ترجمة - خالد حامد
يان مارتل هو الفائز بجائزة بوكر هذا العام عن روايته الخيالية المليئة بالروحانيات والتي تدعى حياة باي (Life Of Pi) وهي عن ابن حارس حديقة الحيوان الذي يجد نفسه نجا على شاطئ حر برفقة نمر بنغالي، أخذ مارتل قسطاً من الوقت بعيداً عن القراءة والكتابة واحتفالات التكريم ليجري حواراً عن حدائق الحيوان والاعتقادات وروايته القادمة، وهنا نوجز بعضا من حواره:
* في مقدمة رواية حياة باي أثرت انطباعاً مفاده أن الرواية مبنية على واقع فما هو حجم الواقع الحقيقي بالرواية؟
- يان: تلقيت هذا السؤال كثيراً لأننا في الغرب تراودنا كثير من الهواجس تجاه الواقعية ودائماً ما أكره الإجابة عليه، ينتابني شعور أنني إن أجبت بلا سأخذل القراء وهذا ما حاولت مراعاته بالرواية، فلنعتبرها خيالية، ماذا في ذلك؟ فالناس بحاجة إلى حقائق واضحة لأنها قد تطمئنهم قليلاً، قد تبدو سخيفاً عند تحدثك عن حقائق بديهية ولكن بطريقة ما سيجد بعض الناس ذلك مطمئناً. فكل شيء يحتاج إلى خيال مفرط أو إلى إيمان يكون محط شكوك، أحياناً عندما يسألني الناس أقول لهم: بماذا تؤمنون؟ ما هي نوعية الرواية الأفضل برأيكم؟
* ما هو حجم البحوث التي اجريتها على الحيوانات وعلى حدائق الحيوانات قبل كتابة رواية «حياة باي»؟.
- يان: أنا أحب حدائق الحيوان كثيراً، قبل كتابة الرواية كان حكمي على الناس انهم يكرهون حدائق الحيوان، فمعظمهم لا يضع فرقاً بينها وبين السجون، تعرفت على كثير من الحيوانات، حتى أن حيوانات الحدائق أذكى من غيرها، فهي ما أن تجد القفص مفتوحاً حتى تقفز خارجاً، فبدأت أجري بعض البحوث لأني سأحتاج إلى نمر بقارب، فكيف سيتسنى لي ذلك؟ هل يكون نمراً برياً؟ أم نمر سيرك؟ قد يكون نمراً من حديقة حيوان! وأخيراً استقر الرأي على أن يكون نمر سيرك، وطالما أنه كذلك فلا ضير في قليل من البحث ولأن حدائق الحيوانات هي مكان فظيع ولا أريد أن أتحول في الخوض في نقاش هذا الشيء، وبعد قليل من البحث أدركت بأني كنت مخطئاً وأن كثيراً من الناس آراؤهم مبنية على ضيق الأفق وقلة معرفتهم بتصرفات حيوانات فهي في غاية الذكاء، فحدائق الحيوانات الجيدة تلبي احتياجات الحيوانات في الأشياء الآتية، للأكل والمشرب والمناخ الملائم لها وحتى كمية الضوء الذي تفضله، إن حصل على كل ذلك فهو حيوان قانع، ويبدو ذلك خلال مقدرته على الانجاب مما يدل على أنه يعيش حياة طبيعية وأفضل دليل على ذلك الأسود، تجد أن معظم حدائق الحيوان لا تدري ماذا تفعل بالعدد الضخم من الأشبال التي بحوزتها فهي كالأرانب في كثرتها، فالذكور كالبشر لا تفعل شيئاً سوى انتظار ما تعود به الاناث، وهي لا تفضل تلك البراري إلا لتوفر الطعام الذي تصول وتجول بحثاً عنه، وطالما توفر ذلك الشيء (أي الطعام) فحاجتهم للمساحة تتقلص تلقائياً.
