تعيش بلدنا - ولله الحمد - نهضة عمرانية متطورة زرعت قيادتنا الرشيدة بذرتها الأولى منذ ما يربو على ربع قرن، وقد كان من الطبيعي أن تهتم هذه النهضة في بدايتها وبشكل أكثر بالجانب الكمي، بيد أنه مع مرور الوقت والتراكم المعرفي بدأت الحاجة تبرز لضرورة التركيز على الجوانب النوعية لها مما دفع الجهات ذات العلاقة لمواكبتها بما يحقق أقصى درجات الفائدة المرجوة منها والتقليل من مخاطرها المحتملة، فسنّت الأنظمة المتعلقة بشروط إنشاء المباني التجارية والسكنية والخدمية، كما واكبها وبرعاية حكومية خاصة وجود العديد من المتخصصين في كثير من جوانبها لا سيما الهندسية منها مثل المتخصصون في الهندسة المدنية والعمرانية والتشييد الذين تخرج بعض منهم من جامعات عالمية بالإضافة لما تخرجه جامعاتنا من كفاءات هندسية نفخر بها، إضافة إلى أن هذه النهضة أوجدت شركات متخصصة في مجال الإنشاءات العمرانية، إلا أن هناك بعض الجوانب المتعلقة بتلك النهضة ما زالت تتطلب منا الدراسة وإعادة النظر ومن أهمها الجانب الإشرافي والرقابي الذي ما زال يفتقر لدينا إلى وجود نظام يلزم من يرغب في إنشاء أي مبنى خاص -أيا كان نوعه- بضرورة وجود جهة إشرافية هندسية مستقلة تتولى الإشراف على مراحل البناء وذلك لضمان توفر أقل درجات الجودة المطلوبة والمتعارف عليها عالمياً.
فالوضع القائم حاليا يترك لملاك المباني حرية تحديد مكتب إشراف هندسي (استشاري) من عدمه، وهذه المرونة كان لها ما يبررها في بداية طفرتنا العمرانية السابقة لا سيما في ظل ما كنا نعانيه من نقص في الكفاءات الوطنية المؤهلة بالإضافة للسرعة التي كان يتطلبها الموقف، بيد أن الأمر -في تقديري- أصبح يتطلب سن نظام يلزم من يرغب في إنشاء أي مبنى خاص -خصوصا في المدن- بضرورة وجود مكتب إشراف هندسي مرخص من الجهات ذات العلاقة يقوم بدور الاستشاري ويتحمل مسؤولية اي مخالفات إنشائية أو خلل فني يقع في المبنى حتى بعد الانتهاء من بنائه.
إن وجود مثل هذا النظام له ضرورة ملحة خصوصا بعد وجود مؤسسات وشركات في القطاع الخاص أصبح من أنشطتها تشييد مبانٍ ومجمعات تجارية وسكنية لحسابها الخاص ثم طرحها في السوق للبيع بأسعار باهظة على مواطنين لا يعرفون ماذا تم بها، بل إن الأمر دفع عددا من الأفراد لمزاولة هذا النشاط بعيدا عن أعين الرقابة!!. فالبلدية يتوقف دورها بعد حصول صاحب البناء على ترخيص البناء لتعاود دورها مرة أخرى بعد انتهاء المبنى وذلك للكشف على المبنى وهل تجاوز صاحبه ما صرح له ببنائه أم لا، أما ماذا تم في البناء فعلمه عند الله!!.
ثم إن تطبيق هذا النظام لن يكلف صاحب المبنى مبالغ مالية كبيرة وكذلك سيساهم في تقليل المنازعات التي توجد بين ملاك المبنى والمقاولين والتي تستمر أحيانا لفترات طويلة وعادة لا تحسم إلا بحكم أو حل مبني على رأي لذوي اختصاص (استشاري) وقد يكلف هذا الحكم أحد أطراف القضية أضعاف ما قد يكلفه الاستشاري الذي سوف يقوم بالإشراف والمتابعة، هذا إلى جانب أنه سيحد من تجاوز تراخيص البناء وبالتالي يقلل من المخالفات التي أحيانا تطبق بحقها غرامات مالية مكلفة.
إذا ألسنا بحاجة لنظام يضبط العلاقة بين المالك والمقاول والبلدية ويضمن لنا أقل درجات الجودة؟!!. إن مثل هذا النظام موجود في معظم دول العالم والتي - ولله الحمد - ننافس أغلبها في النهضة العمرانية.
كنا نتوقع أن تتبنى اللجنة الهندسية بصفتها جهة شبه مستقلة وجود مثل هذا النظام لا سيما إنه لن يكون نظاما معقدا وذلك انطلاقا من المهام التي من المتوقع أن يكلف بها الاستشاري، إلا أننا لم نسمع شيئاً من هذا القبيل ولعل الارتباط الإداري للجنة الهندسية يحد من قيامها بالتقدم بمشاريع لأنظمة من هذا النوع وهذه قضية لا يتسع المقام لطرحها وتناولها.
إذا هل يمكن أن يتبنى مجلس الشورى مشروعا لهذا النظام مستفيدا مما لدى الجهات ذات العلاقة مثل وزارة البلدية والشؤون القروية ممثلة في أمانات المدن واللجنة الهندسية وبعض خبرات الجهات الحكومية الأخرى وإشراك عدد من المكاتب الاستشارية المتخصصة بالإضافة لعدد من المتخصصين على أن يراعي هذا النظام ألا تسند هذه المهمة إلا لمن يجمع بين التأهيل العلمي والخبرة العملية والتي لا تقل عن ثلاث سنوات والسجل المهني الناصع.. هذا ما نتوقعه.. والله الموفق.
أخيرا حمى الله بلادنا من كل مكروه والسلام..
|