الخطأ الصغير قد يؤدي إلى خطر أكبر يفضي إلى التهلكة ويرقى إلى درجة الخطيئة.
ففي 1424هـ كنت برفقة ابنتي تؤدي للمرة الأولى فريضة الحج وأؤدي حجتي للمرة الثالثة في حياتي.
كان الوقت ظهراً، وأخاله يوم جمعة، وقد احتشد الحجاج كعلبة سردين أمام الجمرة الكبرى يقذفون في وجه الشيطان حُصِيَّهم.
الأجساد متلاصقة لا تكاد تتحرك.. كنت على مقربة من رمي الجمرات تدفعني الأمواج البشرية إلى الأمام دون أن أقدر على الحركة.
في حزامي الذي شددته على خصري بقوة هاتف جوال أخذته للضرورة أودعته داخل جيب محكم، وحجبته بنوط الإحرام حرصاً على سلامته من الأيدي العابثة التي تمتد إليه خلسة.. كان ما توقعت.. اليد العابثة استطاعت أن تصل إليه في غمرة الزحام الخانق.. أحسست بحركتها دون أن أقوى على ردها..
سقط الهاتف بين الأقدام المتراصة.. حاولت في غباء الانحناء بحثاً عنه والتقاطه.. لحسن الحظ اجتذبتني شهامة أحدهم وأعادتني إلى صوابي بعد أن كدت أقع وتدوسني الأقدام.. وأنا لا أكاد ألتقط أنفاسي سألني آخر على مقربة مني:
- عن ماذا تبحث؟
أجبته.. وأنا أرتجف خوفاً وغضباً:
- لقد سقط مني هاتفي الجوال.
وبشهامة الرجال حنى ظهره يتحسس الأرض بصعوبة.. والتقطه بعد أن وطأته بعض الأقدام.. وتركت بصماتها على شاشته، وعلى جهته العليا إن صح هذا التعبير.
الهاتف لم يمت فما زال يتكلم ويتألم لجراحه.. أحتفظ به كشاهد على واقعة كدت أدفع ثمناً لها حياتي.
أكثر ما أحسست به من ضائقة وألم ألاَّ يكون للحج بجلاله وقدسيته حصانة تردع النفوس الضعيفة من التطاول على جيوب الناس.
موقف ديني إيماني يتحرك فيه اللصوص دون خشية من العقاب.. ربما لأن القصد من حجهم أن يعودوا بغنائم محرمة لا علاقة لها بالحج وما يدعو إليه من مطاردة الشيطان ورميه بالجمرات.. إنهم شياطين يستحقون الرمي تماماً كشيطان اللصوصية.. أعترف بغبائي؛ فهو مطية ارتباك وهلاك.. احذروه، وحذِّروا منه..
|