* هل كنت تملك حيوانات أليفة أثناء نشأتك؟
- بان: نوعاً ما، جميع الأطفال في مرحلة ما تستهويهم فكرة امتلاك الحيوانات، جميعنا كان يجب أن يكون له كلب أو قطة، عندما كنت طفلاً عشت لعامين في كوستريكا بينما كان يعمل والداي بالسلك الدبلوماسي وكانت هناك حديقة بمنزلنا بها كثير من الحيوانات تخصنا ، أرانب، وكلاب صغيرة وكنت أمتلك قرداً وسلحفاة صغيرة.
* هل نشأتك في كوستريكا كانت احد العوامل التي أدت إلى انبهارك بعالم الحيوان؟
- بان: أنا لست مادياً، لم أمتلك سيارة قط مما يعني أنني أسير المدينة، وأنني مللتها وأسعى جاهداً للخلاص منها، فأدركت أهمية الطبيعة، تخيلت نفسي سأكون أسعد بها فذهبت أبحث وراء رغبات الحيوانات ظاناً أن ذلك سيقود إلى الخلاص، أنا توجهت للحيوانات لأنها تناسب روايتي عن باي، وكتابي القادم أيضاً سيتناول شيئاً عن الحيوان ولكن بصورة واقعية لأنها ستناسب ما سأرغب في طرحه، حتى أن في أول رواياتي كان هناك كلب.
* لم يتم اصدار مجموعة قصصك القصيرة وروايتك التي تحمل اسم النفس Self في الولايات المتحدة بعد.
- بان: النفس Self.. كلا ولا يجب أن يتم اصدارها لأني اعتبرها رواية سيئة ويجب أن تختفي، جزء منها جيد ولكن الغالب سيئ ولا أحبه، أما عن مجموعة القصص القصيرة الأولى فما زالت جيدة، قد أقبرها يوماً ما وأعيد كتابتها، لأني كنت أتعلم كيفية كتابتها، وسأعيد ذلك للتخص من بعض المبالغات الطرازية التي تحتويها.
* ما هي الرواية التي تعمل عليها الآن؟
- بان: هما روايتان، الأولى كتبتها بالبرتغالي وبها بعض قرود الشمبانزي، نفس الشيء حيوانات واعتقادات، ولأسباب غريبة رغبت أن أقدم الشمبانزي برؤية مختلفة، كمشروع بشري، بشر في قناع حيوان، كشيء واقعي يمثل الإنسان المتحرر وكشيء يبدأ وينتهي في نفسه، ولا يمكن اختراقه، أما الرواية الثانية فهي اقتباس عن رواية المحرقة (Holocaust) بطلاها حمار وقرد تم تجسيدهما بشرياً في كل شيء، في النهاية أظن أنني سأعود إلى البشرية.
* هل سبق أن أتيحت لك فرصة مشاهدة نمر من نقطة قريبة جداً من قفصه؟
- بان: كلا لأن حراس حدائق الحيوان لا يسمحون بالاقتراب من أقفاص الحيوانات، ونادراً ما ترى بعض عمال الحدائق يدخلون الاقفاص ولكنهم مرغوب بهم بحسب أوضاعهم، ولكني غريب عنهم مما يدعوهم إلى مهاجمتي، قد أفعل ذلك مع الخنازير، ولكن النمور تهاجم من أجل القتل.
* ما رأيك بالذين يقارنونك بالكتاب أمثال ايرنست هيمنجواي Ernest Hemngway؟
- بان: برأيي ما أن يظهر شيء جديد حتى يذهب الناس إلى مقارنته بشيء هم معتادون عليه، ويسعني تفهم السبب، لو قلت لك أن باي هو فتى كان على سطح قارب برفقة نمر لقلت أنها خرافة، ولكنها في الواقع ليست كذلك، إنها رواية واقعية تماماً وساعد ذلك على مقارنتها برواية البحر والرجل العجوز The old man and the sea الفائقة الجراءة.
