وكنت أقرأ للأستاذ الشاعر قصائد في الجزيرة وهو يميل إلى الغريب من الألفاظ والخفيّ من المعاني وكأنْ لا عمل لنا إلا قراءة قصيدة وإعمال التفكير، وكأنه يعيش مع أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وأبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي، وحتى هذان شعرهما سهل ميسر إلا الكلام الذي انتهى زمنه.
ما علينا وإنما نستعين بالله ونأخذ مكان العكبري شارح المتنبي لنتعامل مع القصيدة.
والقصيدة من البحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن) في كل شطر وهو طويل كليل امرئ القيس:
وَلَيْلٍ كَمَوْج الْبَحْر أَرْخَى سُدُولَهُ
عَلَيّ بأّنْوَاعِ الْهُمُومِ لِيبْتِلي
فُقُلْتُ لَهُ لَمّا تَمَطَّى بِصُلْبِهِ
وَأَرْدَفَ أَعْجَازَاً وَنَاءَ بِكلْكَلِ:
ألا أيها اللّيْلُ الطَّويلُ ألا انْجَلِ
بِصُبْحٍ ومَا الإصْبَاحُ مِنْكَ بأَمْثَلِ
فَيَالَكَ من لَيْلٍ كأنًّ نُجُومَهُ
بِكُلِّ مُغَارِ الْفَتْلِ شُدَّتْ بيذبلِ
ويذبل.. جَبل.
نزار رفيق بشير
وما حدا أحسن من حدا فإن كانت القصيدة صعبة فليكن الشرح بنفس المستوى. وفائدة: فَيالَكَ هذا أسلوب استغاثة واللام حرف استغاثة حرف جر، يَالَلّهِ لِلفقراء: لفظ الجلالة مستغاث ولامه مفتوحة لِلفقراء مستغاث له ولامه مكسورة وهي حرف جر أيضا قال قيس بن ذريح (قيس لبنى):
تَكَنَفَّنِي الْوُشَاةُ فَأَزْعَجُونِي
فيا لَلّهِ لِلْوَاشِي الْمُطَاعِ
وأطول منه(ليل امرئ القيس) ليل النابغة حتى صار المثل يضرب بالليلة النابغية:
فَبِتُ كَأَنّي سَاوَرتْني ضَئِيلَةٌ
منَ الرُّقْشِ فِيِ أَنَيْابِها السُّم ناقِعُ
وضئيلة: الحية القصيرة.
وعنوان القصيدة (فَيَا نُونَ نَجْدٍ بَارَكَ اللّهُ نَخلها) ولو اختار لها عنواناً أقصر لكان أجمل مثل (نون نجد) أو (يانون نجد) وعلى كل (الشيوخ أبخص). وسنعرض للعنوان في البيت الثاني من القصيدة حيث هو الشطر الأول:
1 - عَلَى شَطِّ وَادٍ .. أَيُّ نُونٍ تَأَرّجَتْ
عَلَى شَفَة لَمْياءَ.. ريانَ نُونُها
والشط والشاطئ للبحر والضفة للوادي والنهر، ولعله يقصد وادي حنيفة ومدينة الرياض.
أما النون: فهو الحرف الخامس والعشرون من حروف الهجاء:
(أ، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ع، غ، ف، ق، ك، ل، م، ن، هـ، و، (لا)، ياء).
وبالمناسبة ز اسمه حرف الزاي وليس حرف الزين كما يقولون في برنامج افتح يا سمسم. ويلاحظ ان الحروف التي كتبناها هي الحروف الهجائية، أما الحروف الأبجدية فهي:
أ1 ب2 ج3 د4، هـ5 و6 ز7، ح8 ط9 ي10، ك20 ل30 م40 ن50، س60 ع70 ف80 ص90، ق100 ر200 ش300 ت400، ث500 خ600 ذ700، ض800 ظ900 غ1000.
وعلى ذلك فالنون في الحروف الأبجدية هو الحرف الرابع عشر وأما الأرقام فهي قيم الحروف بالأرقام في (حساب الجمَّل) ونون النسوة يكتبنَ، ونون التوكيد الثقيلة والخفيفة. وفي سورة يوسف: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ} (32).. ونون الوقاية تقي الفعل من الكسر. وفي سورة يوسف أيضاً: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} (13). ونون الوقاية تقي الفعل من الكسر، وقد تقي الحرف كقول الشّاعر:
يَالَيْتَني فِيهَا جَذَعْ
أَخبُّ فِيها وَأَضَعْ
ونَوّن الاسم، (أو الكلمة) ألحق بها التنوين، وجمع النون نونات
ذو النون: يونس عليه السلام. قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ..} (87) سورة الأنبياء
والنون: الحوت وشفرة السيف ودواة الحبر
تأرجت: انتشر فيها الأريج وهو الطيب. لمياء: سمراء الشفة
(طبعا سمرة ربانية خِلقية من غير روج) وما أكثر ما كتبت بيت ذي الرمة:
لَمْيَاءُ في شَفَتيهَا حُوّةٌ لَعسٌ
وَفي اللّثَاةِ وَفي أنْيَابِهَا شَنَبُ
وعلى ذلك فالنون: هي الحرف الأول من نجد (بحسب الشاعر)
والريان الغض الطري. قال محمد عبده: (ريانة العود) وعلى ذلك ف(ريان: ريانة) ريان ليس ممنوعا من الصرف
2 - فَيَا نُونَ نَجْدٍ بَارَكَ اللّهُ نَخْلَهَا
وَيَا نُونَ نجْدٍ كَيْفَ تَسْبِي فُتُونهَا
وهذا هو العنوان وهو يأتي على طريقة (يا محمد بارك الله أخاه)
أما نجد فهي الهوى وهي العرب وهي العروبة وهي نجد العدية.
