* الجزيرة - التحقيقات:
استكمالاً لما بدأناه عندما تحدث عدد من المشايخ ورجال العلم والفتوى عن مشكلة الزحام في رمي الجمار وما يواجهه الحجاج من مشكلات في كل عام بسبب تدافع آلاف الحجاج في وقت واحد ومكان واحد من أجل الإسراع في رمي الجمار..
ننشر اليوم آراء عدد من العلماء والمختصين حول امكانية إيجاد الحلول المناسبة وكيف يمكن لنا تجاوز تلك الإشكالية التي باتت تؤرقنا في كل عام مع إيراد بعض المقترحات والحلول الهندسية لما يمكن أن تكون عليه الجمرات سواء من خلال مشروعات التوسعة أو بناء أدوار جديدة للرمي أو اقتراح طرق حديثة لأداء هذا النسك وفقا للرأي الشرعي وما يجيزه الفقهاء والعلماء من رخص وفسح للحجاج في المشاعر المقدسة.
فتعالوا معنا إلى الجزء الثاني من هذا الموضوع:
******
بداية تحدث عن قضية توعية الحجاج قبل وصولهم للديار المقدسة الداعية بفرع وزارة الشؤون الاسلامية بالقصيم الشيخ حمد بن ابراهيم الحريقي فقال:
لاشك ان على علماء الدول الاخرى واجب في قضية توعية الحجاج وارشادهم في مناسك الحج وفي الحقيقة امر ربما غاب عن كثير من علماء تلك الدول العناية بتوعية الحجاج بآداب الحج وسلوكيات الحاج واهمية مراعاة الحجاج الآخرين واحترامهم والرفق بهم اقتداء بقول نبينا صلى الله عليه وسلم :السكينة السكنية لما دفع من عرفة الى مزدلفة.
والناظر في واقع حجاج بعض الدول خصوصا في منسك رمي الجمار يرى انهم يأتون جماعات كبيرة ربما تصل أحيانا الى المائة من الحجاج او اكثر وقد رأيت هذا بعيني فمثل هؤلاء اذا رموا الجمرة فانهم سيدخلون للرمي جميعا وسيخرجون جميعا وحرصا منهم على عدم التفرق وخشية الضياع فانهم لا ينظرون الى غيرهم بل يزاحمون من يزاحمهم وربما وطئوا من كان امامهم كل ذلك حتى لا يحصل تفرقهم ولكن ولو كان لهؤلاء توعية وان عملهم هذا ينافي اخلاق المسلم الذي يحرص على عدم أذية غيره حيث قال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ولنقل انهم تفرقوا وحصل الضياع بينهم فان الدولة رعاها الله قد وفرت مقرات للتهائين فما عليهم الا مراجعة تلك المكاتب ليجدوا من فقدوه لذا اقول: ان على علماء تلك البلاد ان يحرصوا على هذه الناحية وكذلك النواحي الاخرى من قضية احترام انظمة البلاد والحج والمشاعر من الافتراش وغيره.
وياليت ان هذا الامر يتم على مستوى الوزارات هنا في بلادنا وفي البلاد الاخرى خصوصا من يأتي منها اعداد كثيرة فتشترك وزارة الشؤون الاسلامية مع وزارة الحج في بلادنا لارسال وفود الدول مع مطلع شهر شوال لاقامة دورات تثقيفية عن الحج وعن كيفية اداء الحج والتعريف بالامور المتعلقة بذلك وخير من يقوم بذلك هم أبناء بلدنا حيث إنهم من اعرف الناس بالانظمة اولا ثم هم اعرف الناس ببعض الامور المتعلقة بالحج وتبسيط صورة الحج للجميع ثم ان الدولة وفق الله القائمين عليها والمسؤولين فيها لكل خير ليحرصوا كل الحرص على راحة الحجيج وسلامة الحجاج وهذا أمر يصدقه الواقع فمن رأى المشاعر المقدسة والتطور الحاصل فيها لخير شاهد على ذلك وما الانفاق والجسور والخيام المطورة والمستشفيات والمراكز الصحية ومراكز توعية الحجاج وغيرها الا خير شاهد على حرص الجميع على سلامة الحجاج وراحتهم وما حصل من تدافع في جسر الجمرات إنما هو بقضاء الله وقدره وأمر كتبه رب العالمين تعالى ثم هو ليس بغريب ان يحصل مع هذا الزحام وضيق المكان وكثرة الاعداد ثم ألم يحصل من وفيات في زحامات مشابهة في دول أخرى؟
ثم هنيئاً لمن مات في هذه البقاع المقدسة وهو على عمل صالح بل هذا وسام شرف لهم جميعا فسيبعثون يوم القيامة ملبين على ما ماتوا عليه لنسأل الله الكريم من فضله وأقول لكل مسلم مات له أحد في حج هذا العام ابشر بالخير وانما حصل خير من الله تعالى لمن مات لك ولا نقول الا (إنا لله وإنا اليه راجعون).
