في زمن مضى كان أفراد الأسرة الواحدة في اجتماعاتهم يشكلون دائرة أو قوساً حول موقد النار واواني وأدوات القهوة العربية وما يتبعها من الشاهي والنعناع والحليب مع الزنجبيل شتاء، ويبرز في صدر مجلس الأسرة مقعد مميز وثير يتخذه كبير العائلة متكأً، وجعل قربه رفا أو أكثر لاتخلو من كتاب ومصحف شريف وعلبة مزخرفة تحوي كمية من العود الأزرق (البخور) وزجاجة من عطور شرقية كدهن العود أو زيوت عطرية مخلطة وذلك لاكرام نفسه وذويه وضيوفه كلما عنَّ له ذلك وصفا خاطره.
ومن هذا المجلس الدائري ونصف الدائري يتعلم الأبناء من والدهم وجدهم وكبار أقاربهم السلوك الأصيل والخلق الفاضل والعادات الحميدة ويكتسبون دروساً مفيدة لهم في دينهم ومعاشهم، ولن يفلت من يتغيب عن المجلس بشكل متكرر من المساءلة اللطيفة والتوجيه الكريم فإن تبين أن في الأمر نفوراً أو خللاً يتم علاجه وتقويم المعوج، هذه الصورة وخطها الدائري بدأت تتغير وتتحول تدريجياً إلى خط مستقيم تبعاً لمعطيات العصر، وزاد الأمر سوءا حينما انفض جمع الاسرة وانقسهم إلى أفراد ومثنى، فبعد أن استقامت الدائرة بخط مستقيم أمام شاشة التلفزيون تاركة الجد والجدة ومن يستحي من الأب والأم والأخ الأكبر في انهماك بمتابعة كل مايستجد من عروض متلفزة بعيدة عن واقعنا وأسلوب حياتنا، صار بعض أفراد الأسرة ينعزل في غرفته أمام حاسوبه أو شاشته المفضلة وفضائياته الموغلة في إشباع رغباته ورغباتها أو بالأحرى حث تلك الرغبات على الظهور والجموح.
أما وأنني أتحدث عن الأمر بأسى الا أنني مازلت أُجاهد ونجحت نسبياً في إبقاء أسرتي مستديرة ولكنني لم أرفض التحديث.
|