تابعت باهتمام كبير ما نشر خلال الفترة الماضية عن الدورات القرآنية المكثفة لحفظ القرآن الكريم في شهرين في بعض الصحف والتي أشاد بها الكثير بأنها تجربة رائدة واستغرب البعض الذين رجحوا الطريقة التي تجعل الإنسان يحفظ القرآن الكريم خلال سنتين أو أكثر، ولا نختلف جميعاً على أن المسألة اجتهادية لا نص فيها، وهي وسيلة وليست غاية، فالمهم في الأمر هو حفظ القرآن الكريم، والأهم هو العمل به فهذا هو الهدف الأكبر والغاية العظمى.ومن واقع التجربة فإن الحرص والرغبة والتفرغ لحفظ القرآن الكريم في دورة مكثفة أو برنامج معين يعطي الحافز للحفظ ويؤتي الثمرة، ويكون الإكرام من الله تعالى لحافظ القرآن الكريم؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }(1) وهناك من الشواهد والأمثلة العديدة على ذلك.فالدّورة المكثّفة تُعنى - برأي المختصّين - بأهل الهمم فتزيد من ثقتهم بأنفسهم، وليس من العجيب الحفظ خلال شهرين؛ ألم يكن الكثير من السلف من يحفظ من المرّة الأولى؟! أليس الشّافعي أحد الرّجال الذين كانوا يخفون الصفحة قبل الصفحة حتى لا تتناقلها العين فتحفظها؟! ومن شواهد عصرنا أن الشيخ سعيد شعلان - حفظه الله - حفظ القرآن الكريم كاملاً مع موقع كل آية ورقمها في ستة أشهر.ولا شك أن النتيجة تكون أنجع بعد الاستمرار في المراجعة والتثبيت، ولا نجد أحداً بعد الدّورة قد ترك القرآن إلا أنسيه، وهذا ما يحصل ليس لمن حفظ في دورة مكثفة أو فترة زمنية محددة، بل يمكن أن يحصل لكل الحفظة إذا لم يتعاهدوا القرآن الكريم؛ قال صلى الله عليه وسلم (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها)(2).فمتى وثق الطالب بمقدرة عقله عمل معه العجائب. فلماذا ينتظر صاحب الهمة العالية سنين حتى يحفظ؟ وكما قال أحد الصالحين السابقين: (انظر.. لا يقطعنك قاطع عن سرعة المبادرة بالأعمال؛ فإنه ليس بين الدارين دار أخرى يدرك فيها العباد ما فاتهم من طاعة الله)!إذاً فالآراء تختلف بحسب الأشخاص فمن كان واثقاً من انه يستطيع أن يحفظ بإتقان على فترات طويلة ويستمر فحسن.. ولكن هذا غير مضمون؛ لأنه لا يدري متى يشغل وبماذا يشغل. وقد ندم الكثير على عدم استغلال الفرص، وقد تؤدي هذه الطريقة إلى الانقطاع الكامل عن الحفظ، وكثير من طلاب العلم قد وقع في هذا المنزلق ولم يوفق لما أراد.أما بالنسبة للدورات المكثفة فهي مشروع ناجح، خصوصا لمن استمر في المراجعة (ومع المراجعة الدورية يثبت الحفظ) وهي - إن شاء الله - من أعظم المحفزات على الحفظ، وعلى اكتشاف ما للعقل من قدرات جبارة في الحفظ والاستيعاب، ومن أجزل ثمراتها أنها تعين على حفظ أشياء أخرى غير القرآن الكريم، وكل من جرّب يعرف ما لها من فوائد، وأنها خير معين، وليس من سمع كمن رأى. والخلاصة: نحن مع الدورات المكثفة قلبا وقالباً.
(1) سورة القمر(2) متفق عليه
|