالوا: تمهل، فاللظى لا يخمد
وليعرب فينا هوى متجدد
وهوى الشعوب (دم) يثور ويحقد
وله بأكناف اللواعج مرصد
قلت: اسمعوا، فاليوم حان الموعد

أحمد
والآن وبعد مضي حوالي خمسين عاما على ما سبق.. هل يمكن أن ننظر إلى مؤتمر القمة بتفاؤل ونحلم بقرارات تنفذ فورا وبلا تسويق أو إبطاء؟.. وهل تخلي أمين الجامعة عن موقعه يحل المشكلة؟.. الحل بيد القادة.. آمل أن يحضر كل قائد معه في قاعة الاجتماعات آمال وطموحات ورغبات شعبه، ويصارح كل منهم الآخر ويتفقون على كلمة سواء.. تجمع ولا تفرق.. تعز ولا تذل.. فيد الله مع الجماعة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved