كلنا يأتي إلى الحياة مملوءاً بالحياة، وتمتد فيها ظلاله، وتتسع خطواته، وفي باله أهداف يجند كل طاقاته لتحقيقها أو التماس معها على الأقل، قبل الوثبة الأخيرة عليها.
وأجمل الأهداف تلك التي لا تنتهي بتحققها، ولا يخفت بريقها حين تصبح طي القدرة والتمكن منها، بل على العكس تماما تكبر تلك الأهداف وتزهو ألواناً وقيماً، كلما دنت منها لحظة الإنجاز يقال عندئذ إنها أهداف ممتدة ومتسارعة بامتداد العزيمة وتسارعها.
حين تدخل المرأة في وطننا ميدان التحصيل العلمي، تضع نصب عينيها العلم والدرجة العلمية، وحينما تحوزهما تمتد أحلامها إلى الوظيفة، وحين تتقن الوظيفة وتبرع فيها، تلوح في آفاقها أهداف منبثقة لا تقل لمعاناً عن أهدافها السابقة، فتسعى إلى تطوير أدائها وتجند كل قدراتها لتواكب التحصيل العلمي الأعلى الذي يؤهلها لترقى في السلم الوظيفي المتاح.
لكن ما الذي يحدث عندما تصل طموحاتها إلى المراتب العليا علما ورتبة وظيفية؟! هنا تبدأ نجوم الأهداف في الأفول، وتتراجع قيمة الطموح، والسبب أنها وصلت الى طريق وظيفي مسدود، لا خروج منه إلا إلى التقاعد حتى وإن كانت في سن مبكرة.
على عكس ذلك الرجل الذي يمكنه الخروج إلى ميدانه الخاص فينشئ عمله الخاص ويستثمر تجربته وخبرته لتحسين هذا العمل وتحصينه، كل على قدر طاقته واجتهاده، فالمحاضر يفتح مكتبه الخاص، وخريج كلية التجارة يفتح شركته الخاصة، والتربوي يفتح مكتبه الخاص، إلى آخر الممكنات التي يجدها في مساراته واختياراته.
ولماذا نذهب بعيداً؟ فالمرأة الطبيبة، يمكنها بعد تخرجها بسنوات قليلة أن تجد أمامها فرصة افتتاح عيادتها الخاصة، والمضي في ميدان الحياة الخاصة لبلورة مستقبل خاص، وتحقيق طموح لا يقل عن ذلك خصوصية.
فما الذي يمنع خريجة كلية التربية مثلاً، التي وصلت الى أعلى الدرجات والرتب العلمية أن يكون لها مكتبها الخاص بعد ما ينتهي دورها الوظيفي ، وتحال على التقاعد؟!
فإن قال قائل: إن المجتمع بطبيعة تكوينه وظروفه الخاصة في حاجة ماسة إلى المرأة الطبيبة، فإنه يقال له: وهل هذا المجتمع لا يحتاج المرأة الباحثة في شؤون الأسرة والمرأة والنشءعلى وجه الخصوص؟ ثم ألا يجب الاعتراف صراحة بأن هناك فجوة معلوماتية وإحصائية كبيرة فيما يتعلق بأمور المرأة السعودية؟ وأكثر من ذلك، أليس من حق المرأة في مجال تخصصها أن تفيد مجتمعها وتسهم في رفع مستوى التفاعل واستمراريته؟، في الوقت الذي يكون هذا المجتمع في أمس الحاجة إلى مثل هذا التفاعل، والتي هي أقدر من غيرها على أدائه، لأنه يخصها أولاً، ولأنه من صلب تخصصها ثانياً؟!.
نحن في مملكتنا الغالية ارتبطنا منذ زمن ليس بقصير بمعادلة المألوف والممكن في ظل ظروف خاصة. وداهمتنا بقوة شديدة تلك الخصوصية التي اختبأنا أو خُبئنا وراءها.
هل سنبقى إذاً أسرى للمألوف (الدائم) بحجة وجود الظروف (المؤقته)؟!، أم أننا سنساوي ما بينهما على الأقل، إن لم نُغلب الظروف على المألوف؟!.
فاكس: 2051900 |