والرياض عاصمة المملكة في قلب نجد في قلب الجزيرة عروس الصحراء، أم العواصم، بيت العرب، منبع الشمم والكرم والإباء، والأخلاق العربية الأصيلة ومرابع النشامى.
بارك الله نخلها: (البرحي والسكري والخلاص ونبوت السيف والسلج والخضري والصقعي إلخ).
بارك: جعل فيها البركة: النماء والزيادة
بارك الله نخلها وأهلها وجبلها وسهلها وصحراءها وسهولها
ويا نجد: ما أقل من يودعك:
حَنَنَت إِلَى ريَا وَنَفْسُك بَاعَدَتْ
مَزَارَكَ مِنْ رَيَّا وَشِعْباكُما مَعَا
فَمُا حَسَنٌ أن تأتي الأمْرَ طَائِعَاً
وَتَجْزَعَ إنْ دَاعِي الصّبَابَةِ أَوْجَعَا
قفَا وَدِّعَا نَجْدَاً وَمَنْ حَلَّ بالْحِمى
وَقَلَّ لنجْدٍ عِنْدَنا أن يُوَدّعَا
بِنَفْسِي تِلْكَ الأَرْضُ مَا أَطْيَبَ الرُّبَى
وَمَا أَحْسَنَ الْمُصْطَافَ وَالْمُتَربَّعا
وَلَيْسَتْ عَشياتُ الحِمَى بِرَوَاجِعٍ
عَلَيْكَ وَلَكِنْ خَلِّ عَيْنَيْكَ تَدْمَعَا
ويا نجد: ما أطيب صَباك: (الصبا ريح خفيفة لطيفة تهب من الشرق). غنى المطرب الكويتي الراحل عوض دوخي:
ألا يا صَبَا نَجْدٍ مَتَى هِجْتَ مِنْ نَجْدِ
لَقَدْ زَادَني مَسْراكَ وَجْدَاً عَلى وَجْدِ
أَأَنْ هَتفَتْ وَرْقَاءُ في رَوْنَق الضُّحىَ
عَلَى فَنَن غَضِّ النَّباتِ مِنَ الرَّنْدِ
بَكَيْتَ كَمَا يَبْكِي الحَزينُ ولَمْ تَكُنْ
جَزوعاً وَأبْدْيتَ الَّذِي لَمْ تكُنْ تُبْدِي
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْمُحبَّ إذَا دَنَا
يَمَلُّ وَأنَّ النَّأْيَ يشِقي مِنَ الْوَجْدِ
بكُلٍّ تَداوَينا فَلَمْ يُشْفَ مَا بِنَا
عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعدِ
عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ لَيْسَ بِنَافعٍ
إِذَا كَانَ مَنْ تَهْوَاهُ لَيْسَ بذيِ وُدِّ
ويا نجدَ الهوى:
إنْ تُتْهِمَي فَتِهَامةٌ وطني
أَوْ تُنْجِدِي إنَّ الْهَوَى نَجْدُ
ويا نجد.. في حبة القلب
وفتون نجد تسبي العقول. وقديما الجمال يفتن:
صَاحَ بالعاشقين يَا لَكِنَانهْ
رَشَأٌ فِي الجُفون مِنْهُ كِنَانهْ
بَدَوِيٌّ بَدَتْ مَلامِحُ خَدَّيْهِ
فكَانَتْ فَتّاكَةً فَتّانَهْ
لمَسَات النَّسيمِ تَجْرَح خَدّيْهِ
وَلَمْسُ الْحَرِيِرِ يُدْمِي بَنَانَهْ
وأصل السَّبْي الأسر.. وفي الموشح القديم
حَياةِ الرُّوحْ فِي لَحْظُهْ
سَبَانِي لَحْظُهُ الِهِنْدِي
3 - وَيَا جِيمَ نَجْدٍ.. جَيئتي كُلُِّ وَالِهٍ
فَأَهْلُوكِ فِي الجُلَّى كِرَامٌ يمينُهَا
واذ انتهى الشاعر من الحرف الأول من نجد (النون) جاء إلى الحرف الثاني (الجيم).
والجيم الحرف الثالث من الحروف الأبجدية والخامس من حروف الهجاء وقيمته (4) كما مرّ.
وفهمت من (جيئتي) أي مجيئه إلى نجد مجيء كل واله. والواله: المتحير من شدة الوجد. والناس يستعملون الواله بمعنى المشتاق (والهين عليك). والجيئة اسم مرة من جاء.
فأهلوك: أهل نجد في الجلّى كرام يمينها: الجلى: الأمر الشديد والخطب العظيم، وأهل نجد كرام في الشدة والرخاء.
كرام يمينها: لا يصح بل يقال: كريمة يمينها أو كرام أيمانها. ويمينها فاعل للصفة المشبهة كرام -جمع كريم.
4 - تُذَكِّرُني نَجْدَاً سَحَاباتُ أُنَّسٍ
من الرِّئْمِ مَا كَادَ الضُّحَى يْستَبِينُهَا
وكنت انتظر من الشاعر بعد أن عرض إلى النون والجيم من نجد أن يعرض للدال إلا أنه تركها وهذا يسمى (سوء التقسيم) كقول الشاعر:
صَارَتْ حَنِيفَةُ أَثْلاثاً فَثُلْثهُمُ
مِنَ الْعَبِيدِ وَثُلْثٌ مِنْ مَوَالِينا
وترك الثلث الثالث حتى كان يقال للحنفي: من أي قسم أنت؟ فيقول: من القسم الملغى ذكره.
ويذكر الشاعر بنجد سحابات أنس من الرئم: مجموعة (سحابات)
أنس مؤنسة والرئم ولد الظبي والجمع آرام
والآنسة التي يؤتنس بحديثها والفتاة ما لم تتزوج
ولا مشاحة في الاصطلاح: وجمع آنسة أوانس:
الطُّلُولُ الدّوَارِسُ
فَارَقَتْهَا الأَوَانِسُ
والأنيس المؤاسي والمسلي:
وَبَلْدةٍ لَيْس بِها أَنيسُ
إِلا اليَعافِيرُ وَإِلاّ العيسُ
وفي الكتاب:
عِنْدَهَا لا أَرَى أَنيساً يؤاسِيِ
وَيُزيلُ الْهُمومَ غَيْرَ كِتَابي
(واسم قائل البيت نعمة الحاج)
والرئم يخفف إلى الريم. غنت نجاح سلام من كلمات سمو الأمير عبدالله الفيصل ولحن الزعيم (زمان) طارق عبدالحكيم:
يَا رِيمْ وَادِي ثَقِيفْ
لَطيفْ جسْمَكْ لَطِيف
ماشُفْتَ أَنا لكْ وَصِيفْ
للِنَّاسْ شُكْلَكْ غَريب
أغنية جميلة بالكلمة واللحن والأداء
5 - وَتَذْكُرُني نَجْدٌ فَأرْفُلُ شَاعِراً
إذا قُلْتُ بَيْتَا أَرّقَ الشِّعرْ بونها
ويرفل شاعراً يتلبس الشعر والبون والبين البعد في المسافة والزمن
6 - أَشَفتْ لَياليهَا فَإِنْ سَاهَرَتْ بِهَا
قوافيَّ.. يَشْجَى فِي القوافي لُجَينها
أشفت: بالشوق والوجد، وقوافي الشاعر تساهر ليالي نجد فتشجيها بالقوافي.. والشجي حزين واللجين فضة. والله يعطي الشاعر العافية.
7 - وَمَا نجْدُ إلا كَوْثَرِيُّ غَمامَةٍ
نَدِيَّةُ أعْطَافٍ، سَنَاهَا وَسِينُهَا
وهذا تشبيه بليغ وما وإلا للقصر والحصر والكوثر نهر في الجنة أو الخير الكثير. قال تعالى:{ إنا أعطيناك الكوثر}
والأعطاف الجوانب والسنا والسناء بمعنى واحد العلو والضوء.
8 - وَمَا نَجدُ إِلاَّ المُقمِرَاتُ إِذا صَفَت
بُدُورُ لَيَالِيهَا تأرجّ زينُها
والمقمرات الليالي المقمرة والبدور: هو بدر واحد يوم الرابع عشر ليلة الخامس عشر من الشهر الهجري تأرج زينها وتعطر جمالها ولا أجمل من ليالي نجد:
أَقُولُ لِصَاحِبي والعيسُ تَهوِي
بِنَا بَيْنَ المُنِيفَةِ والصِّرارِ
تَمَتَّعْ مِنْ شَمِيمِ عَرَارِ نجدٍ
فمَا بَعْدَ العَشِيَّةِ مِنْ عَرَارِ
أما ليل نجد:
فَإِنَّ اللِّيْلَ أحْسَنُ مَا تَرَاهُ
وأَقْرَب مَا يَكونُ مِنَ النَّهَارِ
وهذا قبل النيونات والنجف.
أعود وأقول (وما نجد إلا المقمرات) في النحو، هذا يسمى الاستثناء المفرغ (الكلام منفي ولا مستثني منه في الجملة) ويعرب ما بعد إلا حسب موقعه من الجملة بحذف ما وإلا.
وفي البلاغة هذا قصر: ما قبل إلا المقصور وما بعدها المقصور عليه .
9 - فَيَا مُسْتَهِلاَّت الطُّيوف أَعِطْرُها
تَعَتَّق في الأَفياء.. شَمْسٌ تُبينُها
والاستهلال رفع الصوت (وليس هذا المطلوب هنا) أو البدء (ويقال براعة الاستهلال وحسن الختام) والطيف الخيال والشمس تبين الأفياء فتذهب الظلال والأجواء معطرة والقصيدة كلها عبقة بالعطر وعسى من كثرتها ألا نصاب بالحساسية. أما الطيف فقد ذكرت معه هذا البيت:
أَلْعُمْرُ مِثْلُ الطَّيْفِ أَوْ
كَالضَّيْفِ لَيْسَ لَهُ إقامَهْ
ولا أنصحه بالخروج من البيت بدون إقامة حتىلا يمسك به شرطَةُ الجوازات.
10 - أَمِ الرِّيحُ إِنْ هَبِّتْ شَآماً فَوَاجِدٌ
مَشُوقَ غمامات الهَوَى كَيْفَ غَينُهَا
أما الريح الشآمية (الشمالية) فدرجة الحرارة تحت الصفر والجوع يظهر ويظهر معه الكرم والعرب يفتخرون بالكرم مع هبوب الريح الشمالية،قال الأخطل:
وَلَقَدْ عَلِمْتِ إِذَا الرِّيَاحُ تَناوَشتْ
هُوج الرِّمالِ /تَكُبُّهُنَّ شِمالاَ
أنا نُعجِّلُ بالْعَبيطِ لِضَيْفِنَا
قَبْلَ العِيَالِ/ وَنَبْذُلُ الأموَالا
العبيط كتل اللحم المطبوخ بالمرق.
ملاحظة: كل بيت من البيتين السابقين عبارة عن بيتين فلو قرأت البيت الأول إلى الخط لكان بيتا من مجزوء الكامل، وكذلك البيت الثاني. أما البيتان كاملان فهما من الكامل. قالوا هذا أعجز الشعراء مثله ونعود لريح الشمال:
لَقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ وَالْمُرْملُون
إِذَا اغْبَرَّ أفْقٌ وَهَبِّتْ شِمالا
بأنْك الربيعُ وَغَيثٌ مَرِيعٌ
وَانَّك دَوْماً تكون الثُّمالا
والمرملون: الفقراء المعدمون ومنه الأرمل
بأنْك: بِأنَّك وإذا خففت أنَّ لم تعمل وقد تعمل وكذلك كأنّ:
وثغرٍ مُشْرِقِ النّحْرِ
كَأنْ ثَدْياه حقَّانِ
مشوق غمامات الهوى، ونرجو من الله السقيا إذ إن ريح الشمال تكون باردة جدا ولا تختفي الا بنزول المطر. كيف غينها والغين لغة في الغيم والغين هو الحرف التاسع عشر من الحروف الهجائية والحرف الأخير من الحروف الأبجدية وقيمته (1000).
11 - أَلاَ يَا صَباهَا فَالصَّبَابَاتُ صَافني
مُنَعَّمةَ الأثْوَاب للّه دِينُها
والصبا كنا عرضنا لها فيما سبق والصبابات جمع صبابة وهي الرقة والاشتياق ،ألا حرف عرض هلاّ حرف تحضيض: ألا تزورني (سيان الزيارة وعدمها - عزومة مراكبية كما يقول إخواننا المصريون أو عزومة (دمايطة) أهل دمياط ،هلاّ آكد في الدعوة.
12 - سُحيراً تَنَاجيْنا.. أَيا نَجْدُ هَفْهفَتْ
قَنَاديل وِرْدٍ في الشتَا مَا شُجُونْها
وسحير تصغير سحر والسحر قبيل الفجر واشتداد الظلمة وسحيراً التصغير للتقريب هفهفت القناديل: لعله تحرك لهيبها من الهواء والشتا تخفيف من الشتاء ضرورة شعرية وضعف والشجون: من الحمامة النواح (صوتها) والشجن الحزن. وسمعت في مقابلة مع الفنانة شيرين أن اسمها كان (أشجان) وان أحد المختصين أفهمها أن اسمها معناه أحزان فغيرته إلى (شيرين) وهو فارسي بمعنى حلوة (sweet) في الطعم وجميلة (beautiful) بالشكل. والطرشي بالمناسبة (المخلل) ومعنى طرش أو (ترش) بالفارسي الحامض.
13- فَمَعْرُوقَةُ الْخَدَّيْنِ.. أَفْدِي غَمَامَها
وَرَيَّانَةُ العِرِقِ الْمُؤَرَّجِ لَوْنُها
معروقة الخدين وصف للفرس: قال شاعر:
قَدْ أَشْهَدُ الْغَارَةَ الشَّعوَاءُ تَحْمِلُني
وَجْناءُ مَعْرُوقة اللِّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ
قد هنا للتحقيق مع أنها قبل المضارع. قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} (18) الأحزاب
والقصيدة تعج بذكر الغمام والغيم والشجر الريانة عروقه والمعطر (أما عطر اللون فلعله من الماكياج :أصبغة معطرة).
14 - أَوَرَداً بِنَجْدٍ ذِي الْقَوَافِيَ أُرِّجَتْ
بِنَجْدٍ لَيالِيها وَأُرِّجَ لَوْنُها
والبيت معقد ولفك طلاسمه لا بد من إعادة الضمائر إلى أهلها: لياليها: ليالي نجد وأرج لونها. والشاعر كما يظهر يعشق الأريج والعطور ويأتي بمعنى الضجة وبمعني (إشعال الفتنة) والشاعر إلى الآن كرر الأريج أربع مرات وقلنا ان القصيدة مؤرجة (معطرة) ولكن حتى تكرار الأريج ممل.ذي القوافي أرجت ذي: هذي وهي في محل رفع مبتدأ والقوافي بدل ولكنّ نصبها لحكمة يعلمها الشاعر. والورد جمع وردة مثل شجرة وشجر. وتجمع الوردة على ورْدات بتسكين العين لأن أولها حرف علة (الواو) إما إذا كان أول الاسم المؤنث حرفاً صحيحاً فيجمع على فَعَلات:
بِاللّهِ يَا ظَبَيَاتِ الْقاع قُلْنَ لَنَا:
لَيْلايَ مِنْكُنَّ أو ليلى من البَشَرِ
قلن: فعل أمر حذفت الواو لالتقاء الساكِنين. وقلن الماضي حذفت واوه لأنه أسند إلى ضمير رفع متحرك.. ليلاي منكن أم من البشر مبالغة والأصل ليلى من البشر أم منكن.
15 - فَيَا سَاهِراً مَا النّجْمُ مُؤْتَلِقاً بَدَا
بأشْهَى مِنَ القِنوَانِ.. غُرٌّ سِينُنَها
والفاء للترتيب والتعقيب، سَاهراً منادى نكرة غير مقصودة منصوب، ما نافية مشبهة بليس ،وأخواتها: (إن ولا ولات) مؤتلقا: لامعا ومضيئاً مثل (متألقا). ما هنا حجازية ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، مؤتلقا هنا حال وأما الخبر فهو بأشهى: الباء زائدة وأشهى مجرور لفظا منصوب تقديراً.
وتأتي ما تميمية ويأتي بعدها مبتدأ وخبر مرفوعان مثل قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} (144) آل عمران.
والقنوان: جمع القنو وهو العذق بما فيه من الرطب وقال تعالى:
(ومن النخل من طلعها قنوان.. الآية وتشبيه النجم بالقنوان تشبيه مقلوب مثل قول البحتري:
كَأنَّها حِينَ لَجَّتْ في تَدفُقِّها
يَدُ الْخَلِيفَةِ لَمَّا سَالَ وَادِيهَا
حيث شبه البركة بيد الخليفة.
وغُرٌّ سنينُها هُناكَ لغةُ ضعيفة في معاملة سنين معاملة جمع التكسير فترفع بالضمة لكن الأشهر أنها ملحقة بجمع المذكر السالم فترفع بالواو وتحذف نونها عند الإضافة فيقال (سنيُّها).
غُرُّ سنينها: تصلح مبتدأ وخبراً أو مبتدأ وسنينها فاعل سد مسد الخبر لأن غر جمع غرّاء (شديدة البياض) صفة مشبهة باسم الفاعل قال ابن مالك رحمه الله:
مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ
إنْ قُلْتَ: زَيْدٌ عَاذِرٌ مِنَ اعْتَذَرْ
وَأَوَّلٌ مُبتدأٌ وَالثَّانِي
فاعلٌ اغْنَى في: أَسَارٍ ذانِ
ذان يعني هذان.
16 - تَوَرَّدَ حَاليهَا فَمَازَجَ سُكَّراً
بِوَرْدِ شِفَاهٍ .. لاثم الوَرْدَ طِينُهَا
والحالي (بمعنى الحلو) استعماله أكثر (عامي) والورد زيادة في العطر وكنت اعترضت على العنوان فليت الشاعر سماها (المعطرة) وإن كان في هذا البيت (طينها) فلو وضع التراب لكان أنسب. الشفاه وردية .لاثم: صيغة فَاعَلَ تفيد المشاركة بعكس لثم فأحدهما لثم الآخر. فالطين لاثم الشفاه الوردية وأكيد (طيًّنها وسخَّمها).
17 - عَلِيلان جَفْنِي والرَّوِيُّ تَغَازَلاَ
فتشْفِي الرويَّ الْعَيْنُ سِرّاً أكُونُهَا
عليلان: سلامة جفنك أنت والرويّ (ويقصد به الشعر) والروي الحرف الملتزم في القصيدة وللذكرى فكم أحزن على حبيب فريد الأطرش وهو يقول:
حَبِيبي سِلاَمْتَكْ .. سَلامة ابْتسامْتَك
تِنَوًّرْ حَيَاتِي وِتِطْفي آهاتي
كلام جميل (من أغنية وفيلم حكاية غرامي) والبيت من البحر المتقارب.
وأحزن مع سميرة توفيق (أو سلوى) تغني:
بِيًّا وَلاَ بيك ريتِ الوَجَعْ يا زينْ بِيَّا وَلاَ بيك
لاسْهَر وَادَاويكْ..
18 - تَصَابَتْ عَلَى وَجْدٍ مِنَ الرِّئْمِ لَيْلَتِي
فَيَا نَجْدُ خَالاً أنْتَ في الأرضِ عَيْنُهَا
تصابى: ادعى الصبا والوجد: العاطفة والرئم: ولد الظبي والخال الشامة وعينها إنسان عينها أو العين - واحسبوها بمعرفتكم.
يلاحظ تكرار الرئم في القصيدة.
19 - إِذَا اشْتَجَرَ الطَّلُّ النَّدِيُّ بِخَاطِرِي
ونَفْحُ الخُزَامى جَرَّحَتْني ظُنُونُهَا
اشتجر: تداخل بعضه في بعض والطل الندى ونفح الخزامى: هبوب رائحة الخزامى. الطل هو الندى وصف الشيء بنفسه. ظنونها: ظنون خاطره، ظنون نفسه؟ والطل مقابل الوابل: قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} (265) البقرة.
قال الشاعر:
فَيَا قُوتَ الْقُلُوبِ فَتكْتَ فيهَا
وَفَتْكُكَ في فُؤَادِي لا يَحِلّْ
قَلِيلُ الْوَصْلِ يَنْفَعُها فَإِنْ لَمْ
يُصبْها وَابِلٌ مِنهُ فَطَلُّ
وكان لرجل جارية وعبدان أحدهما اسمه وابل والآخر طل، قال الرجل لمولاته:
ممّن أزوجك؟ قالت: فإن لم يصبها وابل فطل.
20- وَإنِّي بِنَجدٍ خَمْسُ لَوّعْتُ بُرْدَهَا
بِنَجْم قَصِيدي.. لَوَّعَ الْقَلْبَ جُونها
وعملي في هذه القصيدة الشرح والبيان: يشير الشاعر إلى إقامته بنجد خمس سنوات ولولا هامشه ما عرفنا هذه الخمس والخمس كناية عن الكف: قال شوقي في سينيته:
لَمْ يَرُعني سِوَى ثَرَى قُرْطُبِيٍّ
لَمَستْ فِيهِ عِبْرَةَ الدَّهْرِ خَمسِي
واللوعة حرقة الشوق والبرد الثوب. والجون الأسود لعله يقصد حبات القلب.
21- سَحَاباتُ مِسكٍ وابْتهالاتُ وَاجدٍ
بِنَجدٍ مَحَاريبُ التُّقى هَا سَفينُها
والقصيدة كلها تعبق بالعطر أما محاريب التقى ومساجد نجد فأين سرت تجد المساجد والمحاريب والمآذن. والسفين جمع سفينة (وأنا أسير في معالجة القصيدة) كما قال الشاعر:
ما لِلظَّعائِنِ مَشْيُهُنَّ تَزَحُّفُ
مَشْيَ السَّفينِ إذا تَقَاعَسَ يُجذَفُ
22 - أُعلِّلُ قَلْبي بالغِلالَةِ إنْ هَفَتْ
أَعِشْقاً فَأَنْتِ - الدَّهْرَ - في العِشْقِ عَينها
والغلالة ثوب رقيق، وكفانا الشاعر مؤونة الشرح الطويل بالعين أول حرف من العشق. ولا يصلح العشق بغير العين.
قلت ولا تصلح مفردة العشق بغير الشين ولا القاف أيضا فالدليل ليس جامعاً مانعاً. الدهر: ظرف زمان - يعني طيلة الدهر.
23- فَإن جُزِئَت فَالعشقُ شِقٌ فَأَبغِها
أَيا رب تسبِي الجَازيَاتِ مُتُونُها
ولكن لاحظنا كثرة التكرار في القصيدة فهذا العشق مكرر والمعنى كما شرحه مكرر تلازم مفهوم العشق وحرف العين. والشق: نصف الشيء.
وفي الحديث الشريف :(من لم يعدل بين زوجتيه جاء يوم القيامة وشقه مائل)- أو كما قال صلى الله عليه وسلم والجازية - في المعجم - الثواب والمتن الظهر قال إسماعيل صبري:
طَرَقتُ البابَ حتى كَلَّ مَتنٍي
فلَما كَلَّ مَتني كَلَّمتني
فَقَالت: لي: أَيا اسماعيل صَبراً
فَقُلت لها أَيَا اسمَا.. عِيلَ صَبري
والمتن النص الأصلي ويكون عليه هامش وحاشية.
24- أريبةُ هذِي الأَنجم الزُّهرُ إن شَدَت
وَفَاتِنَة النّجوى.. سُهيَلٌ قَرِينُها
والأريبة: الماهرة البصيرة. سُهيَلٌ قَرِينُها. سهيل: الزهرة أو نجمة الصبح كناية عن طول السهر. قال أبو العلاء:
وَسُهَيل كَوَجنَةِ الحِبّ في اللَّونِ
وقَلَبِ المُحبِّ في الخَفَقَانِ
وهو أحمر ويخفق (يتحرك) ضوءه
مُستَبدُّ كَأنَّه الفارِسُ المُعلَمُ
يَبْدُو مُعَارِضَ الفُرسَانِ
25- فَعُدْ بيَ وكَّافَاً عَلىَ سَعفِ نَخلَها
وَياشِعرُ يُعيي في المَعَاني جَنينُها
ووالله أعياني شعرك يا العمري. أما الوكاف فهو الهاطل: وفي الموشح:
كَبِدٌ حَرَّى وَدمع يِكفُ
يَذرِفُ الدَّمعَ وَلاَ يَنذَرِفُ
أُيَّها المُعرِضُ عَمَّا أَصِفُ
قَد نَمَا حُبّي بِقَلبِي وَزَكَا
لاَ تَقلُ في الحُبِّ: إنّي مُدَّعي
وجنين المعاني مخفيها، ولقد خفيت عَلَي معانيك حتى خشيت أن أسألك: لم تقول مالا يفهم؟ فتجيبني: لم لا تفهم ما يقال.
26- وَأبرِد عَلَى شَطَّ النَخيلُ تُرابَها
بِوَاكِفَةٍ.. غادٍ عَلىَ السَّعفِ لِينُها
ويلاحظ التكرار أيضا. لينها: لعلّه المطر (هنا) وغادٍ: هاطل. قال ابن زيدون:
يَا سَارِيَ البَرق غَادِ القَصرَ فَاسقِ بِه
مَن كَانَ صِرفَ الهوى والوُدِّ يَسقِينَا
27- وَيَانَخلُ حَدّثنِي نَضِيداً مُنَعما
رُضَابيَّ أَوصَافٍ غِزَارٍ فُنُونُها
قال تعالى:(والنخل باسقات... الخروج).
والنضيد التمر المنضد. الرضابي: الرضاب: الريق والريق المرشوف ورغوة العسل. قال أحمد رامي في ترجمته لرباعيات الخيام من ألحان رياض السنباطي وغناء أم كلثوم:
أَطِفئ لَظَى القَلبِ بِشَهدِ الرِّضَاب
فَإنَّمَا الأَيّامُ مِثلُ السَّحاب
وَعَيشُنَا طَيفُ خَيَالٍ فَنَلْ
حَظَّكَ مِنهُ قَبلَ فَوتِ الشّبَاب
ويقصدون بالرضاب ريق الحبيب: (قرف).
28- أَيَندَى الغَضَى -جَمرُ الغَضَى ما دِثارُهُ
غُلاَلَتُهُ جَفنٌ.. وَريّاهُ رَينَها
والغضى يضرب المثل بحرّ ناره وكان المطرب محمد عبده يتقلب على جمر الغضى في أول حياته الفنية في أغنية (لنا الله).
والدثار الغطاء وأحسن دثار الجمر اللحم يشوى عليه. أما الرَّين فهو الدنس والرين القسوة -والله أعلم.
29- وهَذِي حَمَامَاتٌ عَلَى الغُصُنِ التي
تّدثَرَ جِلبَاباً نَدِيا وأينُها
والأين الضعف والحمامات أقل من الحمام. وجميل تدثر جلباب الغصن بالندى. قال أبوالطيب:
مَنِ الجَاذِرُ في زيِّ الأعَاريبِ
حُمْرُ الحُلىَ والمطَايَا والجَلابيِبِ
ومنها:
مَا أَوجُهُ الحَضَريَّاتِ الحِسَان بِهَا
كَأَوجُهِ البدَوِيَّاتِ الرَّعَابِيبِ
حُسْنُ الحَضَارِةِ مَجلوبٌ بِتَطرِيةٍ
وَللِبَدَاوِةِ حُسنٌ غَيرُ مَجْلُوبِ
30- وَبالرَّملِ مَشغُوفٌ بِها يَا مُؤرَّقاً
مُضَمّخةً أَنداؤه.. أو ضَنِينها
والقصيدة تنتقل بنا من العطر والطيب الى الطين والرمل ،مشغوف بها أو ضنينها محب لها ضنينٌ بها.. بالحمامات، مؤرقاً من السهر: وهو منادى شبيه بالمضاف منصوب. وأنداؤه نائب فاعل لاسم المفعول.
31- اضِنُّ بِنَجلاوَينِ.. لا َنِدَّ لاَجَوَى
فَما ظَنُّ جَافٍ.. يَا جَوى كَانَ كَونها
والنجلاوان العينان: متسعتان جميلتان والجوى شدة الشوق والبيت يسمى البيت الجيمي. بالمناسبة كان النقاد يكرهون استعمال أيضا في الشعر حتى قال أبو فراس:
رُبَّ وَرقَاءَ هَتُوفٍ.. في الضّحىَ
ذَاتُ شجو هَتَفَت في فَنَنِ
ذَكرَت إلفاً وخِلاّ رَاحِلاً
فبَكَت حُزناً فَهَاجَت حَزَني
فبُكَائي رُبَّما أّرَّقَها
وَبُكَاهَا رُبَّما أَرَقِني
وَلَقد تَشكو فَما أَعرفُها
وَلقَد أَشكُو فَما تعرفُنِي
غَيرَ أَني بالجَوَى أَعرِفُهَا
وَهيَ أيضاً بالجَوَىَ تَعَرفُني
32- يَقُولُونَ هَلاَّ شِبتَ يَا سَعفَ نَخلِهَا
فَيَا نَخلَ وَادِيها.. صِباً.. تِه وَنَوُنُهَا
ونلاحظ تكرار السعف والنخل والوادي والنون وكل ذلك لإلزام الشاعر نفسه بالغريب.
33- أَنُونٌ بِعينٍ أَمْ بِنَجدٍِ فَهاتِهَا
كَنُونَي كَعابٍ.. مَرمَرِيٍّ رَنِينُها
ولا حاجة للتعليق كثيراً على العين والنون، أما الكعاب والكعوب فالفتاة نهد ثدياها والرنين لعله للخلخال:
إذَا قُلتُ: هَاتِي نَوِّلِيني تَمَايَلَت
عَلَيَّ هَضِيم الكَشح رَيّا المُخلخَلِ
هضيم الكشح: ضامرة البطن، المخلخل: الجزء من الساق الذي يلبس به الخلخال فوق الكعبين:
يا زَرِيفَ الطُّول ويا رُمح الخَيَّال
دَعسَت عَ الجِسِر قَامِ الجِسر مَال
مِن ثِقلِ الخِلخَال الجِسر انثَنى
هذه واحدة والأخرى: ولولع الشاعر بالنون نهديه هذين البيتين:
أحسن بَحرفِ النُّونِ يَك
تُبُهَا جَمِيلُ الخَطِّ كاتِب
وَيَخُطهَا مَقلوُبةً
فَكَأنَّها عَينٌ وَحَاجِب
وليست مقلوبة الفلسطينيين بالأرز واللحم والحمص (البليلة) والباذنجان أو الزهر (القرنبيط) والصنوبر المقلي.
34- فَذا الشَّادِنُ المُلتاعُ رُوِّعَ مَا ارتَوى
مِنَ الرِّيحِ لكن مِن نَدَى سَل أُبِينُها
والشادن الملتاع: الظبي المشوق، ولتُبيّن دُون سؤال.
فالكرم هنا لا يحتاج الى سُؤَال
35- نَدَى في ثَرىَ نجدٍ.. فَأندَى صَبَابةً
فَبَاسِقةٌ جَذلَى.. فإنّي مُبينُها
وهاهو أجاب طلبنا في البيت السابق.
36- وَهَلْ سُندُسٌ أَعيَا بشِعرِي صَبَابتي
مُوَلهةٌ.. راءٌ.. وَعينٌ.. وَشينُها
والسندس رقيق الحرير. قال تعالى: {مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} (53) الدخان. والشعر: هو الشين والعين والراء.