بعضهم يقارنها برواية بو Poe آرثر غوردون بايم التي أكرهها تماماً، فهو ليس كاتباً وما قدمه ليس سوى عمل أجوف يفتقر إلى جميع مقومات العمل الأدبي، والشيء الوحيد الذي ساعد على بقائها هو أن كاتبها هو بو، كما أن دائماً هناك مقارنة بين جميع الأشياء التي حدثت على البحر مثل ميلفيلي Melvilly والبحر والرجل العجوز The old man and the sea وغيرها وجميع هذه المقارنات سطحية وعارية من الموضوعية.
قد أكون أعجبت بعبقرية هيمنغواي ولكن هذا لا يعني أنني أخذتها بمحمل الجد فضلاً عن أنها قد تؤثر على رغبات المرء.
* لقد تنقلت كثيراً وعشت فترات متقطعة في أماكن كثيرة، ما هو المكان الذي عشت به أطول فترة من حياتك؟
- بان: كان يعمل والداي في السلك الدبلوماسي وخدما فترتين في كل من أسبانيا وكوستريكا، أنا ولدت في أسبانيا لأن والداي كان بعد رسالة الدكتوراه هناك، وعندما بلغت الثالثة انتقلنا إلى البرتغال ومنها إلى ألاسكا حيث درس والدي بجامعة ألاسكا، عشت فترتين في باريس حيث كانت كل منهما أربعة أعوام ثم عاماً آخر برفقة صديقة، ظللت أتردد كثيراً على مونتريال منذ أن كنت في العشرين، تنقلت بين الدول الأوروبية بعض الشيء وقضيت عاماً بالهند وزرت كلاً من المغرب وتركيا وبعض دول أمريكا الجنوبية.
* ألم تراودك فكرة الاستقرار؟
- بان: هذا يحتاج إلى وقفه، فمتى أعود كبقية البشر، ذلك المنزل المليء بالأثاث والأمتعة، والمكتظ بالكتب والمقررات، فكلما أفكر في ذلك أدرك أني لم أبن منزلاً وهل سيتسنى لي ذلك؟ ومن ناحية أخرى العالم كبير ومليء بالأشياء الجميلة، كما لم أتخيل نفسي ميتاً دون أن أنجب طفلاً، سأعتبر نفسي فاشلاً إن لم أفعل ذلك، لأن هذا هو الجزء الأساسي بالحياة، ولكن من ناحية أخرى فأنا لم أزر نيبال بعد، لم أزر جزر الباسيفيكي، يجب أن أذهب إلى نيوزيلاندا، لم أعود إلى أمريكا الجنوبية منذ خمسة عشر عاماً، أنا لا أدري أين هي أجمل ذكرياتي هل هي في الآنديز أم في بيرو أم بين أهرامات المكسيك الرائعة أم تائهة بين الهند وتركيا، هناك أساليب عديدة للحياة فيما يختص باللغات والاعتقادات، والأطعمة والسلوك المتبع بين الأجناس فهي اختلاف مستمر فما يغريك لطلب المزيد، ولكن في النهاية أظن أنني سأستقر لأن السن قد يقوم بعمل الكوابح إلى حد ما.
* كيف حصلت على الصبر لتستقر وتكتب رواية باي؟
- بان: الأمر لا يتعلق بالصبر بل بالاستقرار، أنا لا أكتب أثناء التجوال، أكتب بعض الملاحظات وحسب، ولكني حصلت على الاستقرار جزئيا،ً أن كتابة كتاب أمر رائع، كتابة رواية حياة باي Life of Pi كانت سهلة جداً، استغرقت أربعة أعوام لأني كنت أكتب بتمهل وتأن حصلت عليه بصعوبة واجتهاد ولكنه كان ممتعاً أي عقبة أو معضلة كان علي التغلب عليها، كان شيئاً مسلياً وممتعاً، لم ينتابني قط الشعور باليأس من الكتابة، الجزء الأول من الرواية هو الأصعب لأنه توجب على توصيل كثير من المعلومات عن حدائق الحيوان وعن الاعتقادات وعن باي نفسه وعن باي في الهند وفي كندا.
|