قبل عيد الأضحى المبارك بثلاثة أيام، الخميس 7-12-1424هـ ، 29-1-2004هـ، تألقت الفضائيات العربية، وعلى وجه الخصوص اللبنانية منها، بتغطية حدث جديد ومستغرب في وقتنا الحاضر، أعني: ذلك الإنجاز المبهر المتمثل في صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل، وذلك الاستقبال البهيج المتميز الذي شهده مطار بيروت للأسرى المحررين.
وجه الاستغراب هنا يكمن في كلمة المحررين، لأنهم محررون بالقول والفعل، وهو حدث يسجل بالتقدير والاعتزاز للمقاومة اللبنانية الباسلة بأطيافها المختلفة.
أما الجديد والمستغرب (في آن معاً) فيتمثل في الكلمة التي ألقاها المقاوم (السيد حسن نصر الله - او ( سيد المقاومة) كما يطلق عليه الإخوة اللبنانيون، وحق لهم ذلك - في الاحتفال الذي نظم في تلك الأمسية، والتي شكلت متنفساً لنا نحن الشعوب العربية والإسلامية في ظل الهزائم والانكسارات التي لحقت بنا منذ عقود طويلة، ومازالت تُدمي قلوبنا وتنال من كرامتنا وحضارتنا وأمجادنا، وتصيبنا (برجالنا وخناجرنا) في مقاتلنا.
في تلك الكلمة، وبشموخ النصر والعزة، وعنفوان الشباب والقوة، وزكاوة الإيمان والأخلاق، تناول السيد نصر الله العديد من الموضوعات، والعديد من الملفات الحساسة التي فتحها لبرهة وجيزة، ثم اقفلها ووضع عليها بصمته الخاصة، وكان دقيقاً وواضحاً وجريئاً في ذلك، وفي كل ما تطرق إليه، فهو لم يجد حرجاً في التعبير عن احترامه لعدوه الذي حرص على استعادة أسراه ( الأحياء والأموات)، ولم يتردد أيضاً وهو يعلن أن عدوه كان يعيش حالة من الغباء السياسي عندما انسحب من الجنوب اللبناني وأبقى على مزارع شبعا, وأنه اليوم، في صفقة تبادل الاسرى، يكرر ذلك الغباء بابقائه على بعض الأسرى لديه.
وهنا يأتي موضوع الجزء الأول من عنوان هذه المقالة، وهو (الغباء السياسي)، إذ استوقفتني هذه العبارة طويلاً، منذ أن اطلقها السيد حسن نصر الله، إلى أن جاءني أحد الزملاء بجريدة الوفد المصرية الصادرة يوم السبت 6-12- 1424هـ وطلب إلى الاطلاع على (خبر) حملته صفحتها الأولى، يقول الخبر:(صدر بيان صهيوني في القدس المحتلة يدعو الفلسطينيين الى الهجرة من ارضهم.. تضمن البيان مغالطات تاريخية كثيرة تزعم أن ارض فلسطين لليهود وحدهم.. ويحمل البيان عنواناً لافتاً للأنظار هو ( نداء إلى جميع المسلمين الساكنين في ارض اليهود!!).. وتضمن هذا البيان الغريب آيات قرآنية منها {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (46) سورة العنكبوت.
انهيت قراءة الخبر ولم أشعر أن لدي أية رغبة في التعليق، تالمت فقط، وأكملت ما لم يتضمنه الخبر من الآية القرآنية الكريمة {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } (46) سورة العنكبوت، وذهبت مباشرة إلى العنوان الذي اختارته الجريدة، فإذا هو (بجاحة صهيونية)، فقلت لعل العنوان يغني عن التعليق، واكتفيت باستعراض مماطلات ( او إملاءات) اليهود في مفاوضاتهم مع الفلسطينيين ابتداءً من اوسلو الى يومنا هذا، ثم مررت بالبدع العجيبة التي تبنتها السياسة الاسرائيلية من وقت إلى آخر، والعالم المكشوف كله يشهد دون حراك: الحصار، تقطيع الأوصال، الاغتيالات، الاجتياحات, هدم البيوت، ثم فك الارتباط، الجدار العازل، التفكير في الانسحاب من غزة، مبادلة مستوطنات غزة بـ 50% من أراضي الضفة الغربية، وهذه الأخيرة اعجبتني حقيقة، (مبادلة الأراضي) أي انهم اصبحوا يمتلكون الارض ويرغبون في مبادلتها!!، ثم العدول عن كل ذلك والتوصل إلى القرار النهائي أو البيان الصهيوني المتمثل في رحيل الفلسطينيين من أرض اليهود كما جاء في الخبر أعلاه.
وهكذا نجد أنفسنا أمام عبارتين مختلفتين تماماً، ولكن أيهما الأدق والأشمل؟ الغباء السياسي) كما قال سيد المقاومة؟ ام (البجاحة الصهيونية) كما قالت الوفد المصرية؟ ام كلاهما معاً؟ ام أن الأمر لا يعدو كونه (غفلة انتابت المسلمين إلا من رحم ربي) والله المستعان؟
|