في استجابة سريعة لما كُتب أمس عن إشكالية التفريق بين الصحفي المتفرِّغ والصحفي المتعاون وردني من الزميل حسين بالحارث رسالة (إلكترونية) تتضمن آراء قيِّمة حول هذه المسألة التي رافقت الصحافة السعودية منذ نشأتها وكانت في وقتها ضرورية إلا أنه وبعد إنشاء العديد من أقسام الإعلام في الجامعات السعودية ورفد الأقسام الأخرى ذات العلاقة بالصحافة السعودية بصحفيين متخصصين في السياسة والاقتصاد والرياضة، جعل من الصحفيين المتفرغين الشريحة الأكثر حضوراً وإنتاجاً وكرَّس مهنة الصحافة كمهنة لا تقبل الممارسة من قبل الهواة أو لقضاء الوقت. ويقول الزميل بالحارث في رسالته:
* إن المنطق يحتِّم علينا التركيز على الصحفي المتفرِّغ للمهنة، فهذا أولاً حق من حقوقه الأساسية لأنه ببساطه يؤمن بهذه المهنة كرسالة ومن أجل ذلك يخاطر بمستقبله ويرهنه فيها رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر وظيفية، حيث من المعروف أن الصحفي السعودي قد يجد نفسه في الشارع دون أدنى سبب، بل قد يدفع ثمن أخطاء وسياسات غيره دون رحمة.. والأمثلة كثيرة، ويصبح الصحفي المتعاون أداة ضد المتفرِّغ ويمنع حتى تطوره وصقل مواهبه؛ لكونه الأقل كلفةً والأسهل في التعامل أو هكذا ينظر بعض المسئولين للأمر والمتفرِّغ يدفع الثمن.
* إن الصحافة مهنة ثانوية بالنسبة للمتعاون الذي قد يكون منتمياً إلى جمعية أو هيئة أخرى تحقق له طموحاته في مجال عمله الأساسي هذا، ولكنه للأسف أصبح في بعض الأحيان يحتل مكان الصحفي المتفرِّغ دون وجه حق، بل الأدهى وما نعرفه جميعنا أن معظم الصحفيين المتعاونين يتخذ من الصحافة وسيلة للوجاهة وتحقيق المصالح الخاصة ولاسيما لدى الجهة التي يعمل بها عندما يحوِّل الجريدة إلى لوحة دعاية وإعلان لرئيسه والجهاز الذي يعمل به.
* أما من الصعيد الإستراتيجي فإن الصحافة السعودية لا يمكن لها أن تتطور في ظل الاعتماد على المتعاون لأسباب جوهرية أهمها:
- أن المتعاون قد لا يكون مؤهلاً للعمل الصحفي من الأساس ولكن مركزه الوظيفي في الجهة التي يعمل بها يسمح له بتوفير بعض الأخبار والتقارير الدعائية (موظفو العلاقات العامة)، وقد توسعت بعض الصحف للأسف في الاعتماد على المتعاونين من الموظفين الحكوميين لدرجة أنه أصبح في كل إدارة (موظف مراسل) مهمته الدعاية لإدارته وأحيانا منع نشر أي نقد يطول إدارته لدى الصحيفة.
وفي ظل هذا الوضع يصبح السؤال:
هل سيقدِّم هذا المراسل للصحيفة ما لا يرضى عنه رئيسه في جهة عمله الرسمي.
- إن الصحفي المتعاون لا يمكن أن يشعر بالمسؤولية إزاء الأحداث كما يمكن أن نتوقع في الصحفي المتفرِّغ؛ وذلك لعدة أسباب أهمها أنه يعمل وفق مزاجه في الغالب ووفق مصالحه أيضا وقد لا يكون مؤمناً بماهية الصحافة من الأساس ولو كان المجال يسمح بتقديم أمثلة على ذلك لوجدنا الكثير مما يقال في هذا الصدد.
- استغلال المهنة.. وهذه جريمة بحق قيم هذه المهنة لا تحتاج منا إلى برهان .. حيث إن كثيراً من المتعاونين يرتبطون بهذه المهنة لأسباب شتَّى ليس منها الإيمان بقيمة المهنة نفسها، ولو وجد المتعاون الذي يتوفَّر فيه هذا الشرط الأساسي لتفرغ للعمل بها واتخذ منها مهنة أساسية.
إذن:
هل يمكننا الاعتماد على صحفي غير متفرِّغ لتطوير العمل الصحفي؟
- وتبقى مسألة مهمة وهي أن بلادنا تشكو من البطالة بينما صحفنا تترك الباب مفتوحاً للجمع بين وظائفها مع وظائف أخرى بينما هناك من هو أحق بهذه الوظائف.
المعالجة المقترح المناداة بها..
1 - أن تلتزم الصحف بوضع خطة تضمن إغلاق باب التطفُّل هذا؛ وأعني ظاهرة الصحفي المتعاون وذلك بالتدريج وعبر الالتزام بنسبة توظيف متفرِّغين ترتفع سنوياً بحيث يتم التخلص من وظائف المتعاونين في غضون سنوات محدودة.
2 - الاهتمام بالتدريب والتطوير داخل الصحف نفسها عن طريق نظام التدريب على رأس العمل.
عديدة هي النقاط التي تناولها الزميل حسين بالحارث والتي تصلح لفتح نقاش قد يساعد في ترسيخ المفاهيم المهنية ويحدد بوضوح سمات وصفات وشروط الصحفي السعودي.
|