37- فَشينٌ وَعَينٌ ثم رَاءُ فَيَا ضحى
هَوَ الشِّعر نَجدٌ في القَوافي يَقينُهَا
تكرار كثير ونحن مع الشاعر في مدح نجد
38- نَدِيّةُ بان.. مستفيضاتُ نَخْلِها
فُتُوناً فَشَقَّت أُفقَ شِعِري.. يَمِينها
والبان شجر باسق لين:
غُصنُ بانٍ مَالِ من حَيثُ التَوى
مَاتَ مَنَ يَهواهُ مِن فَرطِ الجَوَى
خَفِقُ الأحشاءِ مَوهُونُ القُوى
كلَّما فكَّرَ في البين بَكىَ
وَيحَهُ يبكي لما لم يقعِ
39- بأنّي إذا وافت قوافٍ لبيدها
فأنجُمُها.. غُرُّ القَوَافِي تكُونُها
ولبيد: لبيد بن ربيعة - رضي الله عنه - شاعر مخضرم عاش في الجاهلية والاسلام صاحب المعلقة التي مطلعها:
عَفَت الدِّيارُ محلُّها فَمُقَامُهَا
بِمِنَى تَأَبَّدَ غَولُهَا فرِجامُها
عاش طويلاً وترك الشعر منذ أسلم إلا بيتين ذكر في الأول ملله من طول عمره:
ولقد سئمتُ مِنَ الحيَاةِ وَطُولِهَا
وَسُؤَال هذا النَّاسِ كَيفَ لَبيدُ
وفي الثاني يحمد الله على الإسلام:
الحمدُ لله إذ لَم يأتِني أجَلي
حتى اكْتسيتُ من الإسلامِ سربالا
ولما سئل عن تركه الشعر قال: في البقرة وآل عمران مايغني عن الشعر ويضرب به المثل فيقال (أشعر من لبيد). قال الشافعي رحمه الله:
وَلوَلا الشِّعرُ بالشُّعراء يُزري
لكُنتُ اليومَ أشعرَ من لَبيدِ
40- نَديّةُ بَانٍ.. جَل من آد نَخلَها
رُضَاباً مُفَوَّفةً ريّاه آناً وتينها
والبيت فيه خلل فني في الوزن إلا إذا كانت (رضاباً) دخلت في البيت سهواً ومع ذلك (مفوّفةً) حتى يستقيم الوزن لابد من تسكين الفاء الثانية
41- أَلاَ يَا حَمَاماتٍ.. رَفيفاً فزَورةً
بِقَلبِي نجدٌ فالمجاني فلونُها
ونداء الحمامات قديم (ألا يا حمامات اللوى زرن زورة) رفيفاً, وزورة كل منهما مفعول مطلق لفعل محذوف (رفّي وزوري).
أما بعد:
فقد هدّت قصيدة العمري (حيلي) وأوهنت يدي (صادقاً) وأرهقت ما بقي من عينيّ، ويا سيدي: أما رأيت شواهدنا أيسر وأسهل تناولاً وأقرب الى الفهم من شعرك، وكأنك لا تعيش في عصرنا، اسمع ماذا يسمع الشباب:
-ماشرَبشِ الشاي أشرَب أزوزه أنا,
-أَخَصمَك آه، أسيبك لأ،
-هالسيارة مش عم تمشي
بدنا حدا يدفشها دفشي.. إلخ
ويا صاحبي أهديك أخيراً أبيات صفي الدين الحلي عندما رد على من اتهموه بعدم معرفة الغريب من الشعر.
إنما الحيّزَبونُ والدّردبيسُ
والطَّخا والنقاخُ والعَطلَبيسُ
والسبنتى, والحقصُ، والهيقُ
والهجرسُ والطرقسانُ والعسطوس
لغةٌ تنفر المسامعُ منها
حين تُروى وتشمئز النفوسُ
وقبيحٌ أن يُذكَرَ النّافرُ الوَح
شيّ منها ويُترَكَ المأنُوسُ
أينَ قولي: هذا كثيبٌ قديمٌ
ومقالي عقنقلٌ قَدموسُ
لم نجد شادياً يُغنّي قفا نَب
كِ على العود، إذ تُدارُ الكؤوسُ
لا ولا من شدَا أقيمُوا بَني أُ
مّي، اذا ما أديرت الخندريسُ
أتراني إن قلت للحب يا عل
ق درى أنه العزيزُ النفيسُ
أو إذا قلتُ للقيامِ جلوسٌ
عَلِم النَّاسُ ما يكونُ الجُلوسُ
خَلِّ للأصمَعيّ جوبَ الفيافي
في نَشافٍ تجِفّ فيه الرّؤوسُ
وسؤال الأعرابِ عَنْ ضَيعةِ اللف
ظ إذا أُشكِلت عليه الأُسوسُ
درستْ تِلكمُ اللغاتُ وأمْسى
مَذْهبُ الناسِ ما يَقولُ الرَّئيسُ
إنما هذه القلوبُ حَديدٌ
ولَذيذُ الألفاظِ مِغْناطيسُ
الحيزبون: العجوز. الدردبيس: الداهية، الشيخ: العجوز الفانية. الطخا: السحاب المرتفع.
النقاخ: الماء البارد الصافي. العطلبيس: لم نجدها.
السبنتى: النمر. الحقص: الشد. الهيق: الطويل من الرجال المفرط الطول والظليم. الهجرس: القرد, الثعلب، الدب. الطرقسان: لم نجدها. والعسطوس: شجرة كالخيزران.
|