بسبب الأخطاء
ثم تحدث عن هذا الموضوع مدير فرع وزارة الشؤون الاسلامية بمنطقة الرياض الشيخ عبدالله بن مفلح الحامد فقال: إن حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - وسمو ولي عهده الامين وسمو النائب الثاني لم تأل جهدا في سبيل توفير كل ما فيه راحة ضيوف الرحمن وأمنهم حيث دأبت منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - على بذل كل الجهود وتسخير كل الطاقات من أجل هذا الواجب العظيم الذي شرفها الله به الا وهو خدمة الحرمين الشريفين؛ فالمتابع لذلك يلاحظ ما كانت عليه الطرق في الماضي وكيف أصبحت معبدة وممهدة ومتسعة وكيف كانت مناطق المشاعر وما بها من جبال وأودية وتلال، وكيف أصبحت حيث الانفاق العظيمة التي لايوجد لها مثيل في العالم والتي شقت وقطعت الجبال الشاهقة لتصل مناطق المشاعر بعضها البعض مقربة المسافات بين عرفات ومنى ووصولا الى الحرم المكي الشريف وإقامة المنشآت والمرافق الاخرى التي من شأنها ان تعين الحجاج على تأدية مناسكهم بكل يسر وسهولة هذا فضلا عن التوسعة العظيمة للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة التي تعد بحق أكبر توسعة في تاريخ الحرمين الشريفين على مر العصور الاسلامية، انفقت المملكة المليارات في هذا السبيل، وما زلنا في كل عام نشهد المزيد والمزيد من هذه الخدمات والانجازات.
ورغم ما تبذله حكومتنا الرشيدة - أعزها الله - في هذا المجال إلا انه يحدث في كل عام بعض الأخطاء من قلة من الحجاج غير النظاميين توقعهم فيما لا تحمد عقباه وذلك نتيجة عدم الوعي وعدم التقيد باتباع القواعد الشرعية والنظم المرعية في رمي الجمرات فرمي الجمرات منسك من مناسك الحج والواجب على الحجاج أن يرموا الجمرات كما يؤدون بقية المناسك بسكينة ووقار ولكن الملاحظ على الحجاج لاسيما الفئة غير النظامية التى اشرنا اليها والذين يدخلون الى منطقة رمي الجمرات متخذين من قواتهم الجسمانية وعافيتهم دفع الضعفاء وكبار السن دون ادنى رحمة هذا فضلا عن ظاهرة الجماعات المتماسكة التي تشكل كتلا بشرية تتخطى وتطأ كل ما يواجهها من الضعفاء وهنا تكمن المشكلة، فليس المشكلة ضيق المكان والزمان وانما هي تصرف هذه الفئات التي ينقصها التوعية بمناسك الحج؛ فالدين الاسلامي الحنيف دين يسر وسهولة ويجب العمل بالرخص الشرعية في الرمي فمن لم يستطع الرمي او يشق عليه من المرضى وكبار السن والنساء والاطفال فانه يوكل من يرمي عنه ومن المعروف انه يجوز تأخير رمي كل يوم الى اليوم الذي بعده خلا ايام التشريق فمطلوب توعية الحجاج حال ذهابهم إلى الرمي باستعمال الرفق والسكينة وتذكيرهم بأنهم في عبادة.
ومن الملاحظ في السنين الاخيرة تزايد أعداد الحجاج بسبب وسائل النقل الحديثة برية وبحرية وجوية مما طوى المسافات البعيدة ومايجده الحجاج من سهولة التحرك بين المشاعر المقدسة بسبب التسهيلات التي أقامتها الدولة - وفقها الله - في مناطق المشاعر المقدسة وأمام تحركات هذه الاعداد الهائلة التي جاءت من شتى انحاء المعمورة فلابد ان يترتب على تحركاتها بعض الصعوبات والسلبيات ولمواجهة هذه الصعوبات فقد أصدرت حكومة المملكة - أعزها الله - قراراً بإنشاء هيئة عليا لتطوير المشاعر في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهذا يعكس اهتمام الدولة - أعزها الله - بالعمل على بذل أقصى الجهود لتهيئة مناطق المشاعر المقدسة لمواكبة الزيادة المطردة في أعداد الحجاج والسعي الدائب للتسهيل والتيسير على ضيوف الرحمن لأداء مناسكهم في يسر وسهولة.
الزيادة بحاجة إلى المواكبة
كما تحدث عن هذا الموضوع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي - كلية الشريعة بالرياض - فقال: الحج بصفته حركة بشرية جرت فيه - كما في غيره - تحولات حضارية ضخمة في سهولة السفر والتيسير المادي، والأمن، فضلا عن ازدياد الدافع الإيماني في السنوات الأخيرة والعلم الشرعي مما جعل الأعداد تتضاعف، وطلب الخدمات يتزايد، وأعراض النقلة الكمية تتبدى في شدة زحام، أو اختناق ونحوه. والحق أن هذه التحولات تحتاج إلى مواكبة حية من الزاويتين: الاجتهادية، والمادية.
المادية: في عملية تنظيم الحجاج بتثقيفهم من قبل الجهات التي يفدون منها، في كيفية أداء النسك والتعامل مع الأنظمة، ومع الناس، وبترقية الخدمات الخاصة بالمشاعر في العمليات المرورية والأمنية وفي الإنشاءات التطويرية.
والاجتهادية: التي تقف في رسم عملية أداء المناسك عندما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: (خذوا عني مناسككم)، ولكنها تراعي المقاصد الشرعية التي منها رفع الحرج والضيق والعسر.
هل يتصور عاقل أن شريعة اليسر ورفع الحرج تلجئ إلى حصر أكثر من مليون ونصف للرمي على حوض لا يتجاوز العشرة أمتار مربعة في ست ساعات فقط بين الزوال والمغرب لمتعجلي اليوم الثاني عشر.
وأضاف الدكتور عبدالرحمن: أؤكد قضية التطوير الهندسي للمشاعر إنه رغم الأموال الطائلة التي بذلت في عمارة الحرمين إلا أن المشاعر منى وعرفات بالذات لم تتطور بالقدر المواكب لتزايد الحجاج، الجمار بعد الجسر المبني منذ سنين لم يجر فيها تطوير يذكر، عرفات الدائر المعوق للحركة،المتوه لقائدي الحافلات لم يطور بما يجعله نفقياً مستديم الحركة لإيقاف اضطراب حركة السيارات.
وينبغي أن تكون الخطط التطويرية مشتركة بين جهات عدة أمنية، ومرورية حتى لا تكون أهدافها اختزالية تحقق مصلحة لجهة وتربك جهة أخرى.
تساؤل خطير
وحول سؤال للشيخ الدكتور عبدالرحمن الزنيدي حول الزحام الخانق والتدافع القاتل في طواف الوداع ألا يكون مسوغاً لترجيح سنيته؟
حيث أجاب بقوله: أعتقد أن هذا التساؤل تطير جدَّ على الدين، وهل ذهبت الأديان وعطلت الشرائع إلا نتيجة تشذيب الأحكام الشرعية استجابة لمتطلبات الواقع التي لا تنتهي حتى يذوب الدين كله.
ينبغي على الناس أن يكيفوا أوضاعهم مع متطلبات الشريعة لا العكس، شدة الزحام في الطواف تحل بتوسيع المكان بالطواف في السطوح، بالعربة للعاجز، بالجزاء لمن عجز افتراضاً عن الطواف، ثم هناك حل أشمل وهو الحد من نسبة الحجاج إلى القدر الذي تستوعبه المشاعر، وحل التطوير. وأضاف أما عن الأمور التي تمس المشاعر فليس من السهولة الإفتاء فيها كما في توسيع أحواض الجمار ولأنها قضية ملحة فإن أمثل طريقة لحل إشكالها هو دراستها في المجامع الفقهية وارتباط دراستها الفقهية بصور هندسية إيضاحية، مع استشارة علماء الأمة وتمحيص ذلك بأوفى درجة ممكنة.
وفي الختام فإنه مهم جدا أن تقوم وزارات الشؤون الإسلامية في الدول التي يفد منها الحجاج بإعطاء دورات تدريبية وتعليمات عن المنهج الشرعي في أداء المناسك والتعامل مع الحجاج الآخرين والخروج من الزحام ونحو ذلك، والملاحظ أن بعض الدول التي لها جهود في هذا المجال مثل ماليزيا مواطنوها أبعد الناس عن ملابسة تلك المخاطر.
اقتراح
من جانبه قدم الأستاذ إبراهيم بن راشد الرقيبة بعض المقترحات التي يرى أنها مناسبة لإيجاد حلول للزحام الذي يحدث في الجمرات كل عام قائلا:
لا أحد ينكر الجهود التي يقوم بها المسؤولون تجاه المشاعر المقدسة، ومن ينكرها فهو جاحد، والدولة تسعى جاهدة في كل عام لتحسين وضع المشاعر المقدسة لتلافي الأخطاء التي تحصل من قبل بعض الحجاج الذين يتجاوزون أنظمة السير في المشاعر فمن هذا المنطلق أتى هذا الاقتراح الذي يساعد - بإذن الله - على توسعة الجمرات وعدم التزاحم في بقعة واحدة، حتى تقل الأخطار عند حصولها - لا سمح الله - وهناك من يؤيد فكرة ثلاثة أدوار، لكن سلبيات هذه الفكرة أكثر من إيجابياتها، فلو حدث أمر - لا سمح الله - في أحد هذه الأدوار فسقط بفعل فاعل لكانت النتيجة مضاعفة المأساة، فتفريق الحجاج عند رمي الجمرات أفضل لعدم مضاعفة الخطر.
وهذا الرسم التوضحي للمخطط يضاف إلى الجمرات ولا يغير في وضعها الطبيعي.
ويكمن في وضع جسور مشاة إلحاقية بجانب الجسر الأول مع الجهتين، تكون أعلى بقليل من الجسر الأول، وبينهما فاصل، ويوضع حاجز بينهما، ويوضع أنابيب واسعة حسب فائدتها لتصل إلى الشاخص في الجمرة، وتكون شديدة الانحدار، أو يكون فيها أداة دفع الحصى، كوضع سير كهربائي أو أي وسيلة أخرى، ويكون مكان الرمي متسعاً، ويوضع حاجز مانع عند فوهة الأنبوب، من الأسفل والأعلى، حتى يضمن الحجاج دخول الحصاة داخل الأنبوب وتتجمع هذه الأنابيب في مكان واحد عند الشاخص.
والرسم البياني يوضح المطلوب وقابل للتحسين والتغيير كما أنه خاضع بالطبع للرأي الشرعي الذي نقف أمامه وهو الأساس في كل مقترح أو الرأي حول أعمال الركن الخامس من أركان ديننا الحنيف.
|