تابعت سهرة تلفزيونية عن الطلاق، ماهيته وأسبابه، ونظرة المجتمع - الدونية - للمطلقة. كانت الدكتورة خديجة راغب أستاذ علم النفس - بجامعة الأزهر - مجاملة - بعض الشيء - حيث قالت بما معناه :إن المطلقة الخليجية أسعد حظاً من غيرها في منطقتنا العربية لأنها ما تكاد تنتهي عدتها إلا وتتزوج.
حاولت الاتصال للمداخلة فلم أتمكن، وكنت أود إفهام الدكتورة خديجة - مع أن ردودها وآراءها وأسلوبها كانت تتسم بالعقلانية وحسن التبصُّر - لكن هذا الأمر لا يجوز المجاملة فيه، ولا النرجسيات لأن هذا واقع، والواقع يجب التصدي له بكشفه وتعريته من كل زيف أو كلام معسول، لأن الدواء السليم يكمن في التشخيص السليم.
ولست أدري هل الدكتورة تعلم أن أتعس المطلقات هي الخليجية أم لا تعلم؟ إنها يا سيدتي تعتبر في نظر الآخرين بل في نظر قريباتها فال شؤم - والعياذ بالله - فهي لا يمكن لها حضور عرس لإحداهن حتى لا تصيبهن عدواها - في نظرهن - وإذا كان اللقاء الذي سجلته الكاميرا - حيا على الهواء - في مصر والأردن قد كشف أن رجل الشارع المصري يؤيد الزواج من مطلقة (بنسبة 75%) ورجل الشارع الأردني يؤيده بنسبة (25%) فإن الخليجي يرفضه بنسبة 100%.
ومما لاشك فيه أن مجتمعنا - العربي - ظالم لهذه الفئة - أو بالأحرى ظالم لنسبة كبيرة منها، فكم من إنسانة محترمة مؤدبة مهذبة صدمت بزواجها من ذئب في ثياب حمل، أو من إنسان أعمى البصيرة، أو من متعلم جاهلي، فلم يرع - هذا ولا ذاك - لهذه إلاًّ ولا ذمة.
1- أحد الأثرياء طلق إحدى زوجاته الأربع عن طريق القرعة ليتزوج الخامسة.
2- يحمل شهادة الدكتوراه في تخصصه النادر يحمل زوجته الحامل وبناتها الثلاث إلى بيت أهلها قائلاً لها: إن جاء المولود بنتاً فلا ترجعي واعتبري أن ما بيننا منتهٍ.
3- تزوجها فعادت بعد شهر إلى بيت أهلها (مطلقة) فقد كان مدمنا.
4- جراح كبير أفهمهم أن تأخيره في الزواج بسبب انشغاله واتضح بعد عقده زواجه مرتين.
وكم هم واهمون مخطئون من يعتقدون أن تغيير النظرة الدونية للمطلقة يتم ما بين ليلة وضحاها، إن مثل هذا الأمر تلزمه الحكمة والموعظة الحسنة مع الصبر والتصبر والمصابرة.
إن هذه النظرة الدونية، إنما هي تراكم فكر خاطئ عبر سنين طويلة، لذا يجب إعداد النشء على المفاهيم الحقيقية الفعلية، حتى إذا ما وصلوا سن النضوج العقلي أو البلوغ الفسيولوجي وصلوه، ولديهم القناعة الكافية أن ليس كل مطلقة هي السبب، وأن المطلقة قد تكون أحرص على الحياة الزوجية من الفتاة البكر، لأن المطلقة بالطبع تخشى أن تلدغ من جحر مرتين، وأنها كائن سوي له، وعنده من الكرامة والشرف وعزة النفس ما عند غيره، وربما فاقه أيضاً.
إن مناهجنا - في المرحلتين المتوسطة والثانوية - على الأقل- يجب أن تشمل هذا المفهوم: إن الخطباء والأئمة مطالبون بتسليط الضوء - وبقوة - على هذا الموضوع، إن الإعلام بكل وسائله وقنواته يجب تسخيره لخدمة هذا الموضوع إن أرباب الفكر وأصحاب الآراء، والأعمدة عليهم دين تجاه هذا الموضوع، لابد لهم من النهوض لأدائه عن طيب خاطر.. إن الآباء والأمهات لابد أن يغرسوا المفاهيم الصحيحة في ذهن الأبناء، وبالجملة.. فإن المجتمع بكل فئاته وطبقاته لابد أن يهُبّ من غفوته وينهض من غفلته، فما المطلقة هذه إلا بنتا أو أختاً لواحد منّا، وكم من مطلقة تم طلاقها لغير ذنب جنته.
وإلى الذين لا يرون في الكفاءة شرطاً أساسياً للزواج، أقول لهم ماذا تتوقعون في الحالات الآتية:
- زواج دكتورة في الخمسين من سائق تكبره بنصف عمره، وراتبها أربعة أضعاف راتبه؟
- زواج معلمة من سائق بنفس مدرستها؟
- زواج مديرة مدرسة من حارس مدرستها؟
- زواج طبيبة من سائقها؟
- زواج امرأة من عامل بشرط ألا يقرب (فيلتها) يومي الأربعاء والخميس لأن مستواه لا يليق بمستوى أزواج صديقاتها اللاتي يقضين معها عطلة نهاية الأسبوع.
حمدين الشحّات